د.محمد الحبش دعوة لانتاج الفقه لا استنساخه

د.محمد الحبش
دعوة لإنتاج الفقه لا استنساخه

بقلم : علاء الدين آل رشي

د. محمد حبش

الحديث عن د محمد الحبش يثير الكثير من التساؤلات فهو يتخذ مواقف تدعو للتبصر والحيرة في حقيقة منطلقاته وكون الذهن العربي المسلم (وبخاصة الفكر الدمشقي )لايزال يعاني من عقد التصنيف والجهوية فان الوضع يتفاقم أكثر في تقييم أطروحات هذا الرجل فهل هو من افرازت السلطة؟ أم هو ينتمي الى فئة فكرية غامضة ؟
هل هو امتداد طبيعي لمدرسة شيخه الراحل أم يريد منصبا مستقلا متفردا عن تاريخه ومدرسته ؟
هل يريد منصبا وحظوة اجتماعية علاوة على عضويته في البرلمان السوري ؟
وهل هو داعيةخير أم يريد تخريبا وتأسيس اسلام ضد اسلام ؟ اشكالات تدور حول قراءة هذا الرجل ولا يشترط دقتها أو مصداقيتها
التقيت به مؤخرافي مكتبه بصحبة نخبة من المثقفين في دمشق الفيحاء شام العروبة والاسلام وهي تمور اليوم بالحراك الفكري وترفض التثاؤب والاسترخاء وقريبا وحسب تصوري ستسقط قناعات سابقة في مرجعيات تاريخية نتيجة عدم ملاحقتها للتطورات السريعة والمتغيرات المتتابعة في الفكر والمنهج والممارسة وهذا الأمر يبدو أن الدكتور الحبش قد وعا تماما ولذلك تحرك في دوائر جديدة ومربعات ذكية
الدكتور محمد الحبش استفهام كبير على الحالة الجديدة القديمة هو من أين أتينا ؟ والملحوظ أن الرجل في اجابته على هذا السؤال لا يعلق آثامنا وتراجعاتنا على أحد وانما هي من صنع أيدينا فالخلل الواضح في حياتنا ثمرة و نييجة حتمية لتعاملاتنا مع وقع الحياة بطرائق وتفكير ماضوي محكومين بمفردات التهجير والتكفير أو الانسحاب والتأزم ومن هنا تنطلق رحلته انها تريد تأسيس قناعات جديدة تحل عوض قناعات سابقة موهومة الصحة باتت تفتقر الى الموضوعية والعلمية والعصرنة وفي هذه الرحلة لا ينكر أنه اجتهد وقد يكون مصيبا وقد يكون لا ولكن المؤكد أنه كان نشيط الذهن متقد الفكر تعرض لحملة قاسية بألسنة حداد وتصرفات صبيانية على يدي بعض معارضيه بل سمعت من بعضهم ألفاظ التنابز بالألقاب ورمي الرجل بها مما لايليق أن يصدر عن اختلاف فقه وفكر ووجهات نظر وقد مد الرجل يده الى الناس لينقدوه ويتثاقفوا واياه (ماأحوجني الى نصح كل غيور اذا رأى أي وجه انحراف فالمؤمن قوي باخوانه وماخاب من استخار ولاندم من استشار ) ص 16وقدشكر الدكتور الشيخ الفاضل خاشع حقي على دراسته لأسانيد الأحاديث الشريفة التي اعتمدها في كتابه (المرأة بين الشريعة والحياة )
ويصف الدكتور الحبش نتاجه الفكري هذا بقوله (جولة في رياض الفقه الاسلامي أوردت فيه أقوال الفقهاء رغبة في وضع مزيد من الخيارات سواء الراجحة أو المرجوحة أمام من يتصدى للفتيا بين الناس على قاعدة أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس وذكرت فيه مرارا أنه ليس لدي موقف منها وانما هي أحكام قد تناسب زمانا دون زمان ومكانا دون مكان
