اليمن: رهان إيران وأمريكا على فشل مباحثات جنيف وإطالة الأزمة لتكريس الانقسام واستنساخ التجربة اللبنانية
لم يخف المسؤولون الإيرانيون بجميع أطيافهم في الحكومة ومجلس النواب والحرس الثوري فرحتهم الكبيرة وشغفهم المتزايد إزاء احتلال التمرد الحوثي وقوات الرئيس السابق اليمني، علي عبد الله صالح، لصنعاء. إذ وصف الرئيس حسن روحاني الأحداث الأخيرة في اليمن بأنها «شجاعة كبيرة» واعتبرها جزءاً من «النصر المؤزر والباهر» الذي تدعمه إيران. وأشاد مستشار مندوب الولي الفقيه في الحرس الثوري الإيراني وعضو هيئة التدريس في الحوزة العلمية، مجتبى ذو النور، بما سماه انتصار «الجمهورية الإسلامية في اليمن»، وقال «اعترف الأعداء بأن الجمهورية الإسلامية في اليمن انتصرت»، مؤكداً أن النصر الذي حققه الحوثيون «سيفتح بوابة المملكة العربية السعودية».
ولم تقتصر علاقات جماعة الحوثي وقادتها مع قادة طهران على هذا الحد من الدعم السياسي والعسكري، فقد بايع بدرالدين الحوثي الخميني بعد انتصار الثورة الإيرانية في عام 1979، وتم تدريب حسين الحوثي، نجل بدر الدين وقائد الجماعة السابق الذي قتل على يد قوات علي عبد الله صالح عام 2004، في قم. وكشف عضو مجلس إدارة مجلس النواب الإيراني، محمد دهقان، أن حسين الحوثي انتقل إلى قم وتعلم المبادئ الشيعية في حوزتها، وتأثر واستلهم من أفكار وعقائد قائد الثورة، ونشرها في اليمن بشكل كتاب لاحقاً.
وبعد ثورة الشعب اليمني ضد الرئيس السابق وتخطيطه لتوريث الحكم لنجله، أحمد، وبشكل خاص بعد فرض جماعة علي عبد الله صالح والحوثيين السيطرة على صنعاء ومناطق واسعة من اليمن، يراهن النظام الإيراني على استغلال جماعة أنصار الله الحوثية لحالة عدم الاستقرار السياسي والأمني في البلاد وإنشاء تحالفات جديدة، بهدف استنساخ تجربة حزب الله اللبناني في اليمن السعيد.
واعتبر نائب القائد العام للحرس الثوري، العميد حسين سلامي، أن إيران تمتلك زمام المبادرة في المنطقة، وقال إن جماعة أنصار الله الحوثية كحزب الله اللبناني وفق المنطق الجيوسياسي للثورة الإسلامية الإيرانية. وبدوره أكد إمام جمعة طهران المؤقت الشهير، آية الله أحمد خاتمي، أن عبد الملك الحوثي يعمل تحت أمر وقيادة حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، ولهذا السبب يتعرض لهجمة الاستكبار العالمي.
فضلاً عن المخطط الإيراني القديم لتصدير الثورة الإسلامية إلى اليمن، تحاول واشنطن وطهران أن تستخدم الأزمة اليمنية للضغط على السعودية للقبول بالدور الإقليمي الجديد الذي يحاك له تحت مسرح المفاوضات النووية، ومنذ لحظة احتلال صنعاء من قبل الحوثيين، أعلنت طهران أن انتصارات أنصار الله تفتح بوابة السعودية. وجاء الرفض القاطع السعودي لهذا المخطط في عملية «عاصفة الحزم» والتأكيد على شرعية حكومة عبد ربه منصور هادي، ووصف الحوثيين وأنصار علي عبد الله صالح بأنهم انقلبوا على الشرعية في اليمن. وهذه المرة حاول الرئيس السابق اليمني استخدام الحوثيين بهدف الضغط على الرياض كما فعله سابقاً، لكن الظروف والمتغيرات الإقليمية الجديدة التي أصبحت طهران شريكاً مدعوماً من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، تظهر أن علي عبد الله صالح لا يتمكن من السيطرة على جماعة الحوثيين مثلما فعل سابقاً، وفي أدنى تقدير ستصبح جماعة أنصار الله نسخة مماثلة لحزب الله في الخاصرة الجنوبية للمملكة العربية السعودية، وبل أقوى من الحزب اللبناني لأسباب عدة، ومنها موقع محافطة صعدة، معقل الحوثيين، وتضارسها، وعدم وجود رؤية وحل واضح لفرض الاستقرار في اليمن، وسهولة حصول جماعة الحوثي على الدعم والسلاح.
وتراهن إيران وجماعة أنصار الله بشكل كبير على فشل المفاوضات بين الأطراف اليمنية ومنها مباحثات جنيف، لاستمرار الأزمة، وستكون أقل نتائجها إضعاف الأطراف الأخرى المتنازعة في اليمن، وتكبد السعودية أكبر قدر من الخسائر السياسية والمادية وحتى العسكرية.
وتعتبر الخلافات بين أنصار الله وجماعة علي عبد الله صالح للتمثيل في الوفد المفاوض، إحدى المحاولات لتعثر مباحثات جنيف. ويؤكد قادة في الحرس الثوري على فاعلية أساليب وخطط حزب الله العسكرية التي اعتمدتها جماعة أنصار الله لمجابهة السعودية خلال عملية «عاصفة الحزم» وأنه في حال استمرار الحرب، ستكون الرياض الطرف الخاسر، وأن «اليمن السعيد الفقير» ليس لديه شيئا حتى يخسره.
وفي الوقت ذاته، تنطبق السياسة الأمريكية مع المخطط الإيراني في اليمن على أساس سياسة لا غالب ولا مغلوب التي اعتمدتها الولايات المتحدة في العراق وسوريا ومناطق أخرى، وتدعم طهران الرؤية الأمريكية عبر تكريس حالة الانقسام في المناطق المتأزمة في المنطقة العربية. وقبل بدء مباحثات جنيف حول اليمن، روج الإعلام الإيراني وعلى رأسه الوكالات التابعة للحرس الثوري والحكومة الإيرانية لفشل هذه المباحثات، وحث الحوثيين وجماعة علي عبد الله صالح، على «المقاومة» نظراً لعدم تحقق انجاز واضح وملموس بعد مضي ما يقارب 3 أشهر عن انطلاق «عاصفة الحزم».