إيران دولة صديقة أم عدوة للعرب خلية الكويت نموذجاً
تُردد إيران دوماً مقولة ” أنها تتبنى سياسة بناءة في علاقاتها مع دول الجوار الإقليمي ؛ خصوصاً تجاه العالم العربي ، وتتعامل بإحترام معها، وتراعي المصالح المشتركة مع أصدقائها في الجوار.. وأنها طوال عقود مضت تبنت لهجة ودية صادقة مع الدول المحيطة بها، ولم يُعرف عنها أنّها تبنت سياسة أو لهجة عدائية تجاه دول المنطقة، وتعاملت مع التصريحات المتشنجة لبعض الدول بوعي وحنكة من خلال سياسة” تشنج زدايى ” ومعناه بالعربية إحتواء التوتر.. هذا ما عودتنا طهران على سماعه ليل نهار .
وتضيف طهران أن لها علاقات طيبة على أكثر من صعيد مع جيرانها، وقد بُنيت تلك العلاقات على أسس سليمة، وأن هذه العلاقات الوثيقة لاتعجب أعداء المنطقة، لأنّها لاتُدر عليهم الأرباح في عالم تزاحم المصالح.
تدعي طهران كذلك بأن أعداء المنطقة ،وفي مقدمتها قوى الاستكبار العالمي يبحثون عن الأزمات وتطويرها بين طهران والعواصم العربية ، لا تطويقها ؛ وبشكل يعود على هذه الدول وشعوبها الظالمة بالنفع والمصلحة .
إن السياسة غير المسئولة والتي نستطيع وصفها بالتدميرية والتي تنتهجها طهران تجاه دول المنطقة ، تُؤكد حقيقة إيران الواقعية، وزيف وكذب إدعاءاتها ، التي تتسم بالعدائية المقيته لبث النزاعات والصراعات، و تعقيد المشاكل السياسية والأمنية للعالم العربي ، وهي فعلاً منهجية دولة الملالي في التعامل مع الأعداء العرب .
الحقيقة المرة التي تُحاول أن تخفيها طهران كذلك عن شعبها الذي أبتلي بها ، أنها تصل الليل والنهار لتطوير علاقاتها مع العالم العربي ، لكنها للأسف الشديد فإن الأنظمة التي تصفها دوماً “بالعميلة ” هي التي تقف عقبة كئداء لتحسين هذه العلاقات والنهوض بها لتأخذ شكلاً تكاملياً ؛ ما يعني بالنتيجة أن إيران قامت بما عليها من واجب ثوري وأخلاقي لبناء جسور الأخوة ، وأن الطرف المقابل ” الأنظمة العربية ” هي المسئولة حتماً عن تدهور هذه العلاقات ، والوصول بها إلى هذه المرحلة .
لكن الصحيح هو العكس تماماً ؛ فلا شك أن صانع القرار السياسي والأمني القابع في طهران ، يُحيك دوماً مؤامراته الدموية تجاه دول العالم العربي ، بعد أن تعرض تفاصيلها على المرشد ، ثم لتقوم المؤسسات الثورية على الفور بتبني تنفيذها الأوامر الإلهية المقدسة بحرفية ومهنية عالية ، فكان إعلان المسئولين الإيرانيين المتكرر عن الرغبة الحقيقية بتطوير العلاقات مع العالم العربي ، وإرسال رسائل مكثفة بهذا الإتجاه مدعاة للتأمل والإثارة خصوصاً أن ترجمة هذه التصريحات بشكل عملي ، قد جاء سريعاً وبشكل قياسي هذه المرة ،لتعكس حقيقة نوايا إيران العدوانية تجاه العالم العربي وشعوبه ، فقبل أقل من أسبوعين أعلنت النيابة العامة في دولة الكويت عن إنتهائها من التحقيق في مسألة أمنية قد أتهم فيها (24) شخصاً جميعهم من مواطني دولة الكويت ماعدا متهم واحد إيراني الجنسية، وكانت التهمة حيازتهم لأسلحة ومتفجرات، تكفي لإحداث موجة تفجيرات قد تزعزع إستقرار دولة الكويت برمتها .
من خلال التحقيقات التي أجرتها أجهزة الأمن الكويتية التي يشهد لها بالحرفية والمهنية تم الوصول إلى نتائج وحقائق دامغة لا ترقى للشك بوجود علاقة مباشرة بين هذه الخلية من ناحية و إيران وحزب الله من ناحية أخرى ؛ ما أدى باختصار إلى توجيه الإتهام لهذه المجموعة بالتخابر لصالح إيران وحزب الله لتفجير إستقرار وأمن دولة الكويت .
بالمقابل جاء الرد الإيراني على ما حدث وفق مسارين :
الأول : نفت مباشرة ودون إنتظار على لسان مساعد وزير الخارجية السيد حسين عبداللهيان؛ هذه التهمة وكذبتها من الأساس، وأنّها لا أساس لها من الصحة.
