طهران تحذر حماس من تبعات التقارب مع السعوديه

لا زالت زيارة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس السيد خالد مشعل إلى الرياض تلقي بتداعياتها على بعض وسائل الاعلام الإيرانية لغاية الآن ، وكان أخرها سؤالان  رئيسيان  عنونت  به صحيفة قدس الإيرانية المحسوبة على الحرس الثوري الإيراني إفتتاحيتها  ، وهما :

 كيف ستتمكن حماس من الموازنة في علاقاتها بين  طهران و الرياض؟ وما هو هدف حماس من التقارب  مع السعوديه في الظرف الحالي ؟.

هدفت  زيارة خالد مشعل  الأخيرة الى الرياض إلى إعادة إحياء العلاقات مع  وصول القيادة الجديدة  والتغيرات المهمة التي أجراها خادم الحرمين الشريفين في المؤسسات السيادية في المملكة العربية السعودية ، ولكسر حالة من القطيعة بين الجانبين التي استمرت عدة سنوات،وإعادة لترتيب الأوراق فى المنطقة العربية من جديد ،  إلى جانب ذلك فقد هدفت الزيارة إلى  تشكيل تحالف مضاد لإيران وانتزاع حلفائها لصالح السعودية والمحور السني  الذي تشكل بتحالفات ومحاور جديدة .

لا شك بأن هذه الزيارة جاءت بشكل مفاجيء ، وفي ظل  تحولات الإقليمية متسارعة ، فحركة “حماس″ ايضاً تبدلت سياساتها وتحالفاتها الإقليمية ، وبات المسؤولون من كلا الطرفين  يتحدثون عن  ضرورة انتهاج سلوك سياسي مختلف عما سبق ، خاصة مع النظامين السوري والإيراني ، في الوقت التي  تسعى قيادة حماس إلى سياسة متأنية لدرس كافة الخيارات لكسر الحصار المفروض على قطاع غزة، والتوصل الى هدنة طويلة قد تصل الى عشر سنوات يتم خلالها البدء في عملية اعادة الاعمار، وفتح ميناء بحري يُقلص اعتماد شعب قطاع غزه  على معبر رفح ، بمعنى آخر باتت “حماس″ تريد إقتناص التطورات التي تمت في السعودية  للتقارب مع المحور الذي تتزعمه الرياض ، وتقليص العلاقات مع طهران ، حيث ترى قيادة حماس تبدلاً كبيراً يهدد الأمن الإقليمي برمته ، بفعل التدخل الصراعي الإيراني غير المسبوق  ، في الوقت الذي تسعى فيه  دولة الملالي إلى إستغلال نتائج الاتفاق النووي مع الغرب ، لجهة توسيع مجالها الحيوي المذهبي على حساب العالم العربي السني ، من خلال إستغلالها بشكل سلبي لمداخل الأزمات الإقليمية، لتعزيز هذا النفوذ  ، وهو ما أدركته قيادة حماس بوضوح .  

ويجب التذكير هنا  أن  السيد  خالد مشعل قد سافر  الى الرياض من العاصمة القطرية الدوحة، مما يعني أن  أمير قطرقد لعب دوراً في تقريب وجهات النظر بين الطرفين ، وهو ما يحسب للدوحة  التي أدركت أهمية التقارب بين السعوديه وحماس.  

زيارة رئيس المكتب السياسي لحماس ، والوفد المرافق له، الى الرياض، واستقباله من جانب العاهل السعودي نفسه ،و بحضور نجله الامير محمد بن سلمان ولي لي العهد وزير الدفاع، أثار حفيظة  طهران ، خصوصاً أن جميع لقاءات رئيس مكتب حماس  التي تمت سابقاً اقتصرت إما على وزيرالخارجية ، أو  رؤساء  الأجهزة الأمنية السعودية .

هذه الزيارة ما زالت تتفاعل أصدائها في إيران التي بدأت في طرح عدد من النتائج  لتبعات التقارب بين الرياض وحماس، وكيف ستتعامل دولة الملالي معها ؟ إضافة إلى وضع تصور لأهداف السعودية من التقارب مع حماس .

