اللعب بالورقة الطائفية

اللعب بالورقة الطائفية!

أ.د. حلمي محمد القاعود

[email protected]

في مناسبة عيد الميلاد الخامس والثمانين للأنبا شنودة ( أغسطس 2008م ) هطلت مقالات المودة والمديح على الرجل ، من أشخاص يحملون أسماء إسلامية ، تعبيراً عن الوحدة الوطنية والمشاعر المشتركة . استوقفنى مقال زاد من جرعة المديح حتى كاد يجعل الأنبا إلهاً أو رسولاً مقدساً لا يمسّه السوء ، وكى يُثبت صاحب المقال أنه حريص على البلاد والعباد ويُخفف من غلواء مديحه ، راح يتكلم بصوت خافت ناعم عن اهتمام الكنيسة المصرية بالسياسة ، وترك مهمتها الروحية الأساسية ، مما تسبب فيما يُسميه " الاحتقان الطائفى " !

وكان من المفارقات أن أقع فى الوقت ذاته على مقال آخر للشخص ذاته عن الكاتب الراحل الأستاذ الدكتور " عبدالعظيم المطعنى " – رحمه الله – بعنوان " محلات المطعنى للتكفير " ، نال فيه من الشيخ الجليل ، ما يناله سبّاب لعّان من قاطع طريق ، ومسح بالشيخ بلاط التاريخ والجغرافيا ، ووضعه فى صورة شيطان مريد !

المطعنى كما يعرفه الناس – من كبار الدعاة الذين واجهوا الطغيان والاستبداد ومخططات الإجرام ضد الإسلام والمسلمين . وضحى فى سبيل ذلك بكثير من الجهد والمال ، وكان يمكنه – لو أراد – أن يكون فقيه شرطة أو عالم سلطة ، فتتدفق عليه كل المزايا والفوائد والمناصب والمغانم .. شريطة أن يقبل الدنية فى دينه ، ويرضى باستئصال الإسلام وإقصائه وإبعاده عن حياة المسلمين . لكن الشيخ الجليل أبى إلا الوقوف فى صفوف المدافعين عن الإسلام مهما كانت الضريبة فادحة ، وقد دفعها راضياً مرضياً بإذن الله

الكاتب الذى أهان الشيخ الجليل ، واتهمه كذباً وتضليلاً بتكفير الناس ، كان منحنياً وراكعاً ساجداً أمام الأنبا المتمرد الذى يقود دولة موازية ، لا تخافت باستقوائها بالأجنبى وتهديداتها للسلطة الرخوة وابتزازها فى كل صغيرة وحقيرة .. ودفعه اللعب بالورقة الطائفية إلى إهانة المطعنى بخشونة لا يمارسها إلا من كان هواه وقلبه مع التمرد الطائفى وجبروته الذى لا يخفى !

هذا الشخص الذى أهان الشيخ المسلم وركع أمام الأنبا المتمرد ، ليس بدعاً فى الساحة الفكرية والسياسية ، وليس وحيداً فى مجال ازدراء الإسلام وإهانته ، فهناك أحزاب ومؤسسات وشخصيات عامة تبنى وجودها الاجتماعى على الارتباط بالتمرد الطائفى والتهالك على قدميه ، لأنها تجد فى ذلك ضماناً لتحقيق مكاسب رخيصة ( تراها ثمينة ) ، فضلاً عن البقاء على الساحة والاستمرار فى حصد الفوائد الحرام !

إن الجبهة الضعيفة ، أو الحائط الواطئ فى نظر هذه الشخصيات وتلك المؤسسات والأحزاب ، هو الإسلام والمسلمين ، فالنظام البوليسى الفاشى ، لا يستنفر قوته وشراسته وصلابته إلا عند ذكر الإسلام ، الذى صار مرادفاً للإرهاب والدم والدمار ، تماماً كما يراه العالم الصليبى الاستعمارى المتوحش .. ومن ثم ، فكل من ينتمى إلى الإسلام مستباح ، ولا دية له ، مادية أو معنوية .

إذاً لا يمكن أن نستغرب مثلا أن تلتقى بعض الأحزاب الورقية الحكومية ، وبعضها كما يُشاع يتمرغ فى المال الطائفى ، فى اجتماعات مغلقة ، لتحمّل نظام الحكم مسئولية تصاعد أعمال العنف الطائفى ( وكأنه عنف من جانب المسلمين وليس تمرداً من الجانب الآخر ) وترديد الأسطوانة المشروخة عن تغيير نظام التعليم والإعلام والخطاب الدينى ؛ والمقصود إزاحة الإسلام عن الواقع حتى لا يكون هناك عنف طائفى !

 والأطرف هو قرار الأحزاب الورقية الحكومية إنشاء مرصد للتوترات الطائفية . شكر الله سعيكم ايها المستنيرون ، فقد حققتم تخويف النظام حين قال أحد رؤساء الأحزاب الورقية الحكومية : إن بعض الأطراف فى نظام الحكم يميلون إلى استغلال المشكلة الطائفية لحسابات سياسية تخصهم ولا يُفضلون علاجها جذرياً ، ويعرقلون أى تحرك حقيقى فى اتجاه الوحدة الوطنية !

