أنفاس الطريق..
يسألني الورد من هي؟!
فأجبته: لا شيء يمنحني السلام سوى حُبها، وحين ينطق مبسمها عذب الكلام.
حارت أيادي البركة، واستمالت رؤوس النخيل شوقاً للقياهم..
فهمّ ساعدي لكتابة الحال، وفحوى السؤال:
يا اللي تجهز هالمسيه قلي امنين
مندي لحم ولا دجاج افروخ واطحين؟
قف ها هُنا..
وانزع ثيابك في الدُنى
صاح العنا:
قل لي بربك من أنا؟!
ساد الخنى..
والتيه منا قد دنا
فاز المنى..
والعمر ماضٍ للفنا
آهة العاشق رواية للمتيم. من أحب ذاته كثرت مبرراته. أسرجت كفي في المقام
طوبى لمن صلى وصام
والفجر قد نسجت عليه
سور تطوف مع الحمام
دامك تقول الزين لا تلتفت زين
مثل النحل والورد وهذا شعاره
تُخبئ الحزن في سياج الطريق، وتهزأ بالوقت والخاتمة! في الجنائن يحار الورد احتضان أنفاسه! أوجعني رحيله، فغدوت أُلملم ذاكرتي! علام يُلمع أطراف الإطار، وألوان الصورة باهتة؟! أفاضت علينا تُخوم لُحونها، فغدونا نكتب الحرف من وجعْ! آهات المساء أبكت عيون الأرامل، وأوجعت دموع الأيتام! لست مُلزماً لقرع أبواب الظلام بيد مبتورة! قوم يا عباسها وباشر عليها
قوم يا حراسها وأنت امنديها
قوم وانشر للعلم
قوم عرف له الزلم
قوم وامسح عالقلب
قوم واكتب عالترب
هاي حوره امن السما
وتلتفت لاجمل حما
قوم يا عباسها وباشر عليها
قوم يا حراسها وأنت امنديها
قافية الحيرة تُظهرها البصيرة. همس في أذن الجدار: من لا يعرف شيء ادعى كل شيء! الحب نجوى، وأي جوىً يعزف ذاتي؟! أُفتش عن قلبي الطريد وإنما جاثٍ على الأوراق والآهاتِ! يعبث بأنفاسي نسيم الصباح، وعلى أكفاف السماء كتبنا الأماني. الصبح نغمة تتعالى فيها تغاريد البلابل و زقزقة العصافير. الأفواه المرهونة كالمزامير المرهومة بين صخب الحال وطول السؤال! كيف يُطلب الإبداع من مناقير الطيور، وتظل الأفواه شريدة بين الأرض والسماء؟! قالت: يُخاطبني الصبح ويسر بستاني!
فقال: أزيحي رُكام الشوق عن ثغر بستاني!
من عرف النخيل صنع المستحيل. على قدر المصلحة يأتي المديح! عين يتوق الورد لنجوى روحها، وأم تجود العمر بسُقيا المدد! قوة الحجة تطلب المحجة. نظرة عين أبلغ من قصيدة، وهمس الصبح جدد هويتي! احتسي فنجان حرفك ذات صباح، فأطلقت أجنحة مُخيلتي، وتنهدت عصافير وجداني..
فما بين أوقاتي أُوزعك حُفن وردٍ هنا وهناك.. فقد جللتني الحيرة، وسطرتني سُكنى المعاني؛ ليبقى نبضك المكتظ يُطوقني بياقوته وجمانه.
تزدري المعاني في الوجوه التي تدعي الرفعة، وتخجل الكلمات لتلك الأيادي التي تُعطي بدون سلفي! ما أكثر التنظير، وما أقل التدبير! لا تُراهن على الأقاويل المطاطية، فالزمن قد لونته الطباشير! خُذي الكأس من قلبي، فقد أوجد الله به شفاء الغربة! لا تُشاطر الحسود رغيفه كيلا يقتلك بقوة التشبيه! الحُفاة لا يشعر بهم إسكافي العتمة! من كفه الماء لا يأبه بحجارة الأعمى. الماء الجاري لا تُلوثه فقاعات الصابون! أهداه كتابه، فذهب للشيخ كي يُجيزه للقراءة! الإبداع أرجوحة التألق. صفعة الحال تربك المقال. على شاكلت الطرق لا تحمل الجرار المثقوبة، والعكس أصحْ! طالت سيرته، فتعرت أوصافه بين نتانة العرض، ومسخرة الطلب! الخطى تتعثر، والقبور تتبعثر على طول الزمن!
