إيران وخيارات الاطاحة بالأسد

لفتني مقال تحليلي لجريدة جمهورى اسلامى الإيرانية (1/ 6/2015 ) [1]المقربة من مرشد الثورة والحرس الثوري الإيراني تحت عنوان هل تهيأت الأرضيه لتسوية المشكلة السورية؟، وبالمجمل فإن خلاصة  المقال : "أن الشيطان الأصغر "إسرائيل" والغرب عموما  لا يوافقهم أولا وجود قيادة سورية قوية تستطيع بسط سيطرتها ونفوذها على الأرض السوريه ، وأنّ من غير المصلحة لهذه الدول  حدوث أي تطور في مسار إيجاد أي تسوية سياسية تُسرّع في إنهاء الأزمة السورية، واسهب المقال بالحديث  عن الدور الاسرائيلي لاضعاف بشار الأسد ، و عن السياسات  العدوانية  الإسرائيلية لها ، من خلال تبنيها للغارات المتكررة لإستهداف البنى الاستراتييجة السورية  بين الفينة والأخرى ، كذلك قيامها بشكل مكثف   بالدعم التسليحي واللوجستي وحتى الطبي  لصالح  بعض الجماعات المعارضة  للدولة  السورية. وأسهب المقال في تحليل  دور  الشيطان الأصغر " إسرائيل "  في سبيل تخريب أي أرضية تمهد  لوجود تفاهم للتوصّل  لاتفاق بين واشنطن وطهران بشأن الأوضاع في سوريا ، ما قد ينعكس سلبا على المحادثات  النووية ، للوصول إلى اتفاق نهائي  مع مجموعة خمسة زائد واحد ؛ لأنّ من شأن ذلك إيقاف الصراع الدموي السوري، والذي يهدد بتقسيم سوريا إلى كانتونات، ولأنّ ذلك  يعني  أيضا  بدء نجاح مسار التفاهمات الأميركية- الغربية مع إيران لتتجاوز بذلك القضية  السورية، الأمر الذي  قد يدفع باتجاه إعادة فتح الملف الفلسطيني من جديد  ، والذي من المفترض أن يؤدي في نهاية الأمر لإقامة الدولة الفلسطينية ، البعيدة المنال أصلا " .  كذلك نشرت بعض وسائل الاعلام الإيرانية تصريحات جريئة للرئيس الإيراني السابق رفسنجاني - رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام ، وعضو مجلس الخبراء -   والتي أشار فيها  إلى استنفاذ النظام السوري لأدواته ، وطالب طهران   بضرورة الإستعداد لكافة الاحتمالات والسيناريوهات ، وعزا نتيجة ذلك للتطورات الدراماتيكية المتسارعة في سوريا والاقليم ، والتي يجب أن يكون لإيران دورا في صياغتها -على حد تعبيره - مؤكدا  في الوقت عينه إلى  أهمية أن تدرك إيران "الدولة والثورة"   لحظة الحقيقة ومفادها؛ أن  الأسد سوف يرحل في نهاية المطاف ".[2]  كذلك خلصت أحد الندوات المهمة التي رعتها إحدى المؤسسات البحثية الرسمية الإيرانية أن إستمرار  النهج السياسي الإيراني تجاه الأزمة السوريه  على هذا المنوال ، بات يعتبر انتحارا سياسيا للدولة الإيرانية ، وأنه آن الأوان  لإيران  أن تعدل من سياستها ، وبشكل ينسجم  مع طبيعة مصالحها ، حيث استطاعت الثورة الاسلامية خلال فترة تاريخها السياسي الطويل والمحفوف بالمخاطر ،أن تطور سلوكها وأدائها السياسي تجاه الأزمات ، وسجلت نجاحات منقطعة النظير  ضمن هذا الاطار  [3].  استنادا إلى ما سبق، مالذي يمكن استنتاجه:

أولا : أن  إيران باتت  تدرك أن الغرب  وإسرائيل  لا يوافقهم بشكل مطلق وجود قيادة سورية قوية تستطيع بسط سيطرتها ونفوذها على الأرض السوريه . وبالتالي آن الآوان  لإيجاد هذه الشخصية .

ثانيا : اعتبار إيران بشكل مؤكد أن النظام السوري  بقيادة بشار الأسد قد استنفذ كل  أدواته ، ومبررات وجوده ، وأن على طهران أن تستعد  لكافة الاحتمالات ؛ خاصة مع تصاعد احتمالية إسقاطه في أية لحظة .

ثالثا  : أن الغرب عموما ، والولايات المتحدة على وجه الخصوص ، تتقاطع بشكل كبير مع الرؤية الإيرانية ، بأنه يجب الحفاظ على بقاء النظام السوري ، ولا يريدون الاطاحة به ، أو تفكيكه ، لكن الخلاف ببساطة على شخص بشار الأسد .

رابعا  : أن إيران "الدولة والثورة"  قد أدركت  أن بشار  الأسد سوف يرحل في نهاية الأمر ، وأن عليها أن تهيء نفسها لهذه اللحظة التاريخية وتداعياتها من الآن.

