هل حقا أن العرب لا يمتلكون الإحساس بالمستقبل
هل حقا أن العرب لا يمتلكون الإحساس بالمستقبل؟
حبيب جبر
جلب انتباهي قبل أيام مقال كتبه أحد الإخوة الأحوازيين المكنّى بـ"أبي سعيد" تحت عنوان "ماذا ينتظر العرب؟" وكان هذا المقال تعبيرا عن انزعاج وغضب إنسان عربي حريص، وبذات الوقت شديد القلق على الوضع المزري الذي تمر به أمتنا العربية من تدخلات أجنبية ونوايا عدوانية توسعية في الوطن العربي، فضلا عن الاحتلالات المتعددة لأراض عربية، قديما وحديثا.
ويبدو لي كان كاتب المقال مندهشا شديد الاندهاش من اللامبالاة العربية أو بالأحرى من الأنظمة العربية تجاه الأخطار التي تهدد كيانهم ومصلحتهم العربية، والنار الفارسية التي تـُلهب أطرافهم دون أن يحرّكوا ساكنا لتفاديها. وتطرّق الكاتب في سياق مقاله إلى سلطان حسين الصفوي ملك فارس آنذاك وقصته مع محمود خان الأفغاني حينما هاجم الدولة الفارسية وبدأت تسقط المدن الفارسية الواحدة تلو الأخرى، دون أن يحرك سلطان حسين الصفوي ساكنا. بينما كان كل المحيطين به يحذرونه من الخطر الأفغاني وسياسة محمود خان التوسعية ونواياه واضحة المعالم لاحتلال الدولة الصفوية الفارسية، ولكن ضعفه ولامبالاته وعدم إحساسه بالمسؤولية أدى به في نهاية المطاف إلى أن يسلم تاج الملك بيديه إلى محمود خان الأفغاني،ومن ثم قـُتِل شرّ قتلة،وسقطت أصفهان عاصمة الدولة الصفوية بيد الأفغان.
هذه قصة حقيقية ولكنها مخيفة، مخيفة لأننا نرى أحداثها ماثلة أمامنا اليوم غير أن الأدوار تغيرت والأحداث انعكست، فدور محمود خان الأفغاني التوسعي هو ما يقوم به الآن وبامتياز المجرم المدعو محمود أحمدي نجاد الفارسي الصفوي، ولكن الضحية هذه المرة هي الدول العربية،وها نحن نشاهد الدول العربية تستهدف على يد الفرس الواحدة تلو الأخرى التي ستؤدي بالضرورة الى سقوطها تالياً كهدف فارسي عدواني. فمن كان يتصور أن الأطماع الفارسية سوف تختصر على احتلالها للأحواز يكون واهما، وثبت وهمه وكان من المفترض أن تـُدق عنده نواقيس الخطر حينما احتلت الجزر الإماراتية الثلاثة عام 1971م، حتى لا تصل تالياً إلى لبنان وفلسطين والعراق واليمن وربما كل الدول العربية في المستقبل القريب.
وبهذه الحالة قد لا يبدو الأستاذ الكاتب حسين مؤنس مخطئا حينما وصف العرب بأنهم "لا يمتلكون الإحساس بالمستقبل" وذلك بمقالته المعروفة "مستقبل العرب" التي نشرت عام 1951 في مجلة الثقافة، حيث يشرح فيها الوضع العربي في فترة الخمسينات من القرن المنصرم بقوله: "كل دولة تفكر في أمر غدها، وتدرس الأوضاع السياسية العامة لتعرف أي طريق تسلك، وتقرر من الآن الموقف الذي ستتخذه إذا وقعت الحرب في الغد أو بعد الغد. والجامعة العربية تنظر في موقف العرب جملة، وتدرس علاقاتهم بهذه الدولة أو تلك، لتوجه سياسة العرب جميعا وجهة عربية، فمجالس تجتمع وتنفضّ،ولجان تنعقد وتندثر،وتقارير تكتب وتقرأ وتدرس، وبيانات تعطى أو تنطوي، وخطابات تلقى وتذاع، وتصريحات تتفرق ذات اليمين وذات الشمال...فلا تفتح صحيفة إلا قرأت فيها أن العرب ينبغي لهم أن يصنعوا كيت وكيت، ويفعلوا كذا وكذا،والصحفيون يهرعون إلى الكبار والزعماء وأولي الحل والعقد يستفتون ويسألون ويستجوبون،وفي كل يوم تظهر الصحف حاملة ثروة ضخمة من الكلام والآراء..." . ثم يتساءل الأستاذ مؤنس: "وما نتيجة ذلك؟"