رمضان... شهر جمع النقود للجمعيات الخيرية
رمضان... شهر جمع النقود للجمعيات الخيرية
نحن مع جمع النقود ولكن..أين الرقابة؟
وليد رباح
قد نفاجأ بهجوم صاعق وشتائم لا حصر لها إن تحدثنا بشيئ من الصراحة عما تقوم به جميعات إسلامية وأخرى عربية وثالثة إقليمية ورابعة أممية..عما يجمعونه من نقود في شهر رمضان المبارك..توطنه لإرساله أو (بعضه) إلى مستحقيه من فقراء هذا العالم. بعضهم في فلسطين والبعض الآخر في لبنان والثالث في أفريقيا والرابع في العراق والخامس في دول إسلامية متعددة.
ورغم أننا نشجع ما تقوم به هذه الجمعيات ولكن ضمن أسس محددة (وليس كما يحدث الآن فالحبل على الغارب..) فإننا لسنا من هواة منع الخير ولا من هواة المناكفة ووضع العصي في العجلات وهي تسير..إلا أن ما يحدونا لأن نفعل ذلك أننا نرى من يعمل في تلك الجمعيات يمشي على قدميه في بدء عمله في الجمعية..ثم بعد لأي يركب عجلة..ومن بعد ذلك يشتري سيارة (على قد الحال) وفي آخر الأمر نراه وقد (امتطى) سيارة يعجز أعتى زعيم عربي أن يركبها..فمن أين؟ فهل فتحت (له مغارة علي بابا) أبوابها لكي يغرف من المال ماشاء الله له أن يغرف. وفي أحسن الأحوال وحتى يغطي على ما يقوم به في الجمعية فإنه يظل على (حال) من الفقر البائس في تصرفه ومظهره حتى لا يصاب (بالعين أو الحسد).
وهذا لا يعني أن (طينة) الجميع معجونة من تراب رائحته عطنه..فربما تجد البعض قد عفت يده ونفسه وعمل لوجه الله تعالى. ولكن أولئك أندر من العملة (الإسلامية) في المتاحف العربية..فإنك تجدها مصكوكة زمن الخلفاء من بني أمية والعباس وتملأ متاحف الغرب ولكنك لا تجد أيا منها في المتاحف العربية لأنهم ببساطة (يبيعونها!!!). ومن تلك الجمعيات جمعية الارض المقدسة The holy land fund التي انشئت في الستينات من القرن الماضي ولم تزل تعطي وترسل الى الفلسطينيين بعض ما يقيم اودهم ..
نحن لا نتهم أحداً بالسرقة..ولكننا ننبه كما نبهنا في الكثير من الحالات ثم وقع المحذور..فالنقود إن كانت (مكدسة) كما يجرى الآن تغري الإنسان بالسرقة ومد اليد..ولا يقولن لي أحدهم إنني (متدين..وأخاف الله) ولا أمد يدي..فأنا متدين أيضاً. ولكني رأيت أكداس المال أمامي ولا رقيب يراني فإني أمد يدي حتى لو كان الثمن هو جهنم. فالإنسان هو الإنسان..بضعفه وتراكيبه النفسية المتناقضة..وهو ضعيف أمام المغريات إلا من رحم ربي.
ولا يقلل البعض من أهمية المبالغ التي تجمع في هذه الجمعيات خاصة في شهر رمضان المبارك..فإن البعض منها يصل إلى الملايين النقدية..أما المواد العينية فحدث ولا حرج فإنها تصل أحياناً في قيمتها إلى الملايين أيضاً. وفي المعظم يباع جزء منها ثم يضاف الثمن إلى موازنة الجمعية أو وارداتها..أما البعض الآخر. فيوزع (بحجة عدم الطلب) إلى بعض من في الجمعية ممن يحبون أن يقتنوا بعض أموال غيرهم ويعتبرونها من الهدايا ويقبلونها عن طيب خاطر على اعتبار (أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل الهدية).
