الحزب المستحيل 13

الحزب المستحيل.. وفقه الاصطياد (13)

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

يعالج حزب الإخوان المسلمين المقترح قضية الصحة في مصر ، من خلال ثلاثة نقاط : الأولي ؛ معالجة المرضي والثانية ؛ فكرة الدواء والأخيرة ؛ حماية البيئة . ويسهب البرنامج في شرح هذه النقاط وتوضيحها وكيفية تحقيقها .

ولا شك أن محرري هذا الجزء المتعلق بصحة الشعب المصري لديهم خبرة واضحة بأحوال الوضع الصحي في مصر ، وإن لم يتطرقوا إليها بطريقة مباشرة ، فقد رفعت الحكومة يدها عن علاج مواطنيها بصورة شبه تامة ، وتتجه إلي تحويله علاجا مدفوعا بالأسعار الحرة ؛ أي سعر السوق وذلك بالنسبة للفقراء قبل الأغنياء .

وكان في الأرياف ومدنها قبل حين ؛ وحدات صحية صغيرة ومستشفيات مركزية يستطيع البسطاء أن يجدوا فيها علاجا معقولا إلي حد ما ، بل وأن يدخلوا المستشفي ليقضوا أياما يتناولون فيها إلي جانب العلاج نوعا من الطعام يعوضهم عن سوء التغذية الذي يعانونه دون أن يدفعوا مليما واحدا -  صحيح أنه علاج غير مثالي ولكنه بالنسبة للفلاحين والعمال والبسطاء يعد نعمة كبري يحمدون الله عليها .

الآن ذهب كل هذا وإن كان موجودا علي الورق ؛ فهو لا ينفذ تحت دعوي لا توجد أدوية أو لا توجد أسرّة أو إن الموجود ما يسمي بالعلاج الاقتصادي أي المدفوع ثمنه : قيمة الإقامة في المستشفي ، أجرة الأطباء والمساعدين ، ثمن الأدوية المتاحة ( غير الموجودة يشتريها المريض من الخارج علي حسابه ).

في الوحدات الصحية الصغيرة بالقرى والمستشفيات بالمدن يقوم المريض بدفع رسوم العيادات الخارجية ، ورسوما عن زيارة المرضي في القسم الاقتصادي أو المجاني إن وجد ، وصار من المعتاد أن يذهب المريض الفقير إلي الطبيب المعالج من أجل كشف خاص يدفع قيمته الرمزية ليحصل من الوحدة الصحية أو المستشفي علي بعض العلاج المجاني ..

الطبيب مضطر لقبول هذا الأمر:  الكشف بثمن رمزي بعد وقت العيادة الخارجية مقابل تقديم علاج بسيط لأن مرتبه ضئيل وعائده من العيادة الخارجية ضئيل فمن يملك المال لا يذهب إليه ولا يحتاجه ، والفقير يبحث عن أية وسيلة للعلاج ولو كانت غير مشروعة .

واتجهت الحكومة مؤخرا إلي التخلي عما يسمي التأمين الصحي وتسليمه إلي شركات أو مؤسسات خاصة تفرض شروطها علي الموظفين التعساء برفع قيمة التامين ودفع نسبة فورية من قيمة العلاج ( فوق طاقة المريض المشترك بالطبع ) مع أن وضع التامين الحالي لا يسر سليما أو مريضا فالمرضي يتكدسون منذ صلاة الفجر أمام العيادات الخاصة بالتامين الصحي من أجل الوصول إلي الطبيب المختص مع الظهر أو بعده .

وفي الصورة المقابلة فان الأمر تحول إلي تجارة بلا قلب فقد كان الطب مهنة إنسانية ذات رسالة ، ومكافأة الطبيب الأولي هي فرحة المريض بالشفاء ودعاؤه له بطول العمر ودوام الترقي ، أما اليوم فإن الأطباء المهمين صاروا – كثير منهم – عباقرة في رفع قيمة الكشف وقيمة المراجعة وبعد ذلك خدمة زملائهم في معامل التحليل ومراكز الأشعة والصيدليات .. المريض لابد أن يقوم بتحليل أو أشعة حتى في الأمور البسيطة التي يمكن أن تعالج بصورة مباشرة .

