بثت «سكاي نيوز»… فتعرضت «الجزيرة» للهجوم!
ورد في الأمثال: «حبيبك يبلع لك الزلط، وعدوك يتمنى لك الغلط». فالبث لـ «سكاي نيوز عربية»، والهجوم على «الجزيرة» القطرية!
ينام الانقلاب العسكري في مصر ويستيقظ على «الجزيرة»، يتم وقف بث «الجزيرة مباشر»، فيكون الهجوم على «الجزيرة الأم» ولو توقفت لكان الهجوم على «الجزيرة أطفال»!
يفشل عبد الفتاح السيسي فيعلق فشله على «الجزيرة»، وتتوقف «الجزيرة» عن إطلاق وصف قائد الانقلاب عليه، وتسبق اسمه بـ «الرئيس المصري»، فيستمر عبر أذرعه الإعلامية في الهجوم عليها، ثم يدفع بمشروع قانون لـ «الإرهاب» يلغي به مهنة الصحافة، ويعيدنا إلى زمن كان المصري فيه يضع أذنه حتى يلتقط إرسال راديو الـ «بي بي سي»، أو «صوت أمريكا» لمعرفة ما يجري في بلاده. لكن هذه المرة فإن أبصار المصريين ستنصرف تلقاء شاشة «الجزيرة»!
كأن «الجزيرة» مولودة فوق رأس السيسي، والقاعدة أن المولود يكره في طفولته أخاه الذي نزل من بطن أمه بعده، وقد يغافل أمه ويضربه مسكوناً بالغيرة، لذا ينصح علماء النفس الأبوين بعدم الاهتمام بالمولود حديثاً حتى لا يكون هذا سبباً في إثارة حقد الطفل السابق له.
«الجزيرة» تحولت إلى شماعة يعلق عليها السيسي فشله، وهكذا عشنا حتى رأينا كيف لدولة في حجم مصر، تتضاءل حتى تصبح في حجم قناة «فضائية»، بل في قامة مذيع، عندما تحتشد «دولة السيسي» من اجل النيل من الإعلامي أحمد منصور بعد هزيمة قائد الانقلاب في موقعة ألمانيا. ويرى المرء هذا الاحتشاد، فيظن أن «منصور» أصبح دولة عظمى، أو أن مصر جرى اختزالها في عهد حكم العسكر لتصبح مذيعة، في حجم «حياة الدرديري»، ولا تثريب على مذيعة إن هاجمت مذيعاً!
مقدم برامج في واحدة من قنوات الانقلاب يهاجم «الجزيرة» قبل الأكل وبعده، وتسأل فتعرف أنه كان قد سعى للالتحاق بها مذيعاً، وسقط في الاختبارات، فتحرك مأزوماً. لكن بحسب معلوماتي أن السيسي لم يكن ضمن أحلامه أن يكون مذيعاً بالجزيرة أو بغيرها، وليته تمنى فعلى الأقل كان تدرب صغيراً، فأنقذنا من الهم والغم عندما نستمع له، فلا نستطيع أن نضبطه متلبساً بجملة مستقيمة، فكلامه عائم وهائم، وجملته غير مكتملة، ليصبح من الطبيعي أن نطلب بتدريس مادة في كليات الإعلام تمكن الإعلاميين في المستقبل من اصطياد، الكلمات السابحة في المجال الجوي، أو التي يجري تخزينها في «بطن السيسي» بعد الفشل في دفعها لتتجاوز عتبة فمه!
بيانات المتحدث العسكري
عندما وقعت أحداث سيناء مؤخراً، كانت «سكاي نيوز»، هي التي بثت أخباراً مثيرة، عن عدد الضحايا في جانب الجيش، وجاء في أحد أخبارها أن تنظيم «ولاية سيناء» قام بأسر عدد من الجنود، وهو ما لم تبثه «الجزيرة»، لكن الهجوم كان عليها، ولا ذكر لـ «سكاى نيوز»؛ فحبيبك يبلع لك الزلط!