المسار الثاني : إستبقت إيران نتائج التحقيقات ،وإعتبرت أن ما حدث في الكويت لا يعدو عن كونه قصة بوليسية من إنتاج وتعاضد للتعاون بين أجهزة مخابرات دول الخليج ، و تبادل الأدوار فيما بينها ، لصناعة حبكة هذه القصة ، وإختلاق شخوصها وأدواتها ، لإخراجها بهذا الشكل السيء ، وكل ذلك – حسب الزعم الإيراني – بهدف وقف مسار قطار تطوير العلاقات الإيرانية الذي يسير أيضاً بلا كوابح هذه المرة ، نحو محطة النهوض بالروابط مع دول العالم العربي عموماً والخليجي خصوصاً لاسيما وأن الهدف من هذه المسرحية – حسب ما تدعيه طهران أيضاً – قد جاءت في الوقت الذي تدافع فيه إيران بقوة عن حق الشعب الفلسطيني واليمني والسوري ومظلوميتهم ، كما أنها برزت إلى السطح بشكل متزامن مع إثارة حزب لمسألة المال الخليجي، وقضية الإرهاب الذي ينمو ويترعرع في البيئة الخليجية لا سيما السعودية ، وضرورة وقفه فوراً…
المضحك والمثير للسخرية أن ساسة إيران يبدون عتبهم على جزء من الاعلام العربي الذي روج لحادثة خلية الكويت بشكل خاطئ ، بما لا يخدم العلاقات بين بلدان المنطقة وإيران، ويستعجل الأحداث، ويبحث بعضهم عن سوابق سلبية تصب في خدش علاقات الصداقة والأخوة مع دول الجوار، و أبدت طهران أسفها أيضاً أن تصدر تصريحات من بعض النواب الكويتين المعروفين بالتأزيم، وبشكل لا يخدم معه هذا التصعيد قضايا المنطقة المصيرية والمصالح المشتركة بين إيران والكويت ، وفي الوقت نفسه وجهت إيران بوقاحة فاضحة تهديداً مبطناّ للحكومة الكويتية “بأنه ينبغي عليها أن تتفهم ما جرى وتداعياتها المستقبلية في حال الإصرار على توجيه الاتهام لها ولحزب الله بالمسئولية عن تجنيد الخلية وتنظيمه وتسليحها ، وأن تتحمل عواقب ما قد يجري” .
لا شك أن حناجر المسؤولون الإيرانيون تصدح دوماً بسمفونية أهمية تمتين العلاقات مع دول الجوار الإقليمي، خصوصاً أهمية وضرورة تطوير العلاقات الطيبة مع الكويت، وأن حدوث هذه الفرقعة الإعلامية والأمنية تستهدف ضرب العلاقة مع دول الجوار الخليجي ، وأنه ليس من المنطقي أن تُعلن إيران مراراً عن إيجاد تعاون مع دول المنطقة ، وأهمية توثيق وتعميق العلاقات بينها، وتلجأ في الوقت نفسه الى مثل هذه الأساليب والسياسات التي تستهدف تلك العلاقات، ونسي صناع القرار في طهران البشارة التي زفها لنا رئيس مجلس الشورى الإيراني السيد علي لاريجاني، وتم نشرها في الاعلام ، قبل شهرين بأنه في حال سقوط نظام الأسد ، فإن الدولة المرشحة للسقوط هي دولة الكويت ، وأنه لا يستطيع في ذلك الوقت التوضيح أكثر ، ونعتقد أن ما جرى في الكويت مُؤخراً يفسر بشكل واضح ، لا لبُس فيه ما قصده لا ريجاني .
نعتقد جازمين بأن على العالم العربي وصناع القرار فيه أن ينظروا لموضوع ما جرى في الكويت ، وما يجري حالياً في العراق ، وسوريه ، واليمن ….بنظرة تتعدى أهمية الوقوف إلى إستشعار ومراقبة إمتداد النيران الإيرانية إلى الثوب العربي تباعاً ، بل التأكيد على ضرورة بناء إستراتيجية عربية موحدة وحاسمة للوقوف ضد الخطر الإيراني ، فالمنطقة العربية لا ُيراد لها أن تعيش بيئة قوية وصحيحة، تستمر معه في التنمية والبناء ؛ بل يُراد لها أن تستمر في حالة عدم الأمن والاستقرار ، وأن تُستنزف مواردها وطاقات أبنائها ، إضافة إلى تنمية ظاهرة العداء والفتنة بين شرائح ومكونات مجتمعاتها ، و تعزيز سيناريو تفكيك خارطته الديموغرافية والجغرافية ، والفاعل الذي يتبني تنفيذ هذه الإستراتيجية بحرارة هما إيران وإسرائيل .
د.نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 633