حياتنا مليئة بالفقر الثقافي !
أ.د. حلمي محمد القاعود
في غمرة الجدل الدائر حول منح جوائز الدولة لمثقفي الحظيرة ، تطايرت بعض العبارات والجمل التي تعبر عن حق ، ولكن يراد بها باطل ، أو أريد بها باطل ولكنها عبرت عن حق ، منها : أن حياتنا مليئة بالفقر الثقافي ! وقد أريد بهذه الجملة أن الفقر الثقافي ناتج عن جهل المثقفين الإسلاميين الذين لا يقرءون ، ويناقشون دون أن يطلعوا على ما لدى الآخر من أفكار وآراء ، وقد تكون هذه المقولة صحيحة في بعض جوانبها ، إذ إن عامة المثقفين ، مسلمين وغيرهم ، لا يمكن أن تلم إلماما دقيقا بما ينشر في الحقل الثقافي من كتب ومقالات وموضوعات ، وتكتفي بما يقوله أو يكتبه المتخصصون الذين يتتبعون الأفكار والآراء ، ويدرسونها بالتفصيل ، ويتناولون دقائقها بالفحص والتحليل ، وهذا لا يعني بالضرورة أن هناك فقرا ثقافيا يملأ الحياة ويجعلها مجدبة ، ولا نستطيع أن نجعل الناس جميعا متخصصين ، قارئين لكل ما ينشر متتبعين لكل ما يذاع :
مثقفو الحظيرة مثلا يجلسون على المقاهي أو البارات ويردد كبارهم بعض الحكايات والكلام ، فيعزف صغارهم على النغمة ذاتها ، ويملأون الأفق بما قاله الكبار نصا ومصطلحا فيظهرون بمظهر المثقف القارئ الواعي ، ويبدو ما يقولونه شيئا ذا قيمة حين تستمع إليهم ، ولكنه للأسف ترديد ببغاوي لا يدل على الامتلاء والخضرة والنضارة الثقافية بقدر ما يدل على الببغاوية والانعزال داخل الجيتو الثقافي الذي لا يعرف ثقافته الإسلامية ولا مضمونها الحقيقي ، فضلا عن تسيد منهج المغالبة الكلامية الذي لا يتورع عن استخدام البذاءة التعبيرية ، والفحش السوقي في محاورة الآخر ، ولا ينفي ذلك أن بين مثقفي الحظيرة وخاصة من المتمركسين المتأمركين من يقرأ ، بل يدمن قراءة ما يكتبه الماركسيون في أنحاء العالم ، وما يقول به كتاب المنظمات التي تمولها المخابرات الأميركية.. ويردد ما تقوله المؤسسة الاستعمارية عن الإسلام والمسلمين بدءا من أسطورية الدين حتى تسويغ احتلال بلاد المسلمين وسرقتها ونهبها وإذلال أهلها كما يحدث في أفغانستان والعراق وفلسطين والشيشان وغيرها .
وقد فرض الشيوعيون وأشباههم على الأمة ثقافة من لون واحد ذات عين واحدة ، مذ جلبهم النظام العسكري في الستينيات وجعل منهم مفكرين وأدباء وقادة للفكر والأدب والثقافة ، بقصد نفي الإسلام وثقافته وأدبه وتراثه ، فحدث ما يسمى الآن بالفقر الثقافي الذي يملأ حياتنا العامة ، وصار المثقف في بلادنا يعني ذلك الشخص الذي تحركه الدولة لهجاء الإسلام وتشويهه والسعي لإلغائه وإقصائه تماما عن الحياة والمستقبل ..