حقيقة لا ننكرها، ولا نروم عنها إلا بالكبر، وتقوس الظهر!
يُضحكني من يمرر مآربه باسم الدين لخدمة المجتمع! أُفتش عنها، وفي يدي عبق الماضي على مر السنين! شانني عيب الرسايل والرحيل
أهوه أبني وآنه أبدونه عليل
ذابت أطراف المواجع والضنا
قام ايعاتب وأنا بقليبي صليل
لا تقول اني تركتك بالدُنا
والمحتم لازم اتشوفه خميل
أتيتك يا شيخ الرواة بأحجية لا يعرفها إلا أنا وأنت، فاهدأ قليلاً واسمع صوت قافلتي! يُفتش في المرايا عن اسمها، فجللته سهام الضحايا بالجنون..
فأي الأماكن سقتها قُبلتها المُنسكبة براوية العطش؟!
أتيتك نجوىً أُقاسمك حلوتي..
فضيعني دربي بضوء لجين!
كبرنا وسئمنا دعاة تقولت بعصر الماء وكشط السماء! أُفتش في الأرض عن قبلة تُعانق صوت السماء! من أظهر الغباء أمتدح بالفطنة، ومن بشر بالوعي أُتهم بالجنون!
ــ فما الفرق بين الجنون، وغاية المجنون؟!
ما عادت الأقفال تُجاري حلق الباب؛ بنغمة الطارق، ورقصة المطروق! على مد البصر يشد أوتار ناظريه في نغمة ثملة بين شفاه المد، وانعتاق السكون..
فــ على بُردة الليلك انبجست تلك العيون لأجلها..
اجعلي الـورد يُغني بانشراح
وارقبي الأنفاس مني بالصباح
واخلعي الأمواج منك دوحة
مثل غصن غاله خمر الفساح
بالله عليك كيف تستنطق دمعته؛ فأمه ماتت، وما زال يحثو تراب المقابر؟! لا خير في كلام قننه الباطل.. فالأعمار مؤقته، وأفواه الناس مشرعة للكذب! أي المدائن ترمم إحساسه، وقد ضاق العالم بأنفاسه؟! كيف تُستنطق المرايا، وقد باتت أطرافها شاحبة الملامح؟! تعال اشوي واعطيني ورد فتان
تعال وشوف عقلي يا قلب فنان
تعال ولا تقول الناس
تعال ولا تقول إحساس
تعال وبس ارسمني بقايا اجروح
تعال وبس احرقني بجمر طوفان
قال لها: اكتبيني على شفاه الماء كيلا أنسى اسمي! على لسان صديقي هديتي الواصلة..
كيف لي يا أمي أن أذكرك، وأرتب أوراقي.. فأنت روايتي التي (لن)/(لم) تكتمل فصولها!
كانت خطواتك فينا كمغزل صوفٍ في الأنامل، وابتسامتك وسادة حب وراحة، فمن لنا اليوم برحيلك؟!
كان كفك مستقر أفواهنا الذابلة بالحنين، وكلما اشتقنا إليك أسندنا قلوبنا على طين قبرك، وشممنا بقايا عطرك القابع في خميل الذكريات..
ناجيت أمي والبكاء قليل
والدهر باقٍ والدموع تسيل
هرطقة و شقشقة..
مضت الأيام سريعاً، وما زلنا نحوم في دائرة مفرغة بالظاهر فحواها، والمبطن مُنتهاها!
تلك العلاقة التي اندرست، وشرب عليها الدهر.. خلف ذاكرة الصفوف الأولى من المرحلة الإعدادية، والتي لم يبرح يُشعل فوانيسها فينا أستاذنا المُبجل المرحوم/ ينتمي ابن عم لا ينتمي.
الشاهد يا إخوة الحق والفضيلة، ومُدارين الوقت بالمُزيلة.. إننا كلما كبرنا تفتق ثوب القناعات، وطالت شوراب الإيحاءات، وامتدت أذيال كانوا وكنا ونكون، وتجلت بصائر أهديتها وأهدتني بالماء الزُلال، والمال المُحتلب، وفاضت أواني كبر اللقمة يا عنتر!
نعم، الحق للحق جاذبية، والباطل للباطل طقطقة أضراسٍ محشوةٍ بحشوة مؤقتة!
الخلاصة والزبدة: سُرعان ما انقلب الحال، وتفشى السؤال، وأخذ البهلول يخلخل أسنانه في ضحكة مُريبة: إذا توحدت المصالح تتابعت الخطى، وكثرت الأعذار والمبررات!
وسوم: العدد 633