سيد قطب .. في آخر فتوى سلفية
سيد قطب .. في آخر فتوى سلفية
شاهر الحسيني - المدينة المنورة
منذ نشأتها في مصر على يد الإمام حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين
على علاقة وطيدة بالاتجاه السلفي سواء على مستوى جماعات أو على مستوى أفراد ، فمثلاً كانت جماعة أنصار السنة المحمدية والتي تتبع منهج الإمام محمد بن عبد الوهاب لا تجد حرجاً في دعوة مشايخ الإخوان لإلقاء الدروس الوعظية على أعضائها وفي مقارها ، كما كانت علاقة الإمام البنا جيدة جداً مع السيد محب الدين الخطيب السلفي النزعة ، وقد طلب منه الإمامُ البنا أن يتولى إدارة جريدة الإخوان المسلمين ، فوافق بكل سرور .
وقد صرح الإمام البنا أن الإخوان المسلمين يصدرون في اعتقادهم عن منهج
السلف الصالح ، ولولا أنه رأى في الدعوة السلفية الحالية - شأن سائر الدعوات الإسلامية المعاصرة - اقتصاراً على جانب دون آخر من جوانب الدعوة الإسلامية لما وجد ما يصرفه عن الانخراط في أنشطتها ، إلا أنه رأى صعوبة تحقيق حلم إقامة دولة الإسلام أو حتى حلم تطبيق شيء من الأوامر الشرعية إلا بفهم شمولي للإسلام ، وبالعمل على كافة الأصعدة والأنحاء .
ومع استقرار كثير من إخوان مصر وسوريا في المملكة العربية السعودية إثر ظروف معروفة ، تنبهت بعض الجماعات المحسوبة على السلفية إلى المد الإخواني الذي كان ينمو في الجامعات والمراكز الدينية وبشكل مطرد ، واعتبرت الأمرَ محاولةً لوأد دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ، ومن ثم انطلقت في تقصي كتب الإخوان ورصد الكلمات القابلة للتأويل لتأويلها وفق ما يخالف اعتقادهم ، وتفاجأ الإخوان بآلم طعنة طُعِنوها يوماً إذ طُعنوا في عقيدتهم زوراً وبهتاناً ، وآثروا الرد العلمي المُصمي ولكن بلغة أخوية مأدبة ، ولم يشاؤوا أن ينشغلوا مع هؤلاء بمعركة جانبية الخاسر فيها - حتماً - هي وحدة المسلمين ، واعتقدوا أن في الذي ألَّفوا من ردود ودحضوا من شبهات الكفاية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد .
وباتت محاولة الرد على السيل المنهمر من الكتب الطاعنة في عقيدة ومنهج الإخوان عبثاً ومضيعة وقت ، إذ الشبهات هي هي والأباطيل لا تكاد تختلف ، وظهر أن أصحاب هذه الشبهات لم تعنهم الحقيقةُ بقدر ما عناهم الجدل العقيم النابع من الفهم السقيم .
ورغم تبرئة كثير من العلماء المعتمدين لدى السلفية للإخوان المسلمين ولسيد قطب مِن الذي نُسب إليهم وإليه ، كالعلامة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - والشيخ بكر أبو زيد وغيرهما ، إلا أن هذه الفئة من السلفية رفضت هذه التبرئة من مشايخها ، وربما لولا تاريخ هؤلاء المشايخ في الاتجاه السلفي ومكانتهم الشعبية والرسمية لما توانت عن تضليلهم ! .
وقد وجدت هذه الفئة في المواجهات المسلحة بين السلطات وبين بعض الجماعات الإسلامية في مختلف الدول العربية والإسلامية مدخلاً مناسباً للنيل من الفكر الإخواني بإلصاق هذا الفكر التكفيري الذي تحمله تلك الجماعات بفكر الإخوان المسلمين .
واشتدت الحملة في السعودية - مؤخراً - على الفكر الإخواني في هذا الوقت الذي تشهد فيه السعودية مواجهات عنيفة مع بعض هذه الجماعات المتشددة .
نال الأستاذ سيد قطب النصيبَ الأكبر من الاتهام ببذر بذور هذا الفكر التكفيري ، إذ أنه رأس تيار الصقور الإخواني ، ودعوته المتكررة إلى مقارعة الظلم تحتل جزءاً كبيراً من كتاباته ، خصوصاً في تفسيره الكبير ( في ظلال القرآن ) .
وفي هذا الجو الحرج الملبد بالغيوم يفاجأ الإسلاميون بشهادة المفتي العام للسعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ في سيد قطب وظلاله ، إذ يَعتبِر الظلالَ كتاباً ذا أسلوب أدبي راق عال في الصياغة تتقاصر دونه أفهامُ من أساؤوا فهمه وحملوه ما لا يحتمل من الدلالات .
ووجد الشيخُ آل الشيخ لسيد قطب العذرَ إن كان قد أخطأ في بعض ما كتب فهو في النهاية ليس متخصصاً في العلوم الشرعية ، وأشاد بمواقفه التي وصفها بالجيدة ، وأوصى بقراءة ظلاله مراراً وبالإفادة من الكلمات النافعة له التي فيها الخير الكثير .
كان لهذه الشهادة والإشادة من أعلى مرجع ديني رسمي في السعودية وقعاً خطيراً في الوسط الإسلامي ، ليس لمجرد صدروها عن هذه الجهة ، ولكن لمواكبتها هذه الأحداث الدامية في السعودية وهذه الحملة - من ورائها - ضد الفكر الإخواني ، مما دفع المهتمين إلى وضع فروض ربما تكون الدافعة لإظهار المفتي العام هذه الشهادة ، منها :
1- الشعور بضرورة توحيد الصف الإسلامي السني أمام المدّ العلماني والشيعي الذي فتحت أبوابه التعديلات الديمقراطية الأخيرة في السعودية ، ويذكر أن المد العلماني في السعودية لا يجرأ حالياً على المساس بأولويات ومقدسات الاتجاه السلفي ، لكون السلفيين جزءاً من السلطة ، ولأن الأطروحات السلفية لا تشكل خطراً على أطروحاته كالخطر الذي يشكله التيار الإخواني المنفتح ذو الأيديولوجية الواعية والخبرة المتميزة في التعامل مع الاتجاهات اليسارية والليبرالية .
2- وربما كانت محاولة - أيضاً - لرص الصف الإسلامي السني لاحتواء العناصر المسلحة المتشددة ، بعد فشل الاتجاه السلفي وحده في احتوائها .
3- وربما كانت هذه خطوة في مسيرة سياسة جديدة للسعودية - بعاهلها الجديد - مع التيارات الإسلامية المعتدلة ، وهذا إن سلمنا - وهو المستبعد - بخضوع مؤسسة الإفتاء للسلطة الحاكمة .
4- وربما كانت - وهو الراجح بإذن الله تعالى - مراجعةً دقيقة مجردة من التعصب والهوى لفكر جماعة الإخوان المسلمين عامة ، وفكر سيد قطب خاصة والذي يمثل فيها - كما أسلفنا - رأس تيار الصقور والمحافظين .