ليلة كريستال يومية في فلسطين
محمد فاروق الإمام
كثيرون لا يعرفون ما تعنيه (ليلة الكريستال) أي ليلة الزجاج المكسور، التي تعود إلى موجة العنف للمذابح التي ارتكبتها النازية ضد اليهود التي حدثت في 9 و10 تشرين الثاني عام 1938 في ألمانيا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا المحتلتان.
وحتى يعرف الذين لا يعرفون ونذكّر الصهاينة بما حدث لهم في ألمانيا وليس في أي بلد عربي أو إسلامي!!
ففي ليلة 9 و10 تشرين الثاني عام 1938 كانت (ليلة الكريستال) التي أخذت هذا الاسم من أشلاء زجاج المعابد والمنازل والمحلات التجارية اليهودية التي كسرت خلال موجة العنف والتي ملأت شوارع مدن ألمانيا والنمسا وتشيكوسلوفاكيا.. حيث قامت القوات الألمانية والحزب النازي وجيش الإنقاذ الألماني وشباب هتلر بارتكاب مذبحة بحق اليهود كردة فعل – كما أعلن غوبلز وزير الإعلام النازي – للشعب الألماني على اغتيال اليهود للسفير الألماني إرنست فوم بباريس.
ففي بداية المساء من يوم 9 و10 تشرين الثاني، قام جيش الإنقاذ وشباب هتلر بألمانيا والبلدان المحتلة بهدم منازل ومحلات اليهود، وإحراق مئات المعابد اليهودية دون أي تدخل من قبل رجال المطافئ أو رجال الأمن، حتى المقابر اليهودية لم تسلم من نبشها والتمثيل بجثث الموتى فيها.
وكانت المذبحة تفوق التصور في كل من برلين وفيينا اللتان كانتا تضمان أكبر الجاليات اليهودية في أوروبا، إضافة إلى عمليات الاغتصاب البشعة، وما تبعها من عمليات انتحار جماعية لليهود.
ولم تكتف النازية بما فعلته شبيبتها ليلة الكريستال بل أقدمت القوات الألمانية النظامية على اعتقال أكثر من 30 ألف يهودي من الذكور، وكدستهم في معتقلات وسجون أعدت على عجل، ليموت فيها المئات من اليهود من جراء التعذيب خلال التحقيق، وختمت الحكومة الألمانية ذروة هذه المذبحة باتهامها لليهود بأنهم هم من كان وراء تلك المذبحة، وغرمت الجالية اليهودية بدفع غرامة مالية قدرها مليار مارك كتعويض للألمان عما أصابهم من أضرار في تلك الليلة، كما أمرت بمصادرة التعويضات التي قدمتها شركات التأمين لليهود المتضررين، وأجبرتهم على ترميم ممتلكاتهم على نفقتهم الخاصة.
بعد كل هذا الذي فعلته النازية أصدرت قوانين عنصرية صادرت بموجبها الممتلكات اليهودية، كما منعت اليهود من العمل في القطاع العام الحكومي ومن العمل في القطاع الخاص، ومنعت الأطفال اليهود من دخول المدارس الألمانية، وحظّرت عليهم ركوب الحافلات العامة أو الحصول على إجازات سوق أو شراء سيارات خاصة، ومنعتهم من دخول المسارح ودور السينما وحضور حفلات المناسبات العامة.. ثم بدأت عمليات التهجير القسري لليهود من ألمانيا والدول المحتلة وتحويلهم باتجاه الشرق للتخلص من شرورهم وإفسادهم، لتحل لعنة هؤلاء اليهود على العرب، وحتى لا يفكر هؤلاء بالعودة إلى الغرب، وقد تخلص منهم، فقد وقفوا إلى جانبهم في كل مضمار وأمدوهم بكل أنواع المساعدات ليتمكنوا، في ظل هوان العرب وضعفهم، من فرض وجودهم في أرض ليست أرضهم، وفي وطن لا تربطهم بتاريخه أو جغرافيته أي صلة.
فإذا ما ارتكب النازيون مذابح ليلة الكريستال يوم 9 و10 تشرين الثاني عام 1938، فإن هؤلاء القتلة النازيون الجدد حولوا ليالي فلسطين كلها – منذ وطئت أقدامهم أرض فلسطين وعلى مدى سبعين عاماً – إلى ليالي كريستال متواصلة.. قتل وسلب وتهجير واعتقال واستيطان، وإذا ما قتل من اليهود ليلة الكريستال – بحسب الإحصاءات الرسمية – نحو 90 يهودياً، فإن إرهابييهم قتلوا في مذبحة واحدة خلال دقائق في دير ياسين أكثر من 250 بين طفل وامرأة ورجل.. لتمتد سلسلة ليالي الكريستال لتروي كامل التراب الفلسطيني من صفد وحتى بئر السبع، ولعل أبشعها دموية ودماراً ما كان في قطاع غزة قبل أشهر.. وإذا ما هجّر النازيون نحو ثلاثين ألفاً من اليهود من ألمانيا، فإن الصهاينة قد هجّروا الملايين من أهل فلسطين من بداية وقوع النكبة عام 1948 وما تلاها، وحتى اليوم.
لقد آن للغرب وعلى رأسه أمريكا أن يثوب إلى رشده وتوافيه الشجاعة ويعترف بما فعله تجاه العرب، وما اقترفه بحقهم عندما زرع السرطان الصهيوني في أعز وأقدس وأطهر مكان من أرضهم، وآن له أن يضع حداً لليالي الكريستال الصهيونية التي ينصبها يهود للفلسطينيين تكفيراً عما اقترفه بحقهم، أو أن يكون حيادياً في موقفه وغير منحاز، لعدو غاشم يفعل بالفلسطينيين ما لم تفعله النازية - على وحشيتها – باليهود على أرضها، والفلسطينيون كفيلون بانتزاع حقهم واستخلاص أرضهم المغتصبة!!