الأسد الوجه الآخر لـ"داعش"
الأسد الوجه الآخر لـ"داعش"
رأي القدس
يقدم استيلاء أطراف سورية معارضة على الشريط الحدودي السوري مع إسرائيل مناسبة وامتحاناً جديداً للقضيّة السورية المتشظية بكل الاتجاهات، فالنظام السوري الذي استخدم ما كان يزعمه لنفسه من دور استراتيجي فيما يسمى بحلف الممانعة والمقاومة، كحاجز مقدّس يمنع جماهيره من الثورة عليه، وصلت به الحال إلى الاستجداء المهين للتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، زعيمة «حلف الاستعمار» الداعم ل»الكيان الصهيوني»، طارحا نفسه، بين مجموعة كبيرة من «الزبائن» العرب المتدافعين، لأخذ وكالة Franchise أمريكية ضد «الإرهاب».
قصف الطائرات السورية للمواقع التي احتلتها المعارضة والمحاذية تماماً لحدود الجولان المحتلة إسرائيليا (إلى حدّ إصابة مدني وعسكري إسرائيليين بشظايا) هو أمر غير مسموح به حسب شروط اتفاق الهدنة السوري الإسرائيلي التي حافظ عليها الأسدان الأب والإبن بالحميّة نفسها لمحافظتهما على كرسيّ السلطة.
الخبر يقول إن إسرائيل ردّت على جرح الإسرائيليين بقصف مدفعي لبعض مواقع النظام السوري، ولكن السؤال هو كيف سمحت تل أبيب للطائرات السورية بالاقتراب الشديد من الحدود المحتلّة من دون إطلاق حتى صفارات إنذار لو لم تكن على علم مسبق من القيادة السورية بهدف الهجوم وهو ضرب مواقع المعارضة السورية؟
غير أن الحدود السورية المغلقة نظرياً باتجاه إسرائيل لا يمكن أن تعدّ خسارة كبرى للنظام كما هو الحال مع معابره الرسمية التي سقطت كلها مع تركيا، والأمر ينسحب أيضاً على الميل المتسارع لسقوط منافذ النظام كلها على العراق، فبعد سقوط مطار الطبقة العسكري الذي كلّف النظام مئات القتلى وسجّل سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» على محافظة سورية كاملة، تتجه الأحداث سريعاً لسقوط مريع وكبير آخر لمطار دير الزور، بحيث تكاد الحدود العراقية السورية تخرج تماماً من يد النظام.
وتتعرض حدود النظام السوري مع لبنان الى توتر كبير، فرغم الهزائم التي تلقتها المعارضة السورية على طول حدود منطقة القلمون، فإن المنطقة صارت مجالا لاشتباكات وكرّ وفرّ بين المعارضة و»حزب الله» خصوصاً، كما أن الطريق الدوليّ الىلبنان ما زال عرضة للخطر في نقاط عديدة منه.
أما الحدود مع الأردن فهي باقية بقوّة القرار الأردني الذي لا يريد أن يقطع شعرة معاوية مع النظام السوري ما دام المجتمع الدولي متردداً في حسم أمره من بقاء الأسد من عدمه، ولولا ذلك لكان من الممكن للمعارضة السورية القوية والمنظمة في محافظة درعا من الاستيلاء على معابر النظام الى الأردن وقطع الطريق الدولي إليه.
يتوازى تآكل الحدود الرسمية للنظام السوري، والتي تشكل منافذه البرية على المنطقة والإقليم، مع الاهتزاز الجيولوجي السياسي الكبير في المنطقة والذي يكاد يعصف بالحدود كلّها التي تفصل دولها عن بعضها، والذي يمثّله الاجتياح السريع لما يسمى بـ «الدولة الإسلامية» لأجزاء كبيرة من العراق وسوريا، والذي أدى الى تغيّر كبير في الأولويات والأجندات العربية والعالمية.
كانت ورقة «التطرّف السنّي» لعبة النظام السوريّ التي اشتغل عليها بوحشية هائلة ولكنّه، بضيق الأفق الفظيع الذي يميز الطغاة، لم ينتبه أن رأسه قد يصبح الثمن المطلوب لبدء معالجة الطبخة التي نفخ أوارها، لانه لم يدرك أنها صارت أكبر منسوريا بكثير، لأنها جمعت حصالة وحشيات واستبداديات هائلة عبر العالم وأيقظت آلام المظلومية السنّية، التي فشلت كل الطرق العادية في جذب انتباه العالم إليها، فتحوّلت بدورها الى وحش يتواجه مع وحوش.
وكما استخدم الأسد «القاعدة» ضد الأمريكيين فأرّق نوم زميله نوري المالكي المنشغل بترتيبات آنذاك مع واشنطن، يستخدم الأمريكيون الآن الورقة نفسها ضدّه، كما فعلوا في العراق فأزاحوا المالكي، في مشهد يذكّر بمكر التاريخ بالمستبدين.
رد أمريكا وأوروبا على عرض الأسد تنفيذ «طلبية القتل» كانت أن الرئيس السوري هو الوجه الآخر لـ «داعش»، ولا يمكن القضاء على الإرهاب دون القضاء على أهم أسبابه، وهكذا يصبح رأس الأسد، وليس «داعش» فحسب، على قائمة الطلبات!