ليس مهما أن يكون مثقف السلطة أو الحظيرة كما سماه الوزير إياه ، يجيد القراءة أو الكتابة أو الإملاء أو النحو ، ناهيك عن قيم التعبير البلاغية الأخرى ، فالمهم أن يردد دائما مقولات السادة الذين في السي آي إيه عن الإسلام والمسلمين ، سواء كان الهاتف الداعي بها برنارد لويس أو صمويل هننحيتون أو حتى ذلك الصهيوني الأفاق توماس فريد مان .. المهم أن يتصالح ماركس في رقدة العدم مع السادة الأميريكان من خلال السادة مثقفي الحظيرة في بلادنا على حساب الإسلام ، لدرجة أن يكون تشبيه الخالق سبحانه بعسكري المرور الذي يقوم بتزغيط البط إبداعا ، لا يفقهه الظلاميون أمثالنا ، ولا يدركون أبعاده المجازية والفنية !
كي تلحق بركب الثقافة في بلادنا لابد أن تدخل الحظيرة ، وتسب الإسلام وتطعن فيه ، حتى لو كان طعنك خائبا مفضوحا يدركه أصغر القراء عمرا وثقافة.. تخيل مثلا شخصا يدعي أن السيدة الجليلة أم المؤمنين خديجة رضوان الله عليها ترضي بالزواج من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم نتيجة مؤامرة رخيصة تقضي بأن يقوم الزوج بوضع الخمر لأبيها حتى يوافق على الزواج ، ويستمتع الزوج بثروته ليواجه الخصوم في الجناح الآخر من القبيلة القرشية ؟
من يردد ويكتب مثل هذا الإفك والبهتان يعلم جيدا أن والد خديجة توفي قبل زواجها بخمس سنوات ، وأن المعصوم عليه الصلاة والسلام لم يذق الخمر في حياته ، لا في الجاهلية ولا بعد نزول الوحي ، بل إنه لم يغش مجالس اللهو والسمر التي كان يذهب إليه الشباب في سنه .. ثم إنه لم يعرف عنه أنه اغتني وامتلك المال الذي يواجه به الآخرين في القبيلة أو خارجها ، بل كان يعمل بيده ، وكان يفخر بعمل الأنبياء السابقين بأيديهم مثل داود عليه السلام ، ويدعو المسلمين إلى العمل بأيديهم ، ولكن الكذاب الأشر لا تعنيه الحقيقة العلمية ولا البحث المنهجي ، الذي يعنيه هو إطلاق الغبار ، وإثارة الشك والريب حول الإسلام ورسوله - صلى الله عليه وسلم ؛ فأي بؤس في التفكير والقراءة والبحث يقدمه لنا مثقفو الحظيرة الذين يعدون أنفسهم شهداء لحرية الفكر والتعبير في مناخ أصولي ظلامي إرهابي كما يزعمون ؟
ونحن نسأل مثقفي الحظيرة وأشباههم هل تقدرون أن تهينوا دينا آخر غير الإسلام ؟ هل تستطيعون التصدي لخرافات اليهود وأساطيرهم حول الأرض المقدسة – بلاش الديانة ؟ هل يمكن أن تنتقدوا أو تشككوا في المحرقة اليهودية التي تزعم أن أكثر من عشرة ملايين يهودي أحرقهم هتلر ؟ إن وزيركم الفنان من أجل اليونسكو قدم اعتذارات الدنيا كلها لليهود لأنه ادعى أنه سيحرق كتبا يهودية يكون قد طبعها في مؤسسات وزارته ، ولكنكم تهينون الإسلام وتشوهونه وتكذبون على الله وعلى نبي الإسلام ، وتصفون من يناقشكم بالحسنى بأنه يجعل نفسه وكيلا عن الله !!! ألا ساء ما تفعلون !
بقول كاتب في صحف 25/7/2009م / وهو يناقش الجريمة التي ارتكبها النظام من خلال وزارة الثقافة بمنح أشباه الكتاب جوائز الدولة :
[ ينبغي هنا أن نسأل هل يمكن أن تمنح دولة غربية جائزتها التقديرية لكاتب ينكر المحرقة أو يزدرى اليهودية أو المسيحية، بالطبع لا، فلماذا إذن تقبل حكومة الحزب الوطني المباركة منح جائزة رفيعة لكاتب يزدرى الإسلام والمسيحية بأسلوب فج استفزازي غوغائي أبعد ما يكون عن العلم والمنطق؟ ] .
