القابلية للاستعمار .. متى تنتهى؟!

إن ما يسمى بقضية تحرير المرأة أصبح يحتل مساحة كبيرة للغاية من دماغ الذين لا يعلمون عن المرأة شيئاً. فلقد ساهم بعض كتاب القصة في الإعلان عن النماذج الفعالة للمرأة وأدرك المنصف منهم أن للمرأة دوراً مهماً في حياة الأجيال. وعندما تكون المرأة. كما أرادها الله. فهي عندئذ تنفذ منهجه سبحانه وتعالى، وعلى العكس من ذلك فعندما تكون المرأة. كما أرادتها كوليت خوري، وغادة السمان والدكتورة نوال السعداوي فالأمر يختلف تماماً.

والأمر يا سادة، جد محير ومقلق وعواقبه وخيمة. فالأفكار التجزيئية تغزو حياتنا الثقافية بشكل يثير الفزع ولا تزال الأعمال الأدبية غير المسئولة والتي يقدمها البعض في عالمنا محيرة للعقل وغريبة عن ما يعتقده كبار كتابنا في داخلهم من إحساسات يعتبرونها في حقيقة الأمر منهجهم في الحياة، وهنا يجب علينا أن نبحث جيداً عن إجابة لهذا السؤال: هل تخدم القصة العربية العقل العربي؟ ... نحن لا نلقي بالاتهامات هكذا، ولا نستعدي أشخاصاً بالذات ولكننا نسأل في لين ورفق وسوف تكون إجابتنا من واقع رؤيتنا لمشاكل مجتمعنا الصابر المثابر.

وقد يسألني سائل: لماذا هذا السؤال أرد لأن المرأة هي الأم والزوجة والابنة وهي أيضاً الجدة والخالة  والعمة، إنها المرأة التي اعتقد أن كتابنا. لم ينتبهوا بعد إلى مكانتها العالية والرفيعة في تكوين المجتمع الإنساني الراقي والمتحضر فعلاً وليس على طريق "لويس عوض" وحامل حقيبته المشهور، أن النماذج التي قدمتها القصة "العربية" المعاصرة نماذج قلقة. في الأغلب الأعم أو قل أن شئت نماذج تحاكي الأنموذج الغربي في "رقاعته" على اعتبار أن "الرقاعة" أسلوب متميز في الغرب وعند تلاميذه في الشرق الضائع، ونحن لن نسبق الأحداث ولن نضع للقارئ صورة مشوشة أو قلقة قبل أن يستبين هو ذلك بنفسه.

إن القضية كانت أكبر من مجرد رواية أو قصة تحمل طابعنا شكلاً ومضموناً والكلام على جملته ينسحب على كل ألوان الأدب والفن وليس بمستغرب على المتنطعين من هواة بقايا الموائد أن يرفضوا تحكيم المنهج في كل مناحي الحياة.

نعود للسؤال: هل تخدم القصة العربية العقل العربي بحق؟ وحتى لا نتهم بعدم الموضوعية من دعاة الموضوعية فالفن القصصي الغربي على الجملة صور الآخرة على أنها دار تباع في الدنيا عن طريق الكهنة والسدنة وحملة المباخر فأخذ الناس يهربون من واقعهم المؤلم عن طريق ما يسمونه قديماً "بخيال الظل" حياة دون الواقع. مع أن القصة كما قدمها المنهج القرآني تؤكد أن في القص القرآني من صميم منهجنا.

ولما كان الذهول لا يزال مستمراً والتحقيق أيضاً، الذهول مما نسمع ونرى والتحقيق فيما نسمع ونرى، فلا يسعنا هنا إلا أن تقول للسادة أصحاب المذاهب الموضوعية رفقاً بنا، فكل الهول أن تقع فريسة لتنطلع وكل الهول أيضاً أن يستغلق عليك الفهم فلا ترى ولا تسمع إلا ما فرض عليك أن تراه حسناً .. وقد يذهب الخيال بالبعض إلى اعتبار استحسان الرجل الغربي لمسألة ما أو استهجانة هو بحق الرأي الأخير وربما يكون الرأي الصواب الذي لا يرده رأي آخر أو يجرؤ على تفنيده فكر آخر وكأنه تنزيل من التنزيل.

