دحر "داعش" يتطلب إعادة الثقة للمقاتلين السنّة في سوريا والعراق

دحر "داعش" يتطلب إعادة الثقة

للمقاتلين السنّة في سوريا والعراق

فادي شامية - اسطنبول

كما هي حال الحدود ما بين سوريا ولبنان؛ لم تكن الحدود بين سوريا والعراق يوماً حدوداً بيت المكونات العشائرية أو الطائفية أو الأثنية، وتالياً فهي لم تكن حدوداً للمشكلات، وعندما يُسقط مقاتلو "حزب الله" الحدود بين سوريا ولبنان والعراق، بانتقالهم وقتالهم إلى جانب حلفائهم، لا يصبح غريباً لمن يعتبر نفسه "دولة" أن يزيل الحدود ما بين سورريا والعراق.

في دولة داعش الوليدة لا حدود سوى ما ترسمه خطوط النار، حاولوا التقدم نحو إقليم كردستان فأوقفتهم البشمركة على الأرض والغارات الجوية الأمريكية في الجو. حاولوا التقدم نحو بغداد لكنهم سرعان ما أدركوا ضعف وجودهم داخل العاصمة، وصعوبة معركتهم إذا ما تقدموا نحو المحافظات الشيعية، بوجه الميليشيات العراقية، المدعومة إيرانياً. على هذا الأساس رسموا حدودهم الشمالية والجنوبية والشرقية، ثم اندفعوا غرباً ليسيطروا على مزيد من المناطق السورية؛ بعضها انتزعوه من الجيش الحر والفصائل الإسلامية، وبعضها الآخر أخذوه من النظام السوري. هكذا سيطروا على ديالى وصلاح الدين والأنبار في الجانب العراقي، وكثير من مناطق الحسكة ودير الزور، وكامل الرقة في الجانب السوري.

وتيرة الانتساب لدى داعش اليوم مذهلة. جيش الدولة الإسلامية بات يعد 50 ألفاً أو يزيد. شراسة القتال بادية والإمكانات المادية والتسليحية عالية، ومع أن دولة داعش في مساحتها اليوم تزيد عن مساحة سوريا تقريباً، إلا أن هذا الكيان المرفوض إقليمياً ودولياً لا يمكن أن يستمر مهما بدا قوياً، ولدى الولايات المتحدة الأمريكية خطة واضحة لتحجيمه؛ تتمثل في دعم مناوئيه على الأرض وضربه بالطيران من طرفها عن بعد.

ليس في "أجندة" السياسة الأمريكية وهم القضاء السريع على داعش، لكن تحجيم داعش رسم حدودها بالنار حاجة ضرورية للأمن الإستراتيجي الأميركي. البشمركة قبلوا الدور دفاعاً عن إقليمهم، فسلّحهم الأمريكيون. العرض نفسه، رفضه المقاتلون السوريون والعراقيون؛ كلاً على حدة.

في البحث عن تعليل لهذه المعلومة المأخوذة من ذوي العلاقة في كل من سوريا والعراق المنطق الآتي؛ يعتبر المعارضون السوريون أن النظام السوري هو من هيأ الأرضية لظهور داعش، وهو الذي يستفيد منها حالياً، وأنه يريد إعادة إنتاج نفسه تحت شعار مقاتلة داعش، ويريد أن يقبض الثمن. ويعود المعارضون السوريون بالزمن الى ما سبق وما تلا مؤتمر جنيف (13/1/2014) عندما وعدهم أصدقاؤهم بأن ما بعد جنيف ليس كما قبله، إذا ما قاتلوا داعش، وكانت هناك قناعة سورية وقتها بضرورة مقاتلة داعش، فحصل قتال كبير، وقُتل آلاف المقاتلين من الطرفين، ودُحرت داعش عن ريف حماه وإدلب ودير الزور، وأكثر حلب، وحُصرت في الرقة، لكن نتيجة مؤتمر جنيف وما تلاه كانت مخيبة للآمال، بل يؤكد عسكريون رفيعون أن السلاح مُنع بالكامل عن الكتائب التي قاتلت داعش بعد مؤتمر جنيف!

أما المعارضون العراقيون فيقولون إن النظام السوري هو الذي فتح أراضيه لمن يسميهم اليوم إرهابيين. المالكي نفسه اتهم النظام السوري بذلك، لكنه لم يجرؤ على التصعيد أكثر، لئلا تغضب إيران منه، وهو اليوم يقف إلى جانب النظام السوري، ويصدّر له إرهابيين ليقاتلوا معه. وتالياً فإن من أوجد الأرضية لظهور داعش هي ممارسات المالكي، فهل من المعقول أن يُفني الثوار العراقيون أنفسهم كرمى لعيون المالكي؟!. لقد سبق للسنة في العراق أن طردوا "القاعدة" من مناطقهم من خلال الصحوات، التي كانت صناعة أمريكية (أشرف عليها الجنرال الأميركي ديفيد بتريوس)، فبماذا كوفئوا؟ ومن دفع الثمن غير السنة؟! ومن استفاد غير الاحتلال الأميركي والنظام الطائفي في العراق؟

استدراكاً؛ يؤكد قادة فصائل سورية وعراقية على رفض داعش، بل على ضرورة مقاتلتها، إلا أنهم يحذرون من أن يكونوا حطباً لصالح من أوجد داعش؛ وصار يخشى منها أو يريدها إنتاجاً للبيع ليقبض هو ثمنه. بالنسبة لهؤلاء المعركة مع داعش حتمية ولكنها مؤجلة. العاجل الآن هو سقوط بشار الأسد في سوريا ووقف اضطهاد السنة في العراق، أو حصولهم على إقليم خاص بهم. 

وبالمناسبة؛ فإن مشروع الحصول على إقليم سني في العراق لم يكن خيار السنة أبداً، بل هم الذين اعترضوا عليه عندما طُرح في الدستور العراقي، لكن الأكراد رفضوا يومها، وكان الشيعة مع هذا الخيار، وفيما بعد أصبح الإقليم الكردي موئلاً للازدهار والحياة الكريمة، بحيث بات يطمح كثير من السنة لتأييد هذا الخيار، من أجل شيء واحد على الأقل؛ هو الأمن؛ أي أن يكون لهم قطعة أرض لا يتعرضون فيها للاضطهاد، هذا كل ما بات يطلبه السنة، ليعودوا إلى بلادهم أو ليستقروا بها. بالنسبة لكثيرين فإن العراق القديم انتهى، والجميع يبحث الآن عن مكان يأمن فيه، وقد يكون مستقبل سوريا مشابهاً.