المبادرة الايرانية …. وإعادة تأهيل النظام السوري للحكم
تطرح طهران مبادرتها التي تصفها بالمُعدلة لحل الأزمة السورية المستعصية عن الحل منذ سنوات ، في وقت تكثف فيه روسيا اتصالاتها مع أميركا وحلفائها في المنطقة ، لإيجاد صيغة تفاهم حول هذه الأزمة التي باتت تهدد الأمن الإقليمي برمته بفعل دخول إيران ووكلائها على خط دعم نظام بشار الأسد ، الذي يُمارس اليوم أبشع الجرائم التي عرفتها الإنسانية في تاريخها الطويل.
في نهاية المطاف خرجت علينا طهران بتفاصیل مبادرتها لحل الأزمة السوریة وتعدیلاتها، حیث تضمنت المبادرة مجموعة من البنود ؛ البند الأول الدعوة إلی وقف فوری لإطلاق النار، ویدعو البند الثانی إلی تشکیل حکومة وحدة وطنیة.أما البند الثالث فیتضمن إعادة تعدیل الدستور السوری بما یتوافق وطمأنة المجموعات الإثنیة والطائفیة فی سوریا، کما یدعو البند الرابع إلی إجراء انتخابات بإشراف مراقبین دولیین. فقد أشارت إيران إلى أن ‘المبادرة جری تقدیمها والتشاور بشأنها مع ترکیا وقطر ومصر ودول أعضاء فی مجلس الأمن’، وقد أصرت علی أن أی تحالف ضد داعش یجب أن یهدف لمساعدة شعب وحکومة العراق وسوریا بإشراف أممی’، معتبرة أن ‘الطریقة الوحیدة لإخضاع داعش وغیره هی عبر وقف تدفق المال والسلاح والمقاتلین إلی المنطقة، وأن ‘القوی الدولیة ارتکبت أخطاء استراتجیة فی حربها ضد الإرهاب. كما أن إيران أشارت إلى أنه علی لجنة مکافحة الإرهاب المشکلة عام 2001 أخذ دور أکبر فی إقناع الدول بوقف تدفق المال للمسلحین، ودمج هذه الآلیات مع مبادرات کمبادرة ‘عالم ضد العنف والتطرف’ العام الماضی فی الأمم المتحدة.
لقد بدأت طهران بمحاولة إبراز ثمرات الاتفاق النووي لتمارس دورها ، وتمارس مزيداً من النفوذ من خلال مداخل الأزمات الإقليمية التي تمسك بأوراقها .
وإذا ماكان وزير خارجية النظام السوري المعتل صحياً ونفسياً وليد المعلم قد اتجه إلى قبلته ومرجعيته، للقاء ولاة الأمر من القيادة الإيرانية في طهران لمناقشة المبادرة المعدلة التي تأتي – كما قالت طهران – لضرب المحور المعادي لسوريا بشكل موجع بحيث تقطع عليه الطريق في محاولاته المستميتة للتهرب من طرح الرئيس الروسي لإقامة تحالف دولي ضد الإرهاب من جهة، وتسد في وجه المحور المعادي كل الثغرات التي يمكن الولوج من خلالها إلى منطقة يمكن من خلالها المساس بالسيادة السورية .
إقامة حكومة الوحدة الوطنية من المفترض -حسب الزعم الإيراني- أنها ستضم بعضاً من المعارضين السوريين، المرضي عنهم ، والملتزمين بالنهج الإيراني ، هو شرط مهم وأساسي لوقف القتال والذبح بحق المدنيين العزل ، وهذا الشرط إن كان مستحيلاً لجهة أن الميليشيات المسلحة الموجودة في سوريا متعددة الولاءات والتبعيات، فضلا عن كون تنظيم داعش خرج عن سيطرة المخابرات السورية والإيرانية التي تقوده بغرض الانفراد بالساحة بتوجيه أساسي من الحرس الثوري الإيراني ، كونه المستفيد الأول والأساسي من إستمرار حالة الفوضى الخلاقة التي تعهدت طهران بمواصلة توجيهها ، والحفاظ عليها .
بالمقابل فإن إدارة أوباما بدأت تشيع للرأي العام الإقليمي والدولي بأنها ملتزمة أمام حلفائها وأصدقائها الإقليمين ” العرب ” اللذين وصفهم كيري في شهادة أمام لجنة الكونغرس أنهم لا يجيدون لا …الاتفاق ولا ….. التفاوض بثمار الاتفاق النووي مع إيران ، وضرورة التعاون المثمر والبناء معها لجهة إنهاء الصراعات بشكل متدرج في المنطقة ، و خلق مناخ سياسي مناسب لإقامة تعاون مع ملالي طهران على اعتبار كونهم الشركاء الجدد لحل الأزمة السورية ، ومكافحة الإرهاب ” السني ” .