التجارة رائجة قبل أن يخرج المريض من عيادة الطبيب ومعه تذكرة الدواء المكتظة إلي الصيدلية التي  تبهظه بما لا يستطيع ، وصار أصحاب الصيدليات مع الارتفاع المستمر لأسعار الدواء من المليونيرات الذين يتعاملون - إلا قليلا منهم -  بغطرسة ملحوظة مع المرضي فهم ليسوا بحاجة إلي المرضي بعد أن اتخموا وارتفع سعر الدواء المحتكر لديهم  ، وتضاعف ثمنه ويتضاعف مع مطلع كل شمس .

الأمر في مسألة العلاج والدواء يقتضي فكرا مبدعا يأخذ في حسبانه عناصر العملية العلاجية الثلاثة : الطبيب ، الدواء ، المريض .

وكنت أتوقع أن يقف البرنامج من الطبيب موقفا حازما يعيد إليه اعتباره سواء بإشباعه ماديا أو ردعه عن المغالاة في الأتعاب وتحويل مهنته إلي عمل تجاري ، وذلك برفع مرتبه الحكومي بما يتكافأ مع جهده وتخصصه فهو – كما يفترض – يضحي بوقته وأوقات فراغه لنجدة المرضي وإسعاف المصابين في أية ساعة من ساعات الليل أو النهار ، وفي الوقت نفسه فإن تحديد أجور الأطباء خارج الوظيفة أمر مطلوب تستطيع نقابة الأطباء أن تقوم بدور حاسم فيه . .  وقد رأيت في تركيا نظاما جيدا يختار الطبيب بموجبه العمل في عيادته الخاصة فقط أو في المستشفي الحكومي أو الاستثماري وحده . أي إنه لا يجمع بين الوظيفة الحكومية والعيادة الخاصة فإذا عمل في الحكومة أجزلت له العطاء وإذا عمل في العيادة الخاصة حددت له الأجر الملائم الذي لا يظلمه ولا يمثل ظلما للمريض .

أما الدواء فإن تخلي الدولة عن شركات الدواء وبيعها لمستثمرين يتحكمون في سوقه ويحتكرونه وخاصة إذا ما كانوا من الأجانب ، فإن ذلك يمثل إجراما بحق الشعب كله وتفريطا في حق أصيل من حقوق الحياة .. وأتمنى علي البرنامج أن يؤكد علي هيمنة الدولة المصرية علي صناعة الدواء سواء من خلال الشركات التي تملكها أو الشركات المساهمة التي يملكها مصريون ، بل إن الشركات الأجنبية التي تستثمر في الدواء وأصنافه النادرة علي ارض مصر يجب أن تخضع للسلطة خضوعا إداريا واقتصاديا كاملا .

وبالنسبة للمريض فإن إلزام الشركات والمؤسسات والوزارات بإقامة مستشفيات تابعة لها تتولي علاج منسوبيها وأسرهم نظير اشتراك مناسب وتوفير متاعب الجري وراء ما يسمي التأمين الصحي الفاشل ؛ يمثل نقطة كبيرة في علاج المصريين ونسبة كبيرة منهم  . أما الجهات التي لا يمكنها إقامة مستشفيات تابعة لها فيجب أن تتفق مع مستشفيات خاصة علي علاج أفرادها وأسرهم . يبقي الفقراء والبسطاء وهؤلاء  يجب تحويل الوحدات الصحية والمستشفيات المركزية إلي أماكن فاعلة صالحة لعلاج الناس وإسعافهم دون إثقالهم بالمال أو العذاب .

وتحتاج حماية البيئة والنيل خاصة إلي قوانين صارمة لمواجهة الشركات والمصانع الملوثة الناشرة للأذى والسموم وإلزامها بتوفيق أوضاعها في وقت محدد مع رفع منسوب مياه النيل من وقت لآخر لغسيل المجري وتنظيفه من الفضلات والأوشاب ، وحبذا لو كانت هناك خطة لنقل الطمي من وراء السد العالي إلي أمامه كي يختلط بالمجري ويغير طبيعة المياه الراكدة .

حاشية :

رمضان كريم . إعلام الريادة جعل رمضان شهرا للعوالم والغوازي والمهرجين والمشخصاتية وبتوع الكورة.. هؤلاء هم المثل العليا والقدوة وبناة الأمة .. أما العلم والثقافة والفكر ، وحرث الأرض والوقوف وراء الآلات في المصانع ، فهي من الهراء الذي لا يستحق الذكر لأنه لا يشبه ما يسمى الفن ( الفن بمفهومه الحقيقي شيء آخر غير التجارة في الهلس !).. ويتساءل البعض عن الأصفار وزمن الأصفار ، وينسى كيف حولوا روح الإنسان المصري إلى بناء مصمت لا يعرف غير إشباع الغرائز ؟