خامسا  :  ضرورة  وأهمية  أن يكون لإيران دورا في صياغة  السيناريوهات  التي تحدد مستقبل  سوريه ، وأن تكون شريكا أساسيا في اتخاذها .

سادسا : أن الدولة الإيرانية خلال مراحل تاريخها الحديث ، استطاعت أن تخلق حلول ابتكارية لسياستها الخارجية ، مما مكنها من التكيف مع المتغيرات المختلفة ، وأن بقاء السلوك الإيراني تجاه الأزمة السوريةعلى هذا المنوال  دون تعديل يعتبر بمثابة انتحار سياسي ، وتهديدا خطيرا للمصالح الاقليمية والدولية الإيرانية .

سابعا : أن تغيير شخص بشار الأسد سوف يفوت الفرصة على اسرائيل لتخريب الاتفاق الغربي – الإيراني من ناحية ، وسوف يسهم في ايجاد الأرضية المناسبة لصفقة نووية مع واشنطن ،ويوجه صفعة قوية للدول العربية : لاسيما الخليجية ، وبشكل يضمن هيمنة إيران على الاقليم .

على ضوء هذه التغيرات المهمة في الموقف الإيراني ، والتي من المؤكد أن الضرورات الداخلية والخارجية " الاقليمية والدولية ، قد أسهمت في هذا التحول ؛ فلاشك أن المعارضة السورية المسلحة قد حققت انتصارات استراتيجية مهمة قلبت التوازانات ، وأربكت الخيارات والبدائل أمام صانع القرار السياسي والأمني الإيراني  ؛الممسك بخيوط الأزمة السوريه  . كذلك كان للتحولات الاقليمية ، وفي مقدمتها التغييرات السياسية التي جرت في السعوديه ، والتي أدت إلى تقارب ، وتنسيق مع تركيا ، وقطر  تجاه الأزمة السوريه ، الأمر الذي أدى لقلب المعادلة رأسا على عقب ؛ وهو ما  لم تكن  تتوقعه طهران  . أما المتغيرات الدولية ، فقد قرأتها إيران بعناية ودقه ؛ فهي تكرر ليل نهار رفضها لشخص بشار الأسد ، وليس للنظام السوري . وهذه الرؤيه لا تقل خطورة عن الاعتبارات الإيرانية ، بالنسبة لحل الأزمة السورية المتفجرة .

السيناريوهات الإيرانية للتعامل مع الأزمة السورية على ضوء هذه التطورات :

السيناريو الأول  : إدراك النظام الإيراني بشكل مؤكد  أن بشار الأسد قد استنفذ أسباب ومبررات بقائه ،  وأنه بات من المحتم على طهران اقتناص فرصتها التاريخية للبحث عن شخصية توافقيه بديلة ، خوفا من أن يفرض عليها ؛ نتيجة  للتحولات السوريه المتسارعة "الداخلية الاقليمية والدولية "وبموجب هذا السيناريو سيكون  التغيير  فقط على مستوى  رأس النظام ، وليس  تغيير النظام بمجمله، وقد تمتد لإجراء عملية تجميلية لهذا النظام ، لتحسين صورته الدموية والقبيحة  ؛ وبموجب هذا السيناريو  سيتم الاطاحة بشخص بشار بعد التوافق مع المؤسسة العسكريه والأمنية السوريه على شخصية عسكريه علويه تضمن مصالح إيران في سوريا ولبنان .وتسهم في بقاء الدولة السوريه موحدة ، وتحت العباءة الإيرانية .

السيناريو الثاني : تنصيب شخصية "علويه" سوريه توافقيه ذات خلفيه سياسية ، مع ضمان بقاء خيوط اللعبة العسكرية والأمنية بيد إيران وحزب الله .

السيناريو الثالث : بقاء بشار الأسد على رأس النظام ، واستمرار تحمل إيران لكلف بقائه العسكرية ، الاقتصادية ، الأمنية . وانعكاسات ذلك على البيئة الداخلية الإيرانية بمتغيراتها المختلفة. وفي ظل استمرار  مثل هكذا سيناريو سوف تقوم إيران بارسال المزيد من المليشيات من إيران ، العراق ، باكستان ، أفغانستان .....،إضافة إلى تعزيز دعم حزب الله نحو المزيد من الانخراط بالأزمة السوريه . لكن السؤال المهم والمحوري إلى متى ستبقى إيران قادرة على تحمل كلف عملية استنزافها بسبب الأزمة السورية ؛ خصوصا في ظل ما تعانيه إيران من أوضاع اقتصادية واجتماعية قد تعصف بدولة ولي الفقيه في أية لحظه ، هذا عدا عن اعلان إيران المتكرر بأنها لن تسمح بأن تكون سوريا واليمن فيتنام جديدة  بالنسبة لها .

(جريدة جمهورى اسلامى الإيرانية 1/ 6/2015 ) [1]

( سياست روز ، 25/ 5/ 2015)[2]

( مركز سياسى منطقه اى ، سياست خارجى ايران در قبال بحران منطقه اى ، كيهان ، 9/ 5/ 2015 )[3]

د. نبيل العتوم

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية

مركز أميه للبحوث والدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 623