من الصعب أن يصغى أمثال هؤلاء الحزبيين إلى صوت الواقع الذى يدحض مقولاتهم ودعاواهم ، فهم لم يعلموا مثلاً أن الكنيسة المصرية فى عهد التمرد الطائفى الراهن أنشأت 49 مطرانية و 18 ديراً و 27 إبراشية ورسّمت أكثر من 1300 راهب و 600 راهبة ، وارتفع عدد الكنائس خارج مصر إلى 4 آلاف كنيسة ( البديل 7/8/2008م ) ، وهذا دليل على أن القوم يتحركون بحريتهم الكاملة ، وأن الاحتقان الطائفى – كما يسمونه – لا يمكن أن يأتى من الطرف الذى يمثل الأغلبية ويسمح لهم بكل هذا التمدد ، وسبقت الإشارة إلى الوضع الطائفى فى مجال الاقتصاد حيث تملك الأقلية الطائفية ما يقرب من 60 % من التجارة الداخلية .

ومن المؤسف أن بعض الشخصيات العامة التى تتمسك بأهداب التمرد الطائفى وتتملقه ؛  تصرّ على نشر مغالطات سخيفة وعجيبة اعتقاداً منها أن ذلك يؤمن وجودها الانتهازى فى الساحة السياسية أو الفكرية .

فعندما ترى أحدهم وصل إلى مقعده النيابى ممثلاً للأمة عن طريق التزوير ، فاعلم أنه بدأ حياته بالتملق والنفاق الرخيص .. فهو يؤلف كتاباً يعطى للطائفة حجماً أكبر من حجمها الطبيعى فى مجال العمل السياسى وينسب إليها أكثر مما تستحق ، وفى المقابل ينهال بضراوة على علماء الإسلام وخطباء الأزهر والمعاهد الدينية ويصل به الانحراف الفكرى إلى الحد الذى يرى فيه أئمة المساجد يلعبون بالدين إذ يؤكدون – كما يقول – أن النصارى أقرب مودة للمسلمين ، بينما يقولون فى أحيان أخرى أنه لن يرضى عنك اليهود ولا النصارى ، وبرى أن ما يُسمى بالمنهج الوهابى تغلغل فى مصر وأنه الأخطر على أهلها ، ويشير إلى أن المعاهد الأزهرية وصلت إلى عشرة آلاف معهد لا تقبل أى نصرانى للالتحاق بها ، مع أن النصارى – كما يزعم كذباً – هم من أدخلوا التعليم إلى مصر ولم يمنعوا المسلمين من الالتحاق به . وتصل بصاحبنا " الشحتفة"  فيطلب إغلاق المعاهد الأزهرية بوصفها أبواباً خلفية للتعليم فى مصر ولا تخرج متعلمين بشكل حقيقى ! وأن طلابها مشروعات إرهابيين !

ثم يأتى الخطر الأعظم من وجهة نظر صاحبنا ممثلاً فى الجماعات الدينية بعد أن اقتحمت ميدان اللعبة السياسية ، وأوجدت اشتباكات بين الدين والسياسة !

ويأتى آخر على شاكلته ليهاجم التدين ، ويتخذ من بعض حوادث العنف دليلاً على انحراف التدين ، ويشيد بتجربة الاستبداد فى تونس ومواجهته للتدين ودفاعه (!) عما يُسمى مكتسبات المجتمع مثل تحريم ارتداء الحجاب وتحريم تعدد الزوجات ، ويدعو النظام المصرى إلى تقليد النظام التونسى فى استئصال الإسلام !

ومشكلة هذه النوعية من الشخصيات المتسلقة ، أنها لا تخجل من الكذب والمغالطات ، وفى الوقت نفسه تغازل التمرد الطائفى والنظام المستبد من أجل مصالح صغيرة تخصها وتهمها ، ولا يعنيها من قريب أو بعيد أن تقف الأمة ضد عوامل تدمير المجتمع وإشعاله ، وأقرب شئ إلى ذهن هؤلاء  وخطابهم ، هو هجاء الإسلام والمسلمين ، والتبشير – يا للعار – بالإسلام الأمريكانى 1

لقد كان الأزهر ، وسيكون إن شاء الله ، منارة الإسلام وعقلا ، وأملا للمسلمين فى كل مكان ، وكان يفترض على من يهمهم تحريم الحجاب وتحريم تعدد الزوجات أن ينادوا بحرية الشعوب العربية والإسلامية وفى مقدمتها الشعب التونسى الذى يجد اليهودى الصهيونى على أرضه تكريماً لا يستحقه بينما التونسى المسلم محروم من التعبير عن إسلامه ، وكثير من أفراده داخل سجون الاستبداد المتغطرس الموالى للغرب الصليبى .

إن خطباء الأزهر ، لم يقعوا فى تناقض حين تحدثوا عن النصارى واليهود . ولكنه القرآن الكريم  الذى وصف الأولين من النصارى الذين سالموا وتفكروا وعرفوا الحق بأنهم أقرب مودة ، والآخرين بأنهم أشد الناس عداوة .. ثم إن موالاة هؤلاء أو أولاء والخضوع لهم أمر يتنافى مع عزة الإسلام وأهله .

ويبدو أن هؤلاء اللاعبين بالورقة الطائفية يريدون تحويل مصر إلى دولة كاثوليكية ونسوا أنها دولة إسلامية ، والإسلام ليس كهنوتاً ، ولكنه نظام حياة ، سياسياً واجتماعياً ، واقتصادياً ، وغير ذلك من شئون الحياة .

حاشية :

1 – حقا .. نحن في أزهى عصور الهزائم والخيبات والأصفار والحرائق ‘ هل تملكون القدرة على إطفاء حريق وسط القاهرة ؟

2 – بدل الجلسة الواحدة للعضو في مجلس إدارة شركة الاتصالات خمسة آلاف جنيه، وبدل الجلسة الواحدة في مجلس الكلية للأستاذ الجامعي عشرون جنيها ! تأكدتم أن رجال آلو يا أمم أهم مئات المرات من رجال البحث والتجريب .. منتهى العدل !