لقد ذهب بنا الخيال المريض إلى أن نحيا على الوهم فجاءت أكثر تصوراتنا مريضة وشاذة ومستغربة حين يحاول البعض من الذين يحترمون أقلامهم فحص معرفتهم نحن فعلاً في حاجة إلى فحص معرفتنا شكلاً وموضوعاً لسنا نبالغ أيها السادة فواقع حياتنا الآن واقع محزن ومخجل للغاية ليس فقط لأننا نتسامح إلى الحد الذي يرهقنا على جميع المستويات، ولكن مشكلتنا تكمن في أننا قوم نقبل الاستغفال ونرضى بأن نكون في الصف الثاني دائماً ونحب بشدة فلسفة المستشرق وطرح أنصاف الكتاب لمشاكل حياتنا خاصة فيما اصطلح على تسميته "بالتراث" أشهر لفظه في كتب رجال الاستشراق وخير مطية لهم.

لقد استغرقتني همومنا اليومية، والآن أرجع موضوعنا الرئيسي: هل تخدم القصة "العربية" العقل بحق؟

ومن المضحك المبكي في أيامنا النحسات أن يرجع كبار كتابنا إلى "الموسوعة البريطانية" للتعرف على ما يطلبونه دونما أعمال للعقل أو غير ذلك من قواعد البحث العلمي، وعلى سبيل المثال تعريفها للإسلام على أنه دين محمد كتبه أصحابه!

ويرد الدكتور فضل حسن عباس على الشبهة قائلاً:

" .. فإنه من المعلوم بداهة أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كان له كتاب عرفوا بكتاب الوحي فكانوا يكتبون بأمر النبي صلى الله عليه وسلم والنبي يبين لهم الموضع الذي يضعون فيه هذه الآيات".

وعلى هذا فليس هناك آية من القرآن الكريم لم تكن مكتوبة في زمنه عليه أفضل الصلاة والسلام، هذا باب يتسع القول فيه والإدعاء، بأن مادة قرآن مشتقة من قرأ وهي سريانية في أصلها، قيل مثلاً أن كلمة "أتعلم: مأخوذة من "كلموس" اليونانية ولكننا نستطيع أن نرد الكلمة إلى القلم أو التقليم من القلامة في اللغة العربية فنرى أنها أصيلة، فمادة القاف والميم وما يتوسطهما مطردة في الدلالة على الشق والقطع، ومنها قحم وقوم وقسم وقضم وعضم وقلم وهي أحيزها في ترتيب الأبجدية "وغيره".

وتذكرنا طريقة العرض بدائرة المعارف س"الانسكلوبيديا" بكتابات الدكتور لويس عوض تلميذ "كريستوفر سكويب"؟!

ونعود للفن الروائي الذي قدمه بعض كتاب الرواية إلى الأمة الصابرة، فقدموا نماذج غريبة من البشر، وتطل كل الهموم من معظم الروايات .. لا تكاد تخلو رواية حديثة من الثلاثي الرائع الزوج والزوجة والعشيق. ونرى حالياً ما تفتق عنه ذهن كتاب الروايات من معالجة للشذوذ الجنسي بمختلف أنواعه وطرقه وكل ما يثير غرائز الفرد.

نحن نعتقد ـ مع غيرنا ـ أنه يكفي أن تخلع أي أمرأة ، حتى لو كانت قبيحة أن تخلع ثيابها لكي تلفت أنظار المارة.

أن يحرص بعض الكتاب في عالمنا المنكوب على صنع شخصية الإنسان "الشهوة والشهية" فقط، فهذا والله ما لا يرضاه ربنا عز وجل، فقط نحيا لنمارس شهواتنا "البطن والفرج" وتطرح الكتب في الأسواق وتدخل المجلات المخزية إلى بيوتنا ويطلع عليها الفتى والفتاة خاصة المراهق الذي لا يستطيع أنه يحبس انفعالاته، وترتكب الجرائم اللعينة في جو مشحون بالانفعالات الحبيسة جو مشحون بالعجز والتخلف.

