"عائشة" نائمة...

"عائشة" نائمة...

عبد العالي زغيلط

أستاذ بقسم اللغة والأدب العربي /جامعة جيجل ــــــــــ الجزائر

[email protected]

تلوا باطلا وجلوا صارما ** وقالوا صدقنا؟ فقلنا: نعم 

المعري

فجأة انتفض الموتى من قبورهم ونضوا عنهم أكفانهم،وراحت الأشباح تعربد بين المنتسبين إلى الأحياء وما هم مــن الأحياء.

فجأة انبعث التاريخ من مرقده محفوفا بجثث القتلى وركام من اللعنات والحسرات ومعه استيقظ الناس،أبناء الألفية الثالثة مـن المسلمين المهمومين بالتحديات التي تشيب لها الولدان على مختلف الصعد،استيقظوا أو أوقظوا والحضارة المعاصرة في مظهرها الإعلامي تنقل لهم صورا لشيوخ،ودعاة،طوال اللحى،شداد غلاظ لا يـعصون الحـاكم ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون،يملئون شاشات الفضائيات دفاعا عن عرض النبي (ص)!

   فجأة وجد المسلم البسيط المنشغل بيومياته،وقد فتح التلفزيون ليروح عن نفسه أنه مطالب للتصويت مع أو ضد عائشة، وأنه موصوف بوصف لا يفقه كنهه إلا إذا نبش التاريخ وقلَّب الصفحات والآلام معا،لقد صـار المسلم إما "رافضيا" أو "ناصبيا"،وله أن يختار،هذا إن تركت له وسائل الدعاية وغسيل المـخ المدعومة من الحوزات أو من البترودولار  فرصة يلتقط فيها أنفاسه ليقرأ ،ويوازن ،ويحكم ،ثم يختار أو لا يختـار.

   أراد شيوخ الفضائيات للمسلم ابن القرن الواحد والعشرين ،أن يكون ابن عائشة ،أو ابن فاطمة، وألزموه أن يودِّع عصــرَه وهموم هذا العصر ويرحل إلى هنالك ليكون ابن القرن السابع للميلاد،يبذل دمه رخيصا في صف هذا الحزب أو ذاك،ومن غير أن يتساءل: كيف؟ ولماذا؟،وأنَّـى له أن يتساءل،وأصوات الأموات تصم أذنيه وتقطع لسانه،وأيديهم الطويلة تمتد من وراء شاشات التلفزيون  تجرجره راغم الأنف إلى ماض لا يعرف عنه إلا أماني. 

    عائشة تلوذ بالأمريكي ليحمي عرضها من الرافضي،وفاطمة تلجأ إلى بيت "عاتكة" ليحميها المجـوس من هجمات النواصب الذين يريدون أن يضرموا النار في بيتها ،وداحس تدهس الكرامة وتعفرها في الغبراء،والكر والفر بين عبس وذبيان ،وذي قار تــوري زند نارها،أما النور والدفء والتقدم فلأمــريكا وأوروبا،ولهم فوق ذلك مشاهد مسلية من تاريخ غابر لأمة توشك على الانقراض!

  من حرَّك أصحاب اللحى المباركة من "نواصب" و"روافض"؟

   عائشة كانت على جملها تحرض المقاتلين على القتال وكانت يومئذ في صف طلحــة والزبـير ،وهي اليوم يراد لها أن تقيم في الفضائيات تحرض على ألسنة فقهاء الظلام،وسدنة هياكل التاريخ،وحـــــراس معابد الفتنة،وتحـث الغيورين على عـرضها أن يقتلوا وينتقموا،وفاطمة التي لزمت بيتها غضبا لإرثها أُخْرِجَت من بيتها من غير إذن زوجها نادبة حظها، طالبة من المحبين الثـأر لها!!أية جاهلية هـذه؟!

    أية أمة هذه التي تنبش قبور أنبيائها وتعرض عرضهم للعارف والجاهل؟وأية أمة هذه التي تبعث الأموات من موتهم وتعيد محاكمتهم والمرافعة لهم أو ضدهم،بينما آلاف من أبنائها كتب عليهم أن يولدوا في جغرافية هذا العالم الإسلامي المطحون لا يجدون قوت يومهم، فعجبا لها من أمة لا تخرج شاهرة سيفها في وجه من عرَّضَها للظلـم والجوع،والجهل،وتغضب غضبة مضرية لأمر صار نسيا منسيا لولا من لهم مصلحة في بقاء دار محمد على حالها!

     أقلام تشحذ،ومنابر تعتلى،ومطابع تطبع،وأموال تدفع،وعيون منافقة تدمع،ووجوه ـــــــــ شاهت الوجوه ـــــــــــ علاها الاحمرار غضبا لعرض انتهك،وأمّ شتمت،بينما أبناء هذه الأم الطيبة مشردون في أصقاع الدنيا ؛مطاردون في أفغانستان بفعل طالبان والأمريكان،ومحاصرون في غزة بفعل يهودستان،ومُهجَّرون في العراق والسودان ومالي وسوريا والشيشان وباقي المحميات الأمريكية  بفعل حكام الجور والقهر،وانتهاك حقوق الإنسان.

    أمة بها أعلى نسبة للأمية واسم كتابها المقدس مشتق من القراءة،وبها أعلى معدل للبطالة، ولها أكبر مخزون للفساد والمفسدين،وبها أكبر رصيد من العطالة والعاطلين،أمة يقضم أعداؤها جغرافيتها ،ويستبيحون أقطارها كل يوم،وتداس كرامة أبنائها ممن سلطوا عليها. كل هذه الأدواء يتناساها شيوخ الفتنة ويتنادون بالإثم والعدوان ومعصية الرسول،ألا ساء ما يعملون!!

   ما من مصيبة إلا وأصيبت بها هذه الأمة،وما من جائحة إلا ولها منها نصيب،ثم يطل علينا بعد هذا شيوخنا الأفاضل ــــــــــ أطال الله لحاهم ـــــــ عبر شاشات صممها لنا ولهم سادة الحضارة المعاصرة ،يقصُّون علينا من خلالها سير الأولين ،ويقتحمون الأبواب المشرعة على القتل والسحل والفتنة !!

  لقد مات أبو بكر وماتت ابنته،ومات علي وماتت زوجته ،رضي الله عنهم جميعا ورضوا عنه،ومات الجمل أو نحر،وبقي بعـره يتمسح به "الروافض" رفضا لأعراب الخليج المتمسحين بميراث الصحابة وما هم منهم مادام الخليج يئن تحت أساطيل الغـزاة.

     هذا البعر عينه جعله "النواصبُ" وقودا لهم،ما دام الخليج لم يستقر اسمه ولا رسمه ، فالتقلص والتمـدد في الجغرافيا السياسية يسبقه بعث الموتى من مراقدهم ،وتحريك جمر التاريخ ،فالنار ولا العار،والمنية ولا الدنية،فلعل ذلك يحدث أمرا أو يقضي مأربا،وصار الدين ظهرا ذلولا يركبها حكام السوء، بل أصبح أفيونا للشعوب، وما من أفيون أقدر على التلبيس على الناس وإخراج غرائزهــم البدائية،وتحريك دواعي الانتقام عندهم كما يفعل الدين في طبعتيْـه الخمينيـة والـوهابية...والله المستعان.