ومن المؤكد أن الكثير من هذه الجمعيات تعمل لمصلحة الإنسانية، وربما كانت تلك (الإنسانية) التي يتحدثون عنها بحاجة فعلاً إلى البعض مما يرد للجمعية من نقود أو مواد عينية..ولكن..دعونا نسأل أنفسنا الأسئلة التالية: من أين يتقاضى جامعوا التبرعات رواتبهم؟..وما مدى توافق هذه الرواتب مع إمكانات الموظف التعليمية؟ هل صحيح أن معظم هذه الجمعيات تأخذ نسبة من التبرعات التي تجمع ربما بلغت في معظمها إلى ثلاثين بالمئة؟ وهل صحيح أن معظم هذه الجمعيات تصرف لموظفيها سيارات على حساب الجمعية (تسهيلاً) لعملية الجمع؟ (إن كان كذلك وظفوني عندكم)، هل هناك رقابة فعلية على أموال هذه الجمعيات أم أن الرقابة عليها لا تقتصر إلا على الإقرار الضريبي الذي يقدم (للحكومة) والذي عادة ما يكون مزوراً ولا يتحدث عن الأرقام الحقيقية التي ترد وتصرف..؟ لماذا لا تقوم هذه الجمعيات بإصدار كتيب سنوي عن دخلها والتبرعات التي حصلت عليها والتبرعات (المسترجعة) إلى مستحقيها في بلدان العالم المختلفة دون اختيار أنماط معينة من التركيز الإعلامي بل إدراج كافة (المستحقين) سواسية؟ هل صحيح أن تذاكر الطيران التي تصرف للبعض في هذه الجمعيات بحجج مختلفة توازي موازنة دولة في العالم الثالث مثل الصومال مثلاً..وهل يعقل أن يتفرغ هؤلاء ويهدروا كل أوقاتهم (حباً في عمل الخير) دون أن يكون لهم عمل واضح صريح يعتاشون منه إلا في عملهم في الجمعيات ومن ثم يقولون لك أنهم (متبرعون)؟ هل يعقل كل هذا ومن أين يأكلون...؟
هل صحيح أن الكثير من هذه الجمعيات قد تحول من حالة الجمع إلى القيام بمشروعات (بزنسية) تهدف في الظاهر إلى الإعتماد على دخل معين سنوياً يغنيها عن الجمع المباشر..وفي نفس الوقت لا رقابة على هذه المشروعات مثلها مثل الجمعية الأصيلة التي جاءت بتلك المشروعات.؟
أسئلة كثيرة وأجوبة قليلة..لقد سمعنا الكثير عن هذه الجميعات وعن عملها. وسمعنا الكثير بل (وتأكد لدينا) أن إحدى هذه الجمعيات قد قامت باستثمار أموال لديها في مشروع كبير لإنتاج الروائح العطرية..ومشروع آخر لإنتاج العسل في أمريكا. وثالثة لانتاج مواد التجميل ( تصوروا : مواد التجميل ) .فهل قامت هذه الجمعية التي جمعت كل تلك النقود بتمرير تلك التبرعات إلى الشعوب المستحقة في هذا العالم..؟أم أن مسؤولي الجمعية قد قرروا في (لحظة صفاء) أن يزيدوا الدخل على حساب معاناة أولئك الفقراء الذين ملأوا الجمعية بالنقود على (ظهورهم)..
ورغم أن الإشاعات والأقاويل تحوم حول تلك الجمعيات..إلا أن الجالية العربية والجالية المسلمة بالذات في هذا الموطن من العالم يقومون عن طيب خاطر بتزويد تلك الجمعيات بالأموال المطلوبة لتسيير أمورها والقيام بمهامها..خاصة وأن المتبرع العربي أو المسلم يضع في يقينه أن يتبرع بالأموال سواء كانت صدقة أو عطاء أو زكاة ثم لا يسأل عن مستقرها لأن الحرام يلحق المتصرف بها ولا يلحق المتبرع لأنه تبرع بها تأدية لفرض أو سنة كتبها الله أو رسوله عليه. ومن هنا فإن البعض من هذه الجمعيات يستغل هذه (النقطة) أبعد استغلال..