وهو في الجملة نقل عن الأئمة الكرام والعهدة فيه على قائليه
وأما اختياري للأحاديث الشريفة فقد كان مبنيا على خيارات بعض الأئمة ولم أخرج عن خيار امام معتمد متقدم واعتمدت منهج المحدثين في نقد المتن الى جانب منهج نقد السند
يلزم محمد الحبش نفسه بالقاعدة (لنتعاون فيما اتفقنا فيه وليعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه ) ص15 ويرى أن العمل خير من الجدل وو يرفض الكثير من الجدل لأنه لا يؤمن بجدواه و(يعتقد أن ما يقوم به في مجلس الشعب من عمل للصالح العام ولشأن الاسلامي هو أفضل طريقة للجواب على الأسئلة المطروحة )ص 15
وفي خطابه للمرأة فهو ( يرفض أن يعد الحجاب سببا للتخلف ويهاجم موقف بعض الحكومات التي تجبر الطالبات على نزع الحجاب ) وهو يعد الحجاب (مسؤولية المرأة ولا ينبغي فرضه عليها بالقوة والاكراه ويشيد بالفتاة في الغرب التي تلتزم بالحجاب عن قناعة ويقين )ولعله بهذا يتفق مع الدكتور عبد الكريم بكار الذي طالب بتعديل المعادلة في الخطاب الموجه للمرأة وذلك من خلال التأكيد على تمهير القناعات العقلية والنفسية الى جانب الدعوة بالالتزام الظاهري وجعل المعيار متساويا بعد أن رجحت كفة التركيز على الظاهر وترك الباطن لمكونات بيئية وأعراف ظالمة
تتضح عند الرجل الرغبة العارمة في البقاء في فلك الجماعة وقد صرح بذلك عندما رفض تكوين حالة شذوذ بين العلماء ص 7
يقول دمحمد الحبش (أتمنى من السادة العلماء أن يتجنبوا أيضا المشاركة في أي عمل لا يحترم الناس ولايخدم الوحدة والجماعة )ص8
وللشيخ الدكتور النائب منهج ارتضاه في التجديد ويعتمد على النقاط الآتية :
* الانضباط بقواعد علماء الأصول في التشريع بالمصادر العشرة
* احياء الاستنباط عن طريق الاستحسان والمصلحة المرسلة والذرائع والعرف
* التأكيد على أن الاستحسان والمصلحة المرسلة والعرف والذرائع مصادر مستقلة تامة وليست استلحاقية أو تبعية
* تجنب أي فتوى قد تهدم الجماعة أو تسئ الى الوحدة الوطنية أو تنشر الحقد والكراهية ولو كانت مسطورة بأكف أهل الرسوخ فلكل زمان أهله ورجاله، ولكل وقت شروطه وأحكامه
* رد كل مسألة فقهية تتعارض مع قوله تعالى لا اكراه في الدين
* قبول ما قبله المسلمون (في الثوابت والمتغيرات ) وتقديم العذر لكل امام مخالف في أي مسألة برأي اصولا أو فروعا على اساس أن ماخالف فيه ليس من الثوابت عنده
* تغير الأحكام بتغير الأزمان والحكم يدور مع علته وجودا وعدما
* حيث كانت المصلحة فثم وجه الله
وثمة نقاط لافتة وجديدة في تكوينه المعرفي الديني من مثل أخذه بعموم قوله تعالى