على هذا الأساس توجه وزير الخارجية الأميركية جون كيري إلى المنطقة على عكازتين يُسارع الخطى لزف بشارة الاتفاق مع طهران حول الحل القادم للأزمة السورية ، وليطمئن الدول الخليجية من الاتفاق النووي، ويضغط عليها بالمقابل في لقاءات غير معلنة و بعيدة عن عدسات الإعلام للتوقف عن تمويل الإرهاب ” السني التكفيري “في الداخل السوري، دون الإشارة ولا على سبيل المجاملة لما تقوم به إيران من دعم غير منقطع النظير لحزب الله والمليشيات التي يدعمها مالياً ، تسليحيا ، استخبارياً ، وبلا حدود في الذبح والتنكيل بالشعب السوري الأعزل . كذلك يُحاول ذو العكزاتين “كيري” أن يرمي بورقة تسليح الدول الخليجية على الطاولة كواحد من المغريات الأميركية للدول الخليجية ، والتي تأكدت أصلاً من خدعة فعالية السلاح الأميركي في العمليات العسكرية لعاصفة الحزم مؤخراً. فضلا عن ما سبق أين بند التواصل الأميركي مع المعارضة السورية التي تحتاج إلى لملمة صفوفها ، وتضميد جراحها ، وايجاد آلية واضحة للتعامل مع المتغيرات المتسارعة والمفاجئة ، كذلك ضرورة ترتيب أوراقها المبعثرة بين دول صناعة القرار الإقليمي والدولي ، وإلا ستكون أول من يدفع الثمن ، بعد الشعب السوري الذي كان الله في عونه .
من هنا تحاول واشنطن من خلال هذه التطورات الدراماتيكية المهمة أن تروج لضرورة التعاون العربي عموماً والخليجي خصوصاً مع طهران للقضاء على الإرهاب “السني” ، وأن تتصيد صفقات كبرى للسلاح الأميركي ذا الفعالية الرديئة لتضخ عشرات المليارات من الدولارات الضرورية لواشنطن لمواجهة العديد من الأزمات الداخلية ؛ لا سيما الإقتصادية ، ولتحاول خلق الذرائع والمبررات أمام الكونغرس الأميركي المشكك أصلاً في جدوى الاتفاق النووي ، والمطالب بعرض الاتفاق السري الذي تم مع طهران عليهم للاطلاع عليه وتقييمه . رجوعاً إلى زيارة وزير خارجية النظام السوري وليد المعلم إلى طهران، ُتقرأ تطورات الأزمة السورية من عدة زوايا مهمة وأساسية ، بل وخطيرة : أولها هل المبادرة الإيرانية تمت بفعل رياح التوافقات الدولية والإقليمية الناتجة عن الاتفاق النووي والتي تُنذر باستمرار بقاء نظام الأسد الدموي على رأس السلطة ، ثانيها : أن هذه المبادرة ظهرت للعلن لاستغلال التوافق الأميركي – الأوروبي – الروسي لاستثمار فرصة دفع الدول العربية الرافضة لبقاء نظام بشار الأسد للتوجه للشراكة متعددة الأطراف لمحاربة الإرهاب ” السني ” ، وبالمبادرة الإيرانية، تقدم طهران لأعداء النظام السوري المبرر المنطقي والعلمي – كما تقول- للاستدارة الكاملة في المواقف من النظام السوري وتغير الاتجاه من كون هذه الدول ، من الداعمين الأساسيين للمليشيات والتنظيمات التي تُقاتل النظام، حتى بما فيها الجيش الحر ، على اعتبار كونها تنظيمات إرهابية معارضة لنظام بشار الأسد ومرتزقته . ثالثها : إعادة ترتيب الأوراق داخل المعادلة السورية من خلال إضفاء الشرعية على وجود المليشيات التابعة لإيران ، وعملية تسليحها . رابعها تعزيز عملية التسويق السياسي والإعلامي ،لفكرة ضرورة التنسيق مع إيران ومليشياتها من جهة ، والنظام السوري من ورائه من جهة أخرى ، والتأكيد على ضرورة إيجاد تنسيق أمني مع النظام السوري للقضاء على الحركات الإرهابية ، على أن يبدأ هذا التنسيق بعد حل الشق السياسي من الأزمة السورية، ما يمهد لعملية القضاء على الإرهاب والوصول إلى المناخ المناسب لحل الأزمة السورية.رابعا : ما يروجه الإعلام الإيراني من أن المتضرر من المبادرة الإيرانية سيكون الدول التي ترفض أن يكون ثمة حل للملف السوري، وهذه الدول بشكل أساسي كل من السعوديه و قطر وتركيا ، كما يقول نفس هذا الإعلام ، ومحاولة إيران كذلك الترويج لفكرة خطيرة يجب على الدول العربية الخليجية أن تنتبه لها ، وهو أن الحكومة القطرية قد وافقت على المبادرة الإيرانية وبقوة حتى تُحاول أن تجد لنفسها مكاناً متقدماً في مجلس التعاون الخليجي ، ولتكون الحليف الأقرب إلى الإدارة الأميركية خليجياً، وتُحاول في الوقت نفسه أن تزيح المملكة السعودية من صادرة المشهد القيادي الخليجي.
أما المملكة السعودية ، فإن معيار تضررها من المبادرة الإيرانية – حسب رؤية ملالي طهران – فإنه مرتبط بمعيار قبول الولايات المتحدة الأميركية بهذه المبادرة، هذا من جهة، ومن جهة ثانية سيكون لزاماً على السعوديين البحث عن تعويضات سياسية ومادية لما خسرته في الملف السوري عبر دعمها للمليشيات التي تعتبرها طهران ونظام بشار الأسد إرهابية بامتياز .
النتيجة أن طهران تعتبر مبادرتها أقوى الطروحات الموجودة والقابلة للتطبيق حيال الأزمة السورية، ، ولعل ما سينتج عن اللقاءات الدبلوماسية الإيرانية السورية الروسية في العاصمة طهران ، سيُمثل خارطة طريق لحل الأزمة السورية ، وبذلك يكون محور الممانعة قد اقترب لإعلان النصر المطلق على المحور المعادي له حسب ما بشرتنا به إفتتاحية جريدة جمهورى إسلامى .
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 628