يقول كاتب مقال "الجانب الآخر للحملة الفرنسية" الأهرام في 3/4/1998 "إن الحملة الفرنسية وما حملته من أفكار جديدة كسرت الدائرة الخبيثة التي فرضت على مصر من قبل الحكم العثماني والإدارة المملوكية".

"إن الحملة الفرنسية أثرت مباشرة فى تعميق الوعي القومي، فالناظر إلى هذه الفترة التاريخية يجد أن القومية المصرية قد ولدت في إطار من القومية الإسلامية". وأطرف ما يعرضه صاحب المقال هو قوله عن الجدل القائم حينذاك في مصر عن الاحتفال بمرور مائتي عام على قدوم الحملة الفرنسية: قال لا فض فوه: وكما هو متوقع فهناك فريقان أحدهما يدافع عن مثل هذا الاحتفال ، بينما الآخر لا يجد مبرراً لذلك استناداً منه في الأساس إلى أن الحملة الفرنسية لا تخلو من كونها محاولة لاحتلال مصر عسكرياً أسفرت عن اندلاع الثورات وقتال المصريين، انتهاك قدسية الأزهر الشريف وغيرها من الأمور التي غالباًما إذا سمعناها نبدأ الميل بعاطفتنا إلى هذا الاتجاه.

والحقيقة أن كاتب المقال فاته الكثير في زحمة أشواقه فلم نتعرف على ملامح الدائرة الخبيثة ولم يحك لنا عن محاولة احتلال مصر، ولا عن انتهاك قدسية الأزهردع عنك القتل وغيره واعتبر سيادته أن مثل هذه الأفعال. إلى جانب المكاسب التي حققتها الحملة، أفعال لا وزن لها ولا قيمة في عالم الاستنارة سبحان مقلب القلوب والأبصار. 

ولتوسيع زاوية الرؤية أعرض لفرق شاسع بين العلم الصحيح والعلم الأسطوري .. ثم انتقل بعد ذلك إلى مصادر الإبداع ومنظومة القيم العليا وانتهى بالحديث عن الواقعية وذلك في حدود التعريف بكل منها.

أولاً: أسس معرفتنا بالله:

لا فعل إلا بفاعل

الفعل مرآة لقدرة فاعلة وبعض صفاته.

ليس الفاعل من لا يملك القدرة على الفعل.

الإنسان مخلوق مكرم بنفخة من روح الله والبشر جميعاً ينتسبون إلى آدم عليه السلام.

البداية الحقيقية لتاريخ الدين قبل آدم عليه السلام بأماد لا يعلمها إلا الله تعالى.

الإسلام هو ملة الأنبياء جميعاً وإن تنوعت شرائعهم.

اليهودية والنصرانية نفاهما رب العزة عن إبراهيم عليه السلام.

تاريخ الأمة المسلمة يرجع إلى زمن خلق آدم مسلماً موحداً.

ومن هنا نجد أن الخلاف بيننا وبين الغير خلاف تضاد لا خلاف تنوع فأساس المعرفة بالله عند أهل التوحيد مختلف تماماً من تلكم الأسس التي يقدمها.

أو ذلكم البعض المفتون بالعلم الأسطوري.

الذي أدعى لنفسه القدرة على معرفة حقائق الأشياء وماهيتها .. وهي من الأمور المغيبة .. العلم الأسطوري مؤسس علم المنطق اليوناني الذي قيل فيه: "لا يحتاج إليه الذكي ولا ينتفع به البليد"!

وأشار الدكتور سامي النشار إلى فساد منطق الإغريق قائلاً: "إن المنطق اليوناني كان كارثة على الفكر البشري وكل العصور وذلك بكل ما تعنيه كلمة كارثة من معنى .. فقد أفسد هذا المنطق علم الأغريق أنفسهم ثم أفسد بعد ذلك علوم المسلمين حين تغلغل فيها وما تلاحظ منذ ظهور التعقيد والجري وراء الرقائق الجدلية في مجال علم الكلام بل وفي غيره من العلوم إنما كان نتيجة لهذا المنطق.