بالتأكيد فإن أية دولة غربية ، تضع في حسبانها ثقافتها الوطنية ، وقيمها الثابتة حتى لو اختلف الناس معها ، ولكن الذين يريدون يكونوا شهداء من خلال التمثيليات الفجة الرخيصة يزعمون أنهم يخدمون الإسلام البسيط السهل .. شكر الله سعيكم . وماذا عن تقويضكم للإسلام – وهو لن يقوض بإذن الله - بالروايات المدسوسة وآراء المستشرقين الاستعمارية المتعصبة ، والروايات التي لا تستند إلى حجة أو دليل ؟
لماذا تريدون أن تفرضوا علينا قيم الغرب وثقافته دون أن يكون لنا حق التعرف على ثقافتنا الإسلامية والالتزام بها ، وهي ثقافة منفتحة هاضمة تملك من التسامح والتفاعل ما لا تملكه ثقافة أخرى في العالم ؟
عندما يدافع المسلمون عن ثقافتهم يوصمون بالإرهاب ، واستباحة الدماء .. ويحاول المعتدون على هذه الثقافة أن يلجموا الناس عن الكلام ،ويسكتوهم بالقول إنهم مهددون بالموت أو الاغتيال ، في حين أن أحدا لا يعبأ بهم من الناحية الإنسانية ، لأنهم لا يساوون ثمن مكالمة هاتفية تتناولهم أو تشير إليهم .. إنهم تافهون فكرا ووجودا ، ولكن قد تستغل بعض الجهات التي تستخدمهم ما يدور بشأنهم للتخلص منهم بعد أن صاروا عبئا عليها ، وخاصة أمام الرأي العام ، فتقضي عليهم بطريقة ما ، والسوابق كثيرة ، بدءا من الشيخ الذهبي ورفعت المحجوب ، حتى فرج فودة ، والشماعة الجاهزة دائما هي التطرف الإسلامي والتيار الإسلامي والظلام الإسلامي !
وفي كل الأحوال فإن السلطة مطالبة أن تتبرأ من هؤلاء المثقفين الذين يقدمونها للناس بأنها ضد الإسلام وعدو الثقافة الإسلامية ، وأنها تمنح من يقومون بمهمة استئصال الإسلام وتشويهه والطعن فيه جوائزها الرفيعة مكافأة لهم وتقديرا .. ونحن في انتظار أن تعلن السلطة عن موقفها الحقيقي الذي ينبغي أن يتفق مع الدستور ، لأنه لا توجد سلطة في العالم تحارب الدستور الذي وضعته بيدها .
حاشية :
- التربح بالإخوان سيتحول بإذنه تعالى إلى تربح ممن ينشرون التقارير الأمنية بلا دليل ولا برهان ، وساعة يحكم القضاء بشيء من المال العام والخاص ، فإنه سيذهب إلى مستحقيه بإذن الله .. والأيام بيننا والله المستعان .
- دريد لحام الممثل السوري المعروف ذهب إلى غزة المحاصرة المنكوبة المدمرة وتضامن مع أهلها بعد أن تحمل الانتظار والصد على بوابة رفح .. إنه يقدم نموذجا للفنان الحقيقي الذي يحمل هموم أمته ويدفع الثمن من أجل عقيدته ، أما المهرج الأراجوز الذي يدافع عن السلطة الفاشية فإنه يذهب مع الريح !
- صبي الكنيسة الذي يعمل في صحف السيراميك والتعري ويسب مرشد الإخوان ويمدح امرأة تنصرت وتحارب الإسلام ؛ يقدم نمطا لصحافة تعبد لاظوغلي من دون الله !