(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره )

وكذلك من عزوف واضح عن الخلافات التي نشبت في صدر الاسلام بين الصحابة الكرام متمثلا بقول الله سبحانه تلك أمة قدخلت
وفي فتاواه لايتردد في تحريم الربا وأما المصارف فالحكم عليها بمقاصدها وهو لايتردد أيضا في ترك القياس والحكم بما هو أوفق للناس والعمل بقاعدة الاستحسان ورفع الحرج وهو مع التزامه بجمهور الأمة الا أنه يجتهد ويختلف في بعض المسائل متوخيا مرضاة الله والصواب وفي تعامله مع نتاج السابقين فهو مقدر ومعترف بالجميل (الكتب طافحة بالحكمة والخير ولكنها تحتوي كذلك على بعض الأخطاء مماهو من ثقافة العصور التي كتبت يها)
ويذكر منهجه في دراسة التاريخ والفقه والتفسير بأنه قائم على (تقبل ماهو أحسن ماعملوه والتجاوز عن سيئاتهم )
ومما ينبغي التنبيه اليه أن الشيخ الحبش هو البرلماني الأول في مجلس الشعب السوري الذي يحفظ القرآن كله ويؤم المسلمين في خطب الجمعة والأعياد
    ومن محاسن مواقفه السياسية قبوله بمنطق الشورى الدمقراطي واحترام حق الناس في التعبير مهما كان أفق الأختلاف و الايمان بحقوق الانسان والوحدة الوطنية والمساواة والعدل ومطالبته بالغاء قانون 49 ودعوته للمصالحة بين الدولة والحركة الاسلامية السورية في خطوة ذكية منه لطي ملف شائك لابد من تجاوزه في المرحلة الراهنة والحاسمة من تاريخ سورية وقيادتها الشابة الراغبة بتصفية الأجواء والانطلاق بسوريا الى مقدمة المجتمعات الراقية المتسامحة المتراصة
وعن مغزى تحركاته العامة ومقصده منها فهي تصب في خانتين أولاهما فتح العلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية مع العالم الاسلامي والاسهام في تحقيق دور سوريا الريادي في العالم الاسلامي والثاني هو الحوار مع الجامعات والبرلمانات والكنائس الغربية وتقديم صورة حضارية عن الاسلام
ومما أثر في نفسي وأكبرته في الدكتور محمد الحبش هو ذلك الملف الذي اظهره لنا والذي يحمل مسمى
(مظالم العباد )الأمر الذي يعكس كبير اهتمامه بجراحات الناس وضرورة معالجتها وقد استذكرت دور علماء الاسلام القدامى الذين كانوا سباقين في خدمة قضايا الشأن العام وعدم الاقتصار على فتاوىالطهارة والنفاس والجدل العقيم
ومن اهتمامه بقضايا الاستقرار والاستمرار في أجواء صحية أبدى تعجبه واستغرابه من رفض النظام التونسي اعطاء مساحة لرجل مثل الزعيم الاسلامي راشد الغنوشي معتبرا أن هذا ظلم كبير ينبغي الانتهاء عنه لما سيخلق من أجواء طبيعية في البلاد تبتعد عن الاحتقان
    في أفقه الفكري تلونات عدة فهو يشكر للشيخ أحمد كفتارو _رحمه الله _ صنعه في تكريس مدرسة التسامح والحوار الاسلامي المسيحي وكذلك ينوه بشعر المفكر الدكتور محمد اقبال وبقدر الدكتور خالص جلبي ويعتز بوجود رجل في المشهد الفكري كمثل جودت سعيد
انني في استعراضي السريع لأهم ما ينادي به الشيخ البرلماني السوري الدكتور محمد الحبش توخيت الحيادية والاستقلالية والبعد عن الذاتية قدر الاستطاعة والاستمساك بقواعد التفكير الموضوعي على الرغم
من كوني قد أختلف معه في بعض النقاط والمواقف أيضا ولكن أسجل له الجراءة والشجاعة والاجتهاد وأن على الدعاة في سوريا أن يفتحوا قنوات للتواصل معه والكف عن ذهنية الاقصاء أو المؤامرة في التعامل مع الشيخ الحبش فالساعة الراهنة تتطلب احياء المشترك الأكبر فهو أكثر مما نعتقد حقا وأناشد سائر المهتمين بالوعي والثقافة أن يتعاونوا فيما بينهم جميعا باسم الله
وأخيرا أختم مقالي هذا وفي فكري ومخيلتي مقولة توصيفية للأسلام السوري سمعتها من الشيخ راشد الغنوشي وهي اسلام الجدل والقسوة الذاتية
ترى هل سنرتقي باسلامنا وأنفسنا ونبتعد عن مفهوم التدمير الذاتي المستمر الى بناء ثقافة السلم والعلم ومختبرات البحث والدرس والعقل

ترى هل سنتراحم فيما بيننا الى درجة كتلك التي وقف البعض منا مع الجلاد دون الضحية ؟

هل سنتعارف ونتآلف من أجل الله والحقيقة متجردين من أنفسنا
الى أن تسود تلك الأجواء كان الله مع كل مثقف سوري يريد تأسيس ثقافة الاستقلال وخطاب الانتماء والارتقاء