والملوم في ذلك ليست تلك الجمعيات ولا المسؤولين عنها..الملوم هو المسلم أو المتبرع الذي لا يعرف مستقر النقود التي قام بالتبرع بها..ولا يطالب الجمعية بموازنة سنوية مثلاً أو توضيحاً عن مصاريفها أو رواتب موظفيها أو سياراتها أو مقتنياتها..الخ.. مع ان له الحق كل الحق في ان يعرف مصيره نقوده المتبرع بها .
لقد ظهر إلينا في الآونة الأخيرة أسماء جمعيات ما أنزل الله بها من سلطان..فالبعض منها ميدان عمله (الشرق الأوسط) والبعض الآخر(أفريقيا) والثالث فلسطين والرابع بنغلادش وباكستان وعدلستان ولهفستان..والخامس يرسل (تبرعاته) إلى أرض الله الواسعة دون تحديد جنس أو (دين أو ملة) ولكن الجميع يشتركون في (عمل الخير) الذي أقرته الأديان على اختلافها.
ولا أدري ما الذي يمنع تلك الجمعيات من الإفصاح عن وارداتها ومصروفاتها علنا وأمام الناس..فعدم توضيح هذه الصورة يمكن أن يندرج تحت قائمتين:
الأولى: أن تلك الجمعيات تقدم للحكومة إقرارات ضريبية مزيفة ولا تريد أن تتحدث بالحقيقة خيفة أن (يعلم) بذلك موظفوا الضرائب. مع الأخذ بعين الإعتبار أن معظم هذه الجمعيات (غير ربحية) ولا تؤاخذ على ضخامة المبالغ التي تجمعها لأنها تنزل من الضرائب المفروضة على المتبرعين.
الثانية: أنها تريد أن تخفي الواردات والمصروفات عن المتبرعين لأن فيها ما يعيب أو ما يوجب أن يسأل عنه الموظفون في الجمعية.
ولا ثالث لهذين الأمرين..إلا أمراً واحداً يتعلق بالتصرف السيكولوجي للإنسان العامل في تلك الجمعيات..وهو التستر بالدين والتدين وإطالة اللحية ولبس الخشن والمسكنة في المظهر حتى يقال أنه (من أهل الله).
والمؤلم حقاً..أن طريقة الجمع في تلك الجمعيات تصيب الإنسان المسلم في مقتل..إذ عمدت بعض الجمعيات إلى بث مشهد تمثيلي أذيع في محطات التلفزيون العربية عن فقراء يمثلون أنهم جائعون وأنهم يطلبون اللقمة من أهل الخير..وأشركوا في ذلك فتيات صغيرات وأطفال وأرامل ورجال عاطلون وآخرين لا شغل لهم..كل ذلك بهدف استدرار عطف المتبرع واجباره على مد يده إلى جيبه..ولكن ذلك يصيبنا نحن باحباط كبير لرؤية المشاهد التمثيلية تلك..التي يحاربها (المتدينون والشيوخ) في العلن ومن خلال المنابر على اعتبار أن التمثيل خداع وكذب..ثم تقوم الجمعيات الإسلامية بتصوير تلك المشاهد من خلال شركات متخصصة لجمع المال بالصورة (المقززة) التي نراها على الشاشات.
إن الجرح الذي تسببه هذه المشاهد التمثيلية للإنسان المسلم جرح لا يمكن أن يندمل..ولا يعدو الأمر كذلك فقط..بل إن المشاهد التمثيلية عادة ما تتضمن تصويراً للملابس الرثة التي يرتديها الناس الفقراء والسكن غير الملائم الذي يسكنون فيه والطعام غير الصحي الذي يأكلونه..وهي حالة تجعلنا نتقيأ من الحالة التي وصل إليها جامعوا التبرعات ليس حزناً على أولئك المقهورين من الفقراء..ونحن نعتقد أن الفقير أيضاً يجب أن يكون له من الكرامة ما يؤهله لأن يأخذ المساعدة دون منة ودون أن نشعره بفقره وبؤسه وصعوبة حياته..وإلا أصبحنا نتبع الصدقة بالمن والأذى.
