طهارة
صلاح حميدة
الطهارة نقيض النجاسة، ويتفاخر الناس بالطهارة والتطهّر، ويتبرأون من النجاسة وأخواتها، حتى ليتفاخر الرجل بتسمية ولده بطاهر، وتنسب العائلة نفسها إلى الطهارة، ويحرص الكثير من الناس عليها، ويتطهر الناس من الأوساخ بالاستحمام والتطيّب، ويلبسون ما حسن من الثياب وأنظفها، ويلجأون إلى توفير كل وسائل التطهّر للجسد وللثياب وللطعام.
طهارة الجسد والثياب والطعام ليست المعيار الوحيد للطهارة والتطّهر في بعض المجتمعات، فالمسلمون يحرصون على تطهير النفس من الخطايا عبر فعل الخيرات، وعبر العبادات من صلاة وصوم وحج وزكاة، فيطهّر المسلم نفسه وماله عبر التعبّد إلى الله والابتعاد عن كل ما ينهى عنه، ويعتبر الاسلام من أكثر الأديان حضاً على الطهارة في المأكل والملبس، وفي المظهر والجوهر.
قبل أيام انتشر في السوق الفلسطيني، معجون الأسنان ( طهارة) فتلقفه الناس واشتروه، فهو المعجون الطاهر المطهر، ذو الغلاف الأخضر، يعبره الضوء الساطع، وهو الذي يحتوي مواد من السواك، فقد اعتقد الناس أن هذا المنتج مع أخواته منتجات ( طهارة) جاءت عابرة حدود الاحتلال وجدرانه من العربية السعودية، فالاسم والمظهر يوحيان للمشتري في رمضان، أنه قادم من بلاد الحرمين، وبالتالي كان الاقبال عليه كبيراً، ولكن بعد التدقيق، تبين أن هذا المنتج وأخواته من إنتاج شركة في مستوطنة إسرائيلية في الدولة العبرية، وأن لهذه الشركة الاستيطانية وكيلاً فلسطينياً، وأن حصوله على الوكالة تم عبر احتفالية؟!.
يتم الترويج لهذا المنتج الذي يفترض أنه لتطهير الفم وفي رمضان خصيصاً عبر مجموعة من المروّجين، ويشاع أنهم ينوون توزيع الآلاف منه مجانا على المصلين في المساجد؟ والتساؤل هنا يبرز حول السر والرغبة الشديدة في ترويج هذا المنتج؟ وتوزيعه على أكبر كمية من الناس؟ ولماذا يتم في الفترة الأخيرة ترويج بضائع المستوطنات بشكل مبالغ فيه في السوق الفلسطيني وبأسعار رخيصة؟ وهل لا تتم الطهارة والتطهّر إلا بمنتوجات المستوطنات؟ ولماذا تتميّز هذه المنتوجات بأنها أرخص بكثير من المنتوجات الأخرى؟ وما الذي تحتويه هذه المنتوجات في داخلها؟ حتى تكون بهذا السعر، وحتى يحرص مروّجوها على إيصالها لأكبر عدد ممكن من المستهلكين الفلسطينيين؟ وهل لهذا علاقة بازدياد حالات معينة من العقم والاجهاض والتسرطن وغيره من الأمراض الأخرى في المجتمع الفلسطيني؟.
قبل فترة دق جرس الإنذار عن هذا الموضوع كاتب فلسطيني مقدسي، عبر صحيفة القدس، وقال أنه تأكد له أن هناك خطوط إنتاج في المصانع الاسرائيلية خاصة بالفلسطينيين، وأخرى خاصة بالإسرائيليين، وأن الجودة في المنتج المخصص للفلسطينيين متردية للغاية، بعكس المخصصة للإسرائيلي.
وبالإضافة لضرب هذه المنتجات للصحة الفلسطينية، إلا أنها تظهر قضية أخرى بالغة الخطورة، وهي أن هذه المنتجات التي تروج بأسعار زهيدة تضرب الاقتصاد الفلسطيني أيضاً، فهي تضرب المنتجات والمرافق والمتاجر والمصانع والمزارع الفلسطينية في مقتل، فعزوف الناس عن التاجر والمزارع والصانع الفلسطيني، وتوجههم إلى منتجات ومتاجر ومصانع المستوطنات الفاقدة للجودة، ولا نعلم ماذا يوجد فيها أيضاً، يؤدي ذلك إلى ارتباط المواطن الفلسطيني بشكل كامل بما ينتجه هؤلاء، وبعد أن تضرب كافة المؤسسات الانتاجية الفلسطينية وتغلق أبوابها، يتم التحكم بالاسعار بالطريقة التي يراها المستوطنون تخدم مصالحهم، وهي بالتأكيد الطريقة التي تجعل حياة الفلسطيني مستحيلة في وطنه.
لا يمر أسبوع تقريباً، إلا ونسمع أخباراً عن ضبط تمور ولحوم وبيض ودجاج وكريمات وشامبوهات وأدوية مهرّبة من المستوطنات، وكلها تالفة وغير صالحة للاستخدام الآدمي، والسؤال هنا عن السبب في الاستمرار في الترويج لهذه المنتجات بالرغم من أن لها بدائل وطنية معلومة المصدر ومطابقة للمواصفات الصحية؟ ولماذا لا يتخذ إجراءت رادعة بحق التجار الذين يتاجرون ويروجون لهذه المنتجات بين الفلسطينيين؟.
صحيح أن الهجمة كبيرة، صحيح أن هناك من هم مصابون بعقدة النقص تجاه من يحتل أرضهم، ويرون ما ينتجه أنه الأفضل دائماً، صحيح أن هناك من لا يعرف معنى للطهارة إلا عبر وكالته للاحتلال، صحيح أن هناك من لا يبحث إلّا عن الربح والربح فقط، ولكن بالتأكيد هناك موجة عارمة من رفض هذه المنتجات، فالكثير من الموزعين والشركات رفضوا توزيع هذه المنتجات، بالرغم من أرباحها الكبيرة، بل إنهم يظهرون مصدرها للناس حتى لا ينخدعوا من الاسم والمظهر، والكثير من الناس أعادوا المنتجات إلى أصحاب المصالح التجارية وقالوا لهم هذه منتجات مستوطنات ولن نشتريها، والكثير من أصحاب المصالح التجارية أعادوا المنتجات للوكيل، والمعوّل عليه في هذا الموضوع بالذات هو المواطن الفلسطيني، القادر على التمييز بين المنتج الفلسطيني والمنتجات المهرّبة من المستوطنات، فاقدة الجودة، وفاقدة الطهارة، والفاسدة، والمضرة بالصحة والاقتصاد الفلسطيني.