فوضى ماحقة

د. حامد بن احمد الرفاعي

جاء في المغني لابن قدامة قوله:"إذا جاء العدو صار الجهاد فرض عين فوجب على الجميع فلم يجز لأحد التخلف عنه فإذا ثبت هذا فإنهم لا يخرجون إلا بإذن الأمير لأن أمر الحرب موكول إليه"والآراء بجملتها تتجه بشأن الاستئذان للقتال إلى وجوب استئذان ولي الأمر وكل صاحب ولاية وفق تسلسل منتظم..فالوجوب لأمر الولاية العليا يلغي الوجوب تجاه أمر الولاية الأدنى..وفي حالة أذن أحدهما وامتنع الآخر..؟ففي قتال التطوع وقتال العين يؤخذ برأي الإمام لأن ولاية الوالدين تسقط لصالحه لقوله تعالى:"يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ"ومن المؤسف أن الأمة اليوم تعاني من اضطراب بشأن مفاهيم فقه القتال وضوابطه وآلياته..والمصدر الأساس لاختلال مفاهيم فقه القتال..مقولة غياب الإمامة الشرعية للأمة في تاريخها المعاصر..أومقولة غياب الدولة المسلمة وأن الحكومات القائمة في بلدان المسلمين اليوم ساقطة الشرعية..فالمسلمون لا إمام لهم كما يدعي من يروج لهذه المقولة..وللأسف وجدَ من علماء المسلمين من يُنظِّرُ لهذه الفتنة..ويفتي بعدم وجود دولة الإسلام مدعياً أن هذه الحكومات التي تنعت نفسها بالإسلام أو تدعي الانتساب للأمة الإسلامية..إنما هي كيانات مصطنعة موالية لأعداء الله وأعداء الأمة الذين صنعوها..وعلى أساس من هذه الفرية والفتنة المدمرة وضلالاتها الماحقة..برزت ظاهرة التكفير بين أبناء الأمة متوازية مع ظاهرة الزعامات النكرة..التي تدعي لنفسها حق مزعوم في قيادة الأمة وتسيير شؤونها..وتطلب البيعة والولاء لنهجها وزعامتها..وتتصل بالشباب والشابات تفتنهم وتغري بهم وتضمهم إلى تشكيلاتها السرية المشبوهة..ووجدَ عُتاة المؤامرات العالمية فيهم ضالتهم للعبث في أمن المجتمعات وتقويض استقرارها..وهاهم يزويدنهم بالأسلحة وبكل وسائل التخريب وتأمين وصولها إلى مخابئهم وأوكارهم..وهنا أطرح التساؤلات التالية:إن كانت القيادات والحكومات المسلمة القائمة ساقطة الشرعية ..؟فمن هي القيادة الشرعية إذاً ..؟وهل يصح شرعاً أن ينصِّبَ أحدٌ ما نفسه بديلاً لإمامة يدعي عدم شرعيتها..؟وهل هناك شرعية لقيادته مع غياب إذن الأمة ومبايعتها ..؟وهل يصح شرعاً مبايعة شخص نكرة في أرض نكرة ولغايات نكرة ..؟ وهل يصح شرعاً أن يقاتل مسلمٌ تحت راية قيادة مجهولة لا يُعرف شيء عن حقيقة أمرها إلا ما تقوله عن نفسها ..؟وهل يجوز شرعاً أن تُقادَ الأمة كلها إلى المجهول بزعامة مجهولة ..؟وهل يصح شرعاً أن تسقط ولاية الوالدين لصالح قيادة موهومة مزعومة متمردة على دين الله تعالى..و طاعة الله تباركت أسماؤه..وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين ..؟وبعد..فتدبروا يا أولي الألباب..وتنبهوا يا أولي العلم والدراية..إن الأمر لجد خطير.

وسوم: العدد 633