تنظيم الدولة الإسلامية، من دولة الخلافة إلى دولة الصحراء الحبيسة
أكتب هذه المقالة ملتزما الحيادية فيها، وأصف الواقع كما هو، وأحلل المعطيات بمهنية، وأحاول استشرف المستقبل منطلقا من الأسباب إلى مآلاتها، وقبل هذا وذاك أثبت المواقف والملاحظات التالية:
1- أؤمن بالجهاد فريضة إسلامية ضد الاستبداد والظلم، ونصرة للمظلوم، ودفاعا عن النفس، ودفعا للعدو الصائل.
2- إحياء الخلافة الإسلامية على منهج النبوة بالوسائل الشرعية، هو هدف نبيل وأمر مشروع لكل مسلم ملتزم بدينه.
3- مناقشة الأمور بموضوعية وعدم الانجرار وراء النعوت المسيئة لتنظيم الدولة، وعدم الشك بصدق النوايا لمعظم عناصر التنظيم.
4- تنظيم الدولة الإسلامية هو جماعة من المسلمين له اجتهاده الخطأ أو الصح، وليس جماعة المسلمين كلهم،ومعظم المسلمين يعارضون أسلوبه في التكفير ونعت المسلمين بالردة، وبالشدة في قتل المخالفين والتنكيل بهم بطرق منبوذة وغير مألوفة.
5- تنظيم الدولة الإسلامية وفق اجتهاده الحالي ليس إلا محرقة للشباب المسلم من دون جدوى ترجى على طريق إحياء الخلافة الإسلامية.
تعريف الدولة الحبيسة:
الدولة الحبيسة في الجغرافية السياسية هي دولة لا تملك سواحل بحرية ومياه إقليمية، وتحيط بها الحدود البرية من جميع الجهات، فتبقى علاقاتها وخاصة التجارية منها متأثرة بطبيعة العلاقة مع جوارها الذي يشكل نافذتها نحو الخارج.
ووفق المنظور الحالي وقراءة الواقع والمستقبل، ستبقى دولة الخلافة لتنظيم الدولة في العراق والشام دولة حبيسة ما لم يستطع هذا التنظيم الوصول إلى البحر والولوج فيه علانية بهدف إقامة العلاقات الدولية السياسية والعسكرية والاقتصادية أو فرضها، ولا يبدو ذلك ممكنا في الوقت الحاضر، حيث العداء المحكم لهذا التنظيم على الأصعدة كافة، من الفصائل الثورية المحلية، ومن الدول الإقليمية والدولية كافة. مما يجعل دولته ليست حبيسة داخل حدودها البرية فحسب، وإنما داخل أطواق عدة، عسكرية وسياسية واقتصادية.
وإن كان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام قد حقق في معاركه السابقة خلال السنوات الأربع الماضية الكثير من المفاجآت، فانهارت أمامه جيوش وفيالق وألوية، وانسحبت من مواقعها تاركة له سلاحها الثقيل والمتوسط والخفيف، وكميات هائلة من أنواع الذخيرة والعتاد، والغنائم المادية والعينية التي زادت من قوته ومن معنويات مقاتليه ومن عدد مؤيديه، إلا أن كل ما هو غير متجدد، مآله النفاذ، وعليه فكيف لهذا التنظيم أن يديم معركته من داخل كل هذه الأسوار ومع كل هؤلاء الأعداء؟!، وهو لا يملك مصانع للأسلحة ولا الذخائر، ولا علاقات سياسية أو اقتصادية تجارية، وبالتالي كل ما سوف يفقده من سلاح أو ذخيرة في المعركة لن يستطيع تعويضه بسهولة.
هذا بالإضافة إلى عوامل ضعفه الأخرى التي تتمثل بما يلي:
1- التطرف الفكري والشذوذ السلوكي ومنهج الحكم بالتكفير والردة.
2- تشتيت الجهد والحرب على أكثر من جبهة عسكرية.
3- انكشاف تشكيلاته العسكرية لسلاح الجو المعادي.
4- الاختراق الأمني متعدد الجهات والمآرب لتشكيلاته العسكرية ومنظومته القيادية.
سير المعارك واتجاهاتها:
يحارب تنظيم الدولة الإسلامية بإمكاناته المتوفرة وموارده المحدودة غير المتجددة على جبهات عدة بآن واحد في كل من سورية والعراق، وحاله في هذا كالبالون الذي ينضغط من جهة فينزاح ويتمدد نحو الجهة الأخرى، ويبدو من المنظور الاستراتيجي أنه لا يختار معاركه بإرادته، فهو إما أن يوجه أو يُستجر إليها، كما رأيناه يتوجه فجأة ومن غير مبرر من أسوار بغداد إلى أسوار أربيل، ومن الجبهات مع النظام إلى الاقتتال مع الثوار ومع الأكراد، فما القيمة الإستراتيجية لمعركته في كوباني؟! أو مع الثوار في شمال وشرق حلب؟ غير توسيع دائرة حربه لتشمل عدو له جديد أو لتثير القلق والخوف عند الآخرين (الأمن القومي التركي)، وما قيمة سيطرته على تدمر؟ سوى الانجرار إلى معارك لا طائل منها مع ثوار الغوطة الشرقية أو القلمون!!!.
ويلاحظ من مجريات الأحداث العسكرية وفي حالات قصف طائرات التحالف الدولي لهذا التنظيم ببعض الأماكن دون غيرها، وغض النظر عنه في أماكن أخرى، أن ثمة خطة مرسومة للتعامل معه، تؤدي في نهاية المطاف إلى حصره في منطقة صحراوية تشمل غرب العراق وجنوب سورية وشرق الأردن وشمال السعودية، لتبقى دولته فيها، حيث لا نفط ولا موارد، ولا موت ولا حياة في منطقة رعوية فقيرة تسمى البادية وحوض الحماد.
وربما نشهد في الشهور القليلة القادمة عملية طرده من مناطق النفط في شرق سورية ومن الموصل في شمال العراق ومن الرمادي في غربه، فينزاح بما تبقى من قواه الخائرة نحو الصحراء المذكورة كي يحبس بها إلى حين الحاجة لاستخدامه من جديد.
وسوم: العدد 623