غضب سلطة الانقلاب يرجع إلى أن الإعلام نشر أخباراً حول ما جرى، ولم ينتظر بيانات المتحدث العسكري، والنشر أوحى كما لو كانت سيناء وقعت في قبضة «أبو بكر البغدادي»، والمشكلة أن البيانات الرسمية تأخرت، وهنا يصبح من الطبيعي أن يبحث الصحافي عن مصادر أخرى، وهي مصادر ينبغي أن تكون حاضرة حتى مع بيانات الجهات الرسمية التي لا يجوز مهنياً تجاوزها.
كل وسائل الإعلام أذاعت بيانات المتحدث العسكري، ولم تكن تبعث على الطمأنينة تماماً، فقد ذكرت أن تبادلاً لإطلاق النار جرى لساعات، على غير طبيعية الجماعات المسلحة التي تضرب وتختفي.
وفي عز المواجهة كان قرار قائد الانقلاب هو الانتقام من الإعلام بدلاً من أن يحاسب نفسه وقد أخبرنا من قبل أن العلميات الإرهابية اندحرت، وأنه وضع خطة لتنمية سيناء كان من المفترض أن يعلنها هذا الشهر!
اللافت، أن الحديث عن تجاوزات الإعلام من خلال نشر أعداد أكبر للضحايا من تلك التي أعلنها المتحدث العسكري، مهد بها السيسي لقانون الإرهاب مع أن هذا القانون كان قد أعلن هو أنه جاهز للإقرار وهو يشارك في جنازة النائب العام في اليوم السابق لأحداث سيناء، وعندما طالعنا مشروع القانون بعد ساعات من هذه التصريحات وقفنا على أنه كان جاهزاً في انتظار الفرصة والتي جاءت بحادث اغتيال النائب العام واكتملت بأحداث سيناء، ولا أعتقد أن هذا القانون كان يمكنه منع وقوع الحادثين، فالجناة الذين يقومون بعلميات انتحارية، لن تخيفهم قوانين تقر عقوبة الإعدام لهم.
حادث النائب العام في جانب منه يرجع إلى الإهمال في حمايته، وقد قال أحدهم في قناة «صدى البلد» أن الرجل أخبره أنه على قوائم الاغتيالات، فضلاً عن أن السيسي نفسه قال ما نقله التلفزيون المصري، من أنهم كان يعلمون ذلك. ليبقى السؤال وماذا فعلت سلطات الانقلاب في شأن حراسة النائب العام ورأس السلطة في مصر يعلم أن رأس الرجل مطلوب؟!
إلغاء مهنة الصحافة
مشروع قانون الإرهاب جاء في المادة (33) مدفوعاً بقصة أن وسائل الإعلام لم تلتزم في النشر ببيانات المتحدث العسكري عن حجم الضحايا، مع أنه وضع قبل هذه الأحداث. وهي المادة التي جاء نصها يلغي مهنة الصحافة، ويحولها إلى منشورات تصدرها الشؤون المعنوية بالجيش!
وما دام محمد حسنين هيكل بجانب عبد الفتاح السيسي، وهو كائن لا تختزن ذاكرته سوى تجربة عبد الناصر، فلا نستبعد أن يوسوس له بفرض الرقابة على الصحف ووسائل الإعلام، تمهيداً لخطوة تأميمها.. يقولون إن الكاهن الباحث عن فرعون نصحه بفكرة التنحي، لتخرج الجماهير لتحمله على العودة، كما فعلت مع عبد الناصر، لكن السيسي ليس مقامراً، ويخشي إن فعلها أن تخرج الجماهير لتحتفل بقراره!
السيسي ليس بحاجة لفرض الرقابة، فقد تحول رؤساء تحرير الصحف، وأصحاب القنوات التلفزيونية إلى رقباء. فتم وقف كثير من مقدمي البرامج مع أنهم كانوا مع 30 يونيو ومن «ريم ماجد»، إلى «يسري فودة»، مروراً بنائلة عمارة، و«دينا عبد الرحمن»، وغيرهن.. فضلاً عن «باسم يوسف»!