، ويجيب بذات الوقت بـ"لا شيء.." ثم يؤكد في مقاله على عدم قدرة العرب في اتخاذ أي قرار باتجاه مصالحهم الوطنية حيث يشير: "وأحب أن أريح القارئ من عناء هذا الموضوع وأؤكد من الآن أن العرب لن يتخذوا قرارا لا فرادى ولا جماعة: ولن تحدد دولة منهم موقفها،وإنما ستجيء الحرب وستجد كل دولة نفسها في مكان ما، حسب ما تمليه الظروف،وحسب ما تقرره الدول الكبرى...بالضبط كما حدث أمس وأول أمس،وكما جرى في تاريخ العرب الطويل .."، وكأن الأستاذ مؤنس يصف الحالة الراهنة تماما، حيث رغم مرور ما يقارب الستة عقود من الحالة التي يصفها إلا أنه لم يتغير أي شيء بل ازدادت الأمور على كل الصعد سوءا وانحطاطاً، حيث سقطت دولاً عربية جديدة تحت الاحتلال ومن أهمها جمجمة العرب "العراق"، ودولاً أخرى تنتظر السقوط كالبحرين واليمن، لا قدر الله، وربما دولة الإمارات العربية وغيرها، ويؤكد الأستاذ حسين مؤنس أن هذه الحالة، ويقصد بذلك عدم الإحساس بالمستقبل، هي نتيجة طبيعية للنفسية العربية، وان هذه النفسية محرومة من الإحساس بالمستقبل، فلا يمكن أن تكتسب هذا الإحساس، لان المسألة هنا "مسألة طبع وتكوين، وليست مسألة يقظة أو غفلة".
قد لا أوافقه الرأي في أن العربي لا يمتلك الإحساس بالمستقبل باعتبارها مسألة طبع وتكوين، لكن ليس ثمة ما يثبت عكس ذلك ويسند رأيي،رغم إن المفكر العربي ساطع الحصري رحمه الله حاول جاهدا ومن خلال براهين موضوعية أن يفند هذه النظرية في كتابه المعنون "الدفاع عن العروبة"، ولكن يبدو أن الأحداث تتجه نحو تصديق هذه النظرية. فهل حقا أن العربي لا يمتلك الإحساس بالمستقبل؟ يتطلب منا هذا السؤال المشروع قبل الإجابة عليه أن ننظر إلى ما يحصل منذ العام 2003م في العراق واليمن ولبنان وفلسطين،ولا آتي هنا بذكر الأحواز لأنها ما تزال خارج دائرة اهتمام العرب، رغم أنها كانت تمثل الثور الأبيض العربي الذي بدأ الوحش الفارسي الحاقد بافتراسه ومهّد الطريق لاحتلالات أخرى.
فأكثر من ستة سنوات والعراق يذبح بالسكين الفارسي، والعرب يتفرجون!
أكثر من عقدين ولبنان يئن من التدخلات الفارسية، والعرب يتفرجون!
سنوات والجرح اليمني ينزف من الخنجر الذي غرسه الفرس في خاصرته، وهذه الأيام ازداد نزيفا، والعرب يتفرجون أيضا، بل أن البعض منهم يشارك في تعميق هذا الجرح، فكل يوم الدولة الفارسية تهدد البحرين بضمها لخارطتها باعتبارها محافظة فارسية، والعرب يتفرجون!
ما من دولة عربية أمنت الشر الفارسي، كل هذا وما زال المسؤول العربي يتفرج على النار وهي تقترب منه ومن كيانه ولا يمتلك مشروعا أو إستراتيجية أو لنقولها بكل وضوح، لايمتلك الجرأة لمواجهة الخطر الفارسي، أو ربما لا زال يتوهم أنه ليس هنالك خطراً فارسياً.
وها نحن اليوم نحذر المسؤولين العرب كما حذرناهم سابقا من الخطر الفارسي ونقول لهم: أن محمود خان النجادي قادم إليكم لا محالة ليغتصب تيجانكم، فرفقا بأنفسكم وتيجانكم وبالشعب العربي وخوفا من الفتنة الآتية من الفرس لتمزيق المجتمعات العربية احذروا هذا الشر القادم واعدوا العدة له لعلكم تتعظون لما حدث لسلطان حسين الصفوي إن كنتم تتعظون!.
ومن يدري قد نشاهد في المستقبل القريب أن القادة العرب يتوافدون مرغمين على محمود خان النجادي كي يسلموه تاج الملك ليقتلهم شر قتلة،فهل من متعظ من دروس التاريخ ؟! .