وقد كانت العلوم الإسلامية بخير طالما كانت قائمة على المنطق المستمد كتاب الله وطالما كان علماء المسلمين واعين بخطورة المنطق الإغريقي على العلم بسبب عقمه وانفصاله عن الواقع فلما أخذوا بهذا المنطق أفسد عليهم كل شئ، ثم جاء الغزالي فأخذ به ثم غير فكرته بعد ذلك ولكن بعد أن أحدث دفاعه عن هذا المنطلق أثره السيء على عقول المسلمين.

العلم الأسطوري ترتب عليه نتائج خطيرة مثل التجاهل والتجهيل بالبداية الحقيقية لتاريخ الدين، بالبداية الحقيقية لتاريخ الأمة، ظهور ما يسمى بمنهج مقارنة "الأديان" تشويه صورة الخالق سبحانه وتعالى ، تشويه سير الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم وسلامه وتصويرهم أنهم دعاة إصلاح وتربية.

استبعاد القرآن الكريم والسنة المطهرة كمصادر للمعرفة ... إلخ.

أما العلم الصحيح فله مصادره التي يغني غيرها عنها. أن غاية العلم الإيمان بواهب العلم، ومنتهى الرسوخ في العلم الاعتراف بعجز العقل وقصور العالم أمام علم الله عز وجل " وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى " النجم 42.

يقول الشيخ السيد سابق إن القرآن هو كتاب الإسلام الأول ودستوره الذي كشف حقائق الدين، ورسم منهاج الحياة للفرد وللأسرة والجماعة والدولة، وهو الذي نهض بالأمة ولا يزال قادراً على إمدادها بالحياة القوية وهو وحده الذي يستطيع أن يهبها الروح الجديدة والدم الجديد، والسنة، وأعنى بها: أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم ـ وأفعاله وتقريراته هي المصدر الثاني في بيان عقائد الإسلام وعباداته وشرائعه ومناهجه. وفي موضع آخر "الحديث عن التوحيد" يقول: "يجب علينا في دراسته أن نقتصر فيه على ما جاء في الكتاب والسنة مع بيان أثره في النفس والحياة، ولا ينبغي أن تقتصر الدراسة على مجرد حشو الأذهان، كما يجري على العمل منذ تحول التوحيد إلى قضايا منطقية، ومسائل فلسفية، مناقشات كلامية جدلية. وإنما يجب أن تكون دراسة التوحيد دراسة مكونة للعقائد، مربية للملكات ..لقد جنى المسلمون على أنفسهم جنايات خطيرة بانحرافهم عن هذا المنهج الدراسي الذي التزمه الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ وربى به أصحابه فجعل منهم بعد الشرك والوثنية ـ قادة في الإصلاح وأئمة للخير وأقوياء بالحق.

هو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الكبرى، نزل به الروح الأمين على النبي صلى الله عليه وسلم بلفظه ومتنه في ثلاثة وعشرين عاماً منجماً، نزل عليه الآية أو الآيات لما يناسبها ليكون الناس على بينة من حكم الشريعة فيها.

والقرآن الكريم حاكم غير محكوم تخضع العلوم كلها له لأن العلوم ظنية والقرآن الكريم هو حق اليقين وتفسير القرآن الكريم عمل عقلي بشري، غير معصوم من أن يدخل عليه غير الحق، وغير ما أراد الله تعالى بما أصبح يعرف "بالإسرائيليات" وهي أمور غير مقبولة عقلاً ولا تتفق مع النقل الصحيح وأكثرها من دس أعداء الإسلام لإفساد العقيدة.

السنة النبوية المطهرة:

السنة النبوية الصحيحة هي الدليل الشرعي الثاني، بعد القرآن الكريم والسنة في الاصطلاح الشرعي هي ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير والسنة النبوية موصى بمعناها دون لفظها من الله تعالى وتنسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى. لذا فإن منكر السنة النبوية إجمالاً يخرج من الملة .. ويقول الشافعي رضى الله عنه: "وما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ليس لله فيه حكم. فبحكم الله سنة، وكذلك أخبرنا الله في قوله: " وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله".