ومن والمآسي الكبيرة التي يندى لها الجبين..أن الكثير من تلك الجمعيات تخالف الشرع الإسلامي في عملية الجمع مع أنها تتمسك بالإسلام (حرفيا) كما تقول: فالجمعيات تحارب الربا على اعتبار أن في تحريمه نصوص قرآنية صريحة: وأنه إحدى وسبعون بابا..أقل باب فيه مشابه (لنكح) المسلم أمه تحت ستار الكعبة..وتلك كلمة جارحة حتى العظام..ومع هذا تلجأ تلك الجمعيات إلى التعامل بالربا عن طيب خاطر..فكثيراً ما لجأت إلى التعامل بكروت الإئتمان (الكردت كاردز) وقبلت التبرعات بواسطتها مع أنها تعلم علم اليقين بأن ذلك نوع فاحش من الربا لا يجوز الأخذ به..ولكن هذا الأمر لا يهم تلك الجمعيات في كثير أو قليل..فالمهم أن تأتي الأموال ولا يهم مصدرها سواء كان نجساً أو طاهراً..وتلك مأساة كبرى يعتبر السكوت عليها اشتراك في إثمها وتحمل لتبعاتها.
نحن لا نريد أن يفهم أحد من هذا الأمر الذي نكتبه أننا نرغب في منع الخير عن الناس..ولو أن الكثير ممن يهمهم الأمر سوف يقولون ذلك ولن يصدقوا ما ذهبنا إليه لأن هذه الكلمة قد كشفتهم على حقيقتهم.ولكننا نريد أن تكون عملية الجمع مسيطر عليها ضمن لجان تتابع المصروفات والواردات وما يشابه ذلك من أمور يمكن أن تؤدي بالإنسان إلى مرحلة الخطأ الفادح الذي يورده إلى السجون في الدنيا وسحيق هاوية النار في الآخرة. بالإضافة إلى طرح فكرة عن وجوب تشكيل لجنة عليا من الفئات الإسلامية لمحاسبة تلك الجمعيات على ما تصرفه ويأتيها من تبرعات..أن تقوم تلك اللجنة العليا بنشر كتاب سنوي عن كافة الجمعيات الخيرية الإسلامية الموجودة بالساحة وكل التفصيلات المالية عنها. ونحن نعلم علم اليقين أن الكثيرين من الفئات الإسلامية التي تهيمن على تلك الجمعيات سوف تتحدث عن هذا الموضوع بكلمة أو اثنتين ومن ثم تنساه أو تتناساه بعد سيل من الشتائم والكلمات البذيئة التي يعتاد عليها كل من يكشف المستور.
الكثير من هؤلاء يمكن أن يقلل من القيمة الحقيقية لهذه الكلمة..الكثير منهم سوف يستشهد بصحف أخرى قالت ما لم تقله (صوت العروبة) عن نزاهة ونظافة تلك الجمعيات..ومدى تعاونها مع الفقراء والمعوزين وتقديم حاجاتهم دون من أو أذى. صحف ممن تتلقى الإعلانات والإعانات والتبرعات من تلك الجمعيات التي تشتري سكوت تلك الصحف بما لذ وطاب من أنواع (النقود) ورائحة النقود.
ويقيناً أننا سنلاحق القضية..ولا بأس من أن يشترك القراء في إعطائنا آرائهم حول هذا الموضوع الهام الذي يتعلق بجانب مهم من حياة الجالية وحياة الفقراء في الوطن العربي..ونحن نعدهم بأننا سننشر هذه الآراء بموضوعية. دون مراعاة للصداقات التي يقال أنها تمنع كلمة الحق من أن تقال.