ثقافة . . . و ثقافة
بقلم: محمد السيد
نحن وهم من أب واحد .. وأم واحدة .. كل البشر بدأوا بصناعة تاريخ واحد ، على وقع ما نسجه الأب وما نسجته الأم ، كانوا يبنون بناءً آمناً، تحدوه الأحلام الوردية .. مهتدية بأنوار رافقتهم من الجنة .. بعد أن نبذوا وَهمَ الخلود .. مجلوب إبليس .
ما هذه الأنغام الناشزة .. التي نسمعها اليوم ؟ لماذا لا يحن الجميع إلى الأصول الصافية ؟ لماذا تطلع علينا فلول قابيل ..؟ فيستحر القتل ، ويتأصل الجهل ، رغم هذا الوجه البارز يطل من جحر " التكنولوجيا " ، يخمد بها الأخ أنفاس أخيه ، ويغتصب بها ممتلكاته ، ويقنن كل ذلك بنصوص إبليسية ، لا تنتج إلا مزيداً من القتل والعدوان والغضب المنفلت .. ألم يتعلم الجميع أن الخلود ، والامتلاك الفاحش للأشياء ، والاستعلاء المتوحش على أبناء الأب الواحد والأم الواحدة ، صناعة عدو الإنسان ( إبليس ) الذي قال بملء فيه لربه : " فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلَصين " ..؟
لماذا فرقوا ..؟ جاء الكلام في التفرقة من الغرب ، وردد الصدى في المشرق .. قالوا : ثقافتنا هي الثقافة ، وثقافتكم متخلفة ..! لماذا .. يا أبناء الأم والأب ..؟ قالوا : المرأة .. أنتم قمعتم المرأة ..! سلبتم حريتها ، جعلتموها شيئاً بلا إرادة ... وقلتم هذا دينكم ..!! قلنا لهم يا هؤلاء .. يا أبناء آدم .. كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون .. إن ما قلتموه عن فعلنا .. هو بعض ما يرتكبه البعض عندنا .. هذا صحيح .. ولكنه فعل آثم بنصوص ديننا ،ولو نظرتم إلى جوف مجتمعاتنا نظرة نزيهة فيها من الحياد الشيء الكافي لصنع حكم عادل، لوجدتم أن الذي قلتموه عنا لا يمثل إلا قلة قليلة، يسود فيها سوء التصرف المخالف لقرآننا وشرعنا ومرجعيتنا ، يقوم به البعض وينسبه لديننا زوراً وبهتاناً .. ذلك الدين الذي جاءت فيه النصوص تترى تكريماً للمرأة : " النساء شقائق الرجال " ، و " ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم " ، " استوصوا بالنساء خيراً " " ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف " ، " ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً " . إن ديننا يحمي المرأة ، يصون كرامتها ويعطيها حقها ، ويضعها في المكان الذي يلائمها ، ويحفظ عليها شرفها وعزتها وقيمتها ، إنسانة كاملة الأهلية والحقوق تساوي الرجل في التكليف ، وتحمل المسؤولية كاملة عن سلوكها وتصرفها الحياتي أمام الله ثم أمام الناس ، ويطلب من الرجل أن يعتقد بكل ذلك ، وأن يتصرف مع المرأة بهديه، سواء كانت زوجة أو أختاً أو بنتاً أو أماً ، يدافع عنها ، ويحفظ كرامتها ، ويصون مكانتها، وكل ذلك بمشاركتها وأصالة منها وعنها .
والآن ابن أبيك وأمك ، إنسان المشرق الذي ظل على عهد الجنة في غالب الأحوال يسألك : هل تريد أن تفرض منهجك في المرأة على المسلمة في أرضنا ..؟ إن من يريد ذلك يجب أن يبرز براهينه الواضحة من النماذج الفذة التي صنعت أعاجيب الأفعال والأقوال الإيجابية التي قدمت للإنسان إضافات جعلت حياته أكثر استقراراً ، وأكثر طمأنينة وانسجاماً مع الأمومة فهل منهجك في المرأة أنتج ذلك ..؟
عندما نظرت في شوارعكم ، في دوائركم ، في نواديكم ، وفي مؤسساتكم ، في حواريكم وحتى في بيوتكم .. تحيرت . ولم أكد أعرف نفسي .. وقلت : ليست هذه تقاطيع وجهي الذي نزلت به من الجنة إلى الأرض .. ولا هي سماتي التي أعرفها في الإنسان، ولا هي المرأة التي يمكن أن تقود بيوتاً ومجتمعات ، ولا هي التي يؤمل فيها أن تنشئ أطفالاً آمنين، ولا هي السكن، ولا أهل المودة والرحمة .. هي ابنة ثقافة : " سوقية وأشياء كريهة ومقرفة ومحبطة أخلاقياً " على حد تعبير " بريجنسكي " في كتابه " الخيار الأمريكي " .
فما الذي في ثقافتكم عن المرأة يغرينا بجاذبيته وفاعليته الإنسانية الإيجابية ..؟
إنها امرأة تدعو قابيل لقتل أخيه هابيل .. كي ينفرد بالمتعة وحده ، وكي يؤمن لمعطية المتعة كل ما تحتاجه لصناعة الجذب المجوني الفاجر .. هذا مع الاعتذار من القلة النسائية هناك اللاتي تختنق أصواتهن المنبهة والمحذرة من هذا الانزلاق الشيطاني البائر، الذي يسمونه حرية المرأة ، المساواة ..!!
هل تجذبنا مباريات ملكات الجمال التي تستعرض أجساد النساء بصورة نخاسية فاجرة ، تتاجر بلحم المرأة وبكيانها وكرامتها وعفتها وطهارتها، وهي تضحك مباهاة غافلة مغفلة ، إذ تسمي ذلك حرية، وهو في الحقيقة أشد أنواع العبودية ..
أم تجذبنا صورة " كولن باول " وهو يخرج على شاشة التلفاز في أمريكا ، يروج لحقيبة تدعو الأطفال ليستخدموا موانع الحمل قائلاً : ( حياة المراهقين والشباب في خطر إذا لم يستخدموا الأجهزة الواقية من الحمل ) .. وتلك هي نتيجة ثقافة الحرية المنفلتة للأجيال ، التي جعلت من ممارسة الجنس الحر شيئاً مثل شرب الماء، حتى أن مديرة صندوق الأمم المتحدة للسكان قالت : إن عدد الفتيات المراهقات اللاتي ينجبن يومياً يصل إلى أربعين ألفاً ..
أم أن ذلك الاحتقار الشنيع للمرأة .. الذي تكلمت الإحصاءات الرسمية الأمريكية والكندية عنه فقالت إن نسبة 50% من النساء يتعرضن للضرب المبرح من ذويهن أزواجاً وغيرهم .. هو الذي يمكن أن يجذبنا إليه؟!!
أم أنه لعل تلك النسب للولادات خارج مؤسسة الزواج التي تعلنها الإحصائيات في بلدان تلك الثقافة، والتي قد تصل إلى نسبة 80% من الولادات في بعض أحياء نيويورك في الولايات المتحدة .. تكون جاذبة بشكلٍ أكبر ؟!!
يا ابن الأم والأب .. أهذه الثقافة في المرأة التي تريدني أن أنتمي إليها .. لا والله .. لن أفعل، ولن أتخلى عن ثقافة تقول للمرأة : أنتِ إنسانة مكلفة ومسؤولة وذات مهمة تترفع عن القيام بدور المشبعة لرغبات الرجال .. ! وأدعوك للإقبال على ما عند ديني .. لتتعارف وجوهنا و تلتقي سماتنا من جديد .