ولا أرى بأساً في تسجيل ما يدل على حجية السنة:

العصمة، تقرير الله، تمسك الصحابة بالسنة في عصره صلى الله عليه وسلم.

تعذر العمل بالقرآن وحده، السنة نوعان: وحى وما هو بمنزلة الوحي.

وأن حجية السنة ضرورية دينية وإذا تتبعنا آثار السلف وأخبار الخلف من ابتداء عهد الخلفاء الراشدين إلى هذا العهد فلم نجد إماما من الأئمة المجتهدين في قلبه ذرة من الإيمان وشئ من النصيحة والإخلاص، ينكر التمسك بالسنة والاحتجاج بها والعمل بمقتضاها.

مما لا شك فيه أن "الإيمان الفلسفي" قاد الفكر الغربي إلى مأزق يصعب الخروج منه.

أزمة ثقافية متراكمة سببها الرئيسي أو أوروبا لم تعرف الدين الصحيح.ولكن أمتنا العريضة النسب عرفت الدين الصحيح .. فما هي إذن أسباب تخلف الأمة.

يمكن إجمال هذه الأسباب في السببين الآتيين:

السبب الأول: انفصال الأمة عن الشريعة القرآنية مما أدى إلى طمس معالم منظومة القيم.

السبب الثاني: غياب الفكر الاستراتيجي الشامل الذي يعتمد على الشريعة القرآنية.

إن القضية كل لا يتجزأ، نظام عبادي .. نظام أسرى، نظام اجتماعي، نظام مدني نظام جنائي، نظام إداري، نظام سياسي، نظام اقتصادي لا يمكن فصل نظام عن آخر، أو التعامل مع نظام دون غيره عن الأنظمة، فكل نظام داخل الإطار المذكور لا يعمل بمفرده، فالثقافة كجزئية تعمل داخل النظام الاجتماعي، وأيضاً داخل النظام الأسري وكذا النظام السياسي لأنها تتعامل مع عقل الفرد .. إلخ ليست القضية في إنعدام وسائل النمو، ولكن في إنعدام الميل إلى استخدامها .. المشكلة في داخلنا نحن أو هكذا أتصور.

من عجائب الأمور أن نقف لنقلد الغير ونقول أنه ليس في الإمكان .. وما أصاب الأمة من جراء التقليد غني عن التعريف به وللشيخ محمد أبو زهرة لطيفه يقول رحمه الله وأصبح الفقيه من يعرف ما استنبطه غيره لا من يستنبط الأحكام من مصادرها!! وغريب أيضاً أن يكون التقليد فيما لا يجب التقليد فيه.

مصادر العلم:

1- عالم الشهادة "معلوماتنا التي نكتسبها كل يوم".

2- عالم الغيب "والغيب هو ما غاب عن الناس مثل علم حقائق الأشياء ولم ما كان وكيف كان .. إلخ". 

أ‌.       غيب حقيقي لا يعلمه إلا الله.

ب‌. غيب إضافي يعلمه بعض الخلق دون بعض لأسباب تختلف باخلاتف الاستعداد الفطري والعمل الكسبي.

عالم الشهادة يخضع للملاحظة والتجربة وعالم الغيب لا يخضع للملاحظة والتجربة. فقد اختص الله تعالى بع وعلمنا به يأتي عن طريق الخير الذي يبلغه الله سبحانه عن طريق أنبيائه، وهذا العلم من قضايا الإيمان .. فإذا ثبت لنا صحة النبوة سلمنا بما جاء عن طريقها من علم الغيب، وعلى المؤرخ الجاد أن يعتبر أثر المغيبات في حركة التاريخ ولا يكتفي بالعوامل التي تخضع للتجربة أو الملاحظة لأن هذا الغيب قد ثبت لنا أثره وجائنا العلم به بالخير الصادق، ولا يجب أن ينخدع الإنسان بإطراد الظواهر، وبثبات النظام ويرتب على ذلك القول بالحتمية .. لأن هذا الإطراد لا ضمان له إلا لله وحده.