نتائج زيارة مشعل إلى الرياض : رؤية إيرانية

النتيجة الأولى  

إن رهان  طهران الجازم  أن  التقارب بين المملكة العربية السعودية و حماس لن يعدوا عن كونه يندرج ضمن الإطار السياسي ، إذ  لن يتعدى إلى مرحلة تقديم السلاح والعتاد لمقارعة إسرائيل ومواجهة صلفها  ، من هنا سيقتصر -ضمن هذه الرؤية  -على  تقديم المساعدات المالية المشروطة بقضايا عديدة ، مثل: إعادة الاعمار ، وتشييد البنى التحتية  ؛ وترى طهران أن اقتصار دور حماس على ذلك سُيسهم في إضعافها عسكرياً ، ويخل بصورتها كحركة مقاومة ، الأمر الذي سيُمهد لصعود حركات إسلامية فلسطينية ، كحركة الجهاد الإسلامي ، وينقلها إلى موقع الصدارة ، ويكسبها مزيداً من الشرعية على حساب حركة حماس التي انصاعت للأوامر السعوديه .

النتيجة الثانية

طرحت إيران العديد من التساؤلات حول نتائج زيارة مشعل للرياض : كيف ستعبر الأموال والمساعدات العينية السعودية والخليجية ، في حال تقديمه الى قطاع غزة، وهل ستسمح مصر بذلك ؟ وماذا سيحدث اذا ما انتقلت العلاقات السعودية المصرية من  مرحلة الفتور في العلاقات إلى  التوتر، وهناك مؤشرات عديدة – حسب الرؤية الإيرانية –  يجب على إيران إقتناصها لجهة لتقارب مع مصر ، من أبرزها : الموقف المصري المتزن من الأزمة السورية  ، والخطوة المصرية الاستباقية  للترحيب بالاتفاق النووي بين إيران والغرب ، إضافة إلى سياسة مصر الإيجابية من الأزمة اليمنية  والمعارض بقوة لسياسة المملكة العربية السعودية .

النتيجة الثالثة :

إن حركة “حماس″ قد نكثت عهودها مع ايران والنظام السوري التي إحتضنتها ، وقدمت لها المال والسلاح والدعم ، ثم إختارت بارادتها  الانضمام الى “محور ما يعرف بالاعتدال ”، وقطعت علاقاتها  مع محور الممانعة ، في الوقت  الذي تخلى عنها محور الاعتدال  وحكوماته عن حماس والشعب الفلسطيني المظلوم في السابق.

النتيجة الملفته أن طهران تراهن بقوة على وجود حراك سياسي ، و انقسامات كبيرة داخل حركة حماس بين الجناح العسكري ممثلاً بكتائب القسام الداعي للتقارب مع إيران بقوة  باعتبارها الداعم الحقيقي لحماس وفصائل المقاومة ، و مصدر التسليح الأول لهم ،  وبين الجناح السياسي ، ويُمثله خالد مشعل وتياره ، وهو المؤيد للتقارب مع السعودية ، مما  يستوجب من طهران إستغلال نقطة الخلاف بين الجناحين السياسي والعسكري بعناية خدمة للقضية الفلسطينية  .

النتيجة الرابعة :

ترى طهران  أن  اعلان مشعل بعد عودته من السعودية ان حركته لن تتورط في مشاكل المنطقة، في اشارة إلى نفيه للشائعات بشأن مشاركة عناصر حماس في العدوان على اليمن، وأن حماس دخلت مرغمة الى المعادلات الاقليمية – و قد يأتي تحرك حماس صوب السعودية في اطار الضغط على باقي الاطراف الاقليمية لمضاعفة مساعداتها ودعمها للحركة – الا ان التجارب تؤكد أن حماس لن تنجح في هذه اللعبة، اذ سبق وأن جربت لعبة انفصالها عن دمشق والتوجه صوب الدوحة، لكن ذلك  لم يجلب لها سوى المزيد من الضغوط ، الأمر الذي أدى إلى ابتعاد باقي الأطراف الإقليمية عنها،  لأنها  تعلم  تماماً بأن التعويل على الرجعية العربية لن يفيدها شيئاً ، ولن تجني منه سوى الضغوط لاتخاذ القرارات المؤلمة.

النتيجة التي تخلص لها طهران : أن ما يسوقه خالد مشعل  لإيران التي تقود محور الممانعة  من مبررات حول  التقارب مع السعوديه  غير مقنعة ، وغير دقيقه على الاطلاق ، ولن يستطيع تمريرها  لا على طهران ولا على الجناح العسكري الذي يُدرك ثمن  وتبعات ذلك .  

أهداف السعودية  من التقارب مع حماس : رؤية إيرانية

ترى