وفي الصحافة، تم وقف كثير من الكتاب الذين وقفوا أيضاً مع الانقلاب العسكري، ومثلوا غطاء مدنياً له، ومن بلال فضل، إلى علاء الأسواني، وأخيراً حازم عبد العظيم، الذي فاجأنا بتغريدة يبكت فيها رئيس تحرير «اليوم السابع» وهو يدافع عن حرية الصحافة الآن مع أنه منع نشر مقال له كان عنوانه: «نعم نحن في حكم العسكر» في أبريل/نيسان الماضي. الآن وقد عصيت قبل؟!
ظل المذكور كاتماً في قلبه هذا الخبر ولم يبح به إلا بعد ثلاثة شهور، والغريب أنه لم يجرؤ وينشر المقال عبر صفحات التواصل الاجتماعي، وإنما أعلن أنه اتخذ قراراً بالابتعاد عن السياسة بسبب ما أسماه المناخ السياسي!
كما تذكرون أن الأسواني هو صاحب مقولة: «إن السيسي هو أعظم قائد عسكري بعد أيزنهاور»، تذكرون كذلك أن «عبد العظيم» كان من الذين يهاجمون الرئيس مرسي، وصورته وهو يحمل بيده حجراً في يوم الاعتداء على مقر جماعة الإخوان المسلمين مختزنة في الذاكرة. كنا نعتقد أن مرد هذا إلى الشجاعة الشخصية لحضرته، وتبين أنه لم يكن سوى بحاجة إلى منع نشر مقال له في عهد الرئيس محمد مرسي ليبتعد عن السياسة!
شهر العسل
ما علينا، فالمسموح لهم بممارسة مهنة الصحافة في مصر الآن هم الأذرع الإعلامية لعبد الفتاح السيسي ومع هذا وضع لهم المادة (33) من قانون الإرهاب، حتى يعلموا أن العين لا تعلو على الحاجب، وأن ولاءهم لحكمه ليس لأنهم شركاء، ويشكرون على مواقفهم، ولكن لأنهم ليسوا أكثر من خدم في بلاطه وبالقانون فلا فضل لهم إن خضعوا له بالقول.
رسائل كثيرة وصلت لبعض القائمين على وسائل الإعلام في مصر، تفيد أن شهر العسل قد ولى، فاكتشف بعضهم بعد الرسائل أنه ليس أكثر من «صرصار»، لكن حتى هذا البوح لم يُقبل منهم لأنه جري تأسيس الاكتشاف بأنهم في وطن لا يحترم كرامتهم، فكان التراجع عن ذلك إلى أن كونهم كذلك مرده إلى الإرهاب وإلى جماعة الإخوان، وفي حالة التوتر قال قائلهم إنه رأي الرسول في المنام فحذره من الجماعة الإرهابية ومن حسن البنا، لنكتشف أننا أمام حلاج جديد رأى الله، وقديماً قال الحلاج القديم:
رأيت ربي بعين قلبي/ فقلت من أنت قال أنت
فليس للأين منك أين/ وليس أين بحيث أنت!
المادة (33) تعاقب بالحبس كل من يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية في الحوادث الإرهابية. وهي تلغي مبدأ تعدد المصادر، وتلزم بمصدر واحد لا يقول الحقيقة، وهو أمر يعيدنا إلى زمن صحافة التأملات، ويجعل من كلام الجنرال إياه في برنامج «وائل الإبرشي» تفسيراً للأمر عن أنهم «سيقعدون الصحفايين في بيوتهم» في معرض دفاعه عن هذا القانون، والرسالة هنا موجهة إلى من يسمح لهم بممارسة المهنة في مصر، وهم الأذرع الإعلامية، فحتى هؤلاء ضاق بهم السيسي، والسبب هو أنه اكتشف أنهم متعددو الولاءات، وكلما وجدوا مركبه معرضه للغرق استعدوا للقفز منها، وقد ضبطهم بذلك أكثر من مرة.
السيسي كأس وداير.
وسوم: العدد 624