ثانياً: مصادر الإبداع

يقول الأستاذ نجيب البهبيتي:

"كل أمة تعتمد على استيفاء مآثرها وتحصين مناقبها على ضرب من الضروب وشكل من الأشكال وكانت العرب تحتال في تخليدها بأن تعتمد فى ذلك على الشعر الموزون والكلام المقفى".

لذا لم يعتد الشعر العربي بما وقع إليه من الفنون الأدبية التي توصف بالكبرى في الآداب الغربية وإنما ألقاها جانباً فيما ألقي مما وقع إليه من تراث الأغريق ولم يجده ملائماً لشخصيته أو جارياً مع طبعه.

المصدر الأسطوري : "يتسع للتأويل الخصب"

-       شخصية هيباتيا "القرن الرابع الميلادي في مدينة الإسكندرية"

-       "شخصية كليوباترا"      

-       "شخصية أوديبوس اليونانية"

-       قصة بوميثيوس "الأسطورة اليونانية"

-       شخصيات "الكتاب المقدس لدى الكنائس"

-       شخصية جحا

-       شخصية شهر زاد

-       قصة علاء الدين والمصباح السحري. 

-       شخصية فاوست أسطورة شعبية ألمانية.

-       شخصية رستم أسطورة فارسية.

-       شخصية ليلي والمجنون ... إلخ.

المصدر الديني "لا يتسع للتأويل" :

-       شخصية محمد صلى الله عليه وسلم.

-       شخصية يوسف عليه السلام.

-       قصة أهل الكهف.

-       قصة إبراهيم عليه السلام.

-       قصة أصحاب الإخدود.

-       قصة لقمان الحكيم.

-       قصة الثلاثة الذين خلفوا.

-       قصة إيمان الجن.

-       قصة العزيز.

-       قصة ولادة موسى عليه السلام في عهد فرعون وتربيته في بيته.

-       قصة خروج بنى إسرائيل من مصر، وغرق فرعون جنوده في البحر.

-       قصة أصحاب السبت.

-       قصة إبليس.

والذي يهمنا هو المصدر الديني كمصدر إبداعي يعتمد على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة ومن أهم صفات الأدب المستمد إليهما:

1- ليس حديثاً يفترى.

2- دعوة للتأمل في مصاير الأقوام البائدة.

3- أداة عملية ناجعة لتربية النفس وتقويم السلوك.

وعليه فيتحقق الهدف المنشود من أن وظيفة "الأدب هي أن يرقى بالجماعة لا أن يهبط بها.

والقول منسوب للدكتور طه حسين.

والآن بوسعنا أن نقول للدكتور محمد حسن عبد الله لأننا نملك مبادئ عامة فنحن نملك نظرية نقدية إسلامية.

وما المذهب الأدبي إلا مجموعة من مبادئ وأسس فنية يدعو إليها النقاد ويلتزم بها الكتاب في إنتاجهم.

العمل:

وللإنسان أن يمارس أي نشاط وأن يعمل في أي مجال وأن يتصرف أي تصرف وأن يضرب في الأرض ويمشي في مناكبها ما دام ذلك كله في دائرة ما أحل الله ويقول رب العزة: " قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ .." سورة العنكبوت آية 20.

الشورى:

الحكم في الإسلام قائم على الشورى يقول رب العزة سبحانه " وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ " سورة الشورى آية 38.

شورى مدينة سياسية وليست شورى دينية، إن أكمل سلطة هي ما استندت إلى إرادة أمة ممثلة في أهل العقد والحل وأهل الرأي، شورى فيما يعرض من قضايا لم ينزل بها وحي .

الوحدة وجريمة التفرق:

       إن الفرقة هي القاضية على الدين والدنيا معاً.

       يقول رب العزة سبحانه: " وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ "

سورة الأنفال آية 46.

وذهاب الريح هو ذهاب القوة وقد أعلن الإسلام براءته من المفرقين يقول رب العزة سبحانه: " إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ "

                                                سورة الأنعام آية 159

نعم ذلكم هو الإطار العام للنشاط الإنساني وهو تشريع من التشريع يفى بحاجات الأمة من حيث النظام العبادي، النظام الفردي، النظام الخلقي، النظام الاجتماعي، والنظام الاقتصادي، النظام الجهادي، النظام السياسي.

ومن الغريب ونحن نقول إن العقيدة منهاج حياة .. أن نترك الأدب خارج نطاق العقيدة .. تحت دعوة أن للأدب مجاله الذي يختلف فيه في مجال العقيدة .. كلام فارغ لا يفرزه إلا سكران أو عاطل عقله .. الأدب من الأصل متعة ولكنه لابد أن يحمل رسالة إذا كان الأديب مخلصاً وصادقاً وليست كل رسالة مفيدة للمجتمع .. هل تستطيع أن تعد الخيام ذا رسالة في نظرته للحياة ودعوته إلى عيش اللحظة الآنية فقد كان صادقاً مع نفسه في هذا ومبشراً له لمن يستمعون إليه؟

ولكنى أشك في أن رسالته هذه كانت مفيدة للمجتمع وكذلك الأدباء القلقون أو المعنيون بالعبث أو بالفوضى. أنهم يبشرون بمذاهب كأنهم يؤدون بذلك رسالة ولكنها رسالة تدعو إلى تحطيم المجتمع وتهديم قيمه لكي يكون الأدب جديراً بهذا الاسم لابد أن يكون ممتعا. أما قيمته التبشيرية فتتعلق بفحوى الرسالة التي تمثلها مبدع ذلك الأدب.

والذين يصورون الزنا المحرم على أنه واقعية، هم في حقيقة الأمر منحرفون عن التصوير الواقعي لأن الزنا واقعية منحرفة، فلماذا لا يصورونه هكذا. واقعية منحرفة ولكنه الخلط والشطط والفهم الانشطاري والمعرفة التجزيئية، وكذلك الذين يصورون الربا، اللواط والسحاق، وكل أنواع الفعل الحرام هم في حقيقة أمرهم لا يعرفون الأدب الواقعي المنحرف فيمجدون لحظة الانحراف ويجعلون منها الخط الرئيسي والمحوري للقضية فهم في غفلتهم يعمهون.

والحقيقة أن الواقعية تختلف عن الواقعية المنحرفة فرق كبير بين المفهومين يتضح من استعراض النصين الآتيين:

"أبداً لم أكن أستطيع حتى ولو تبينت مثل أوديب أنها أمى فشفعى بها كان قد خرج عن إرادتي". من رواية البيضاء للأستاذ يوسف إدريس.

الكاتب هنا يحل ما حرمه الله إنها واقعية منحرفة.

"وصفت الكائنات فصارت أزواجاً وعزف الليل على كمانه المسحور إلخ". من رواية شجرة اللبلاب بعد الحليم عبد الله

الكاتب هنا يعرض لمشكلة جنسية، أنها واقعية وكان يمكنه أن يمجد هذه اللحظة ويسلط عليها الضوء بل ويصورها في صفحات طوال .. ولكنه ذكرها دون أن يمجدها .. ولا يسلط عليها الضوء .. لأنها ليست إلا لحظة إنحراف ولأنه كاتب واقعي ذكرها ولأنه كاتب ملتزم عف عن ذكر المستهجن.

فرق كبير بين الواقعية والواقعية المنحرفة .. فهل الواقعية المنحرفة هي الخروج على الإطار السابق الإشارة إليه هل هي خروج على منظومة القيم العليا .. وهل النص الثاني لا يخرج على منظومة القيم العليا رغم أنه يذكر مشكلة جنسية؟ واجب أن أذكر أن الوصايا الأخلاقية "منظومة القيم التحسينية أو منظومة القيم التكميلية"، فكلاهما يمس في التناول الأدبي بطريقة غير مباشرة وإلا نكون قد حولنا عالمنا الأدبي إلى وصية أخلاقية تخلو من العبرة والعظة والجمال الفنى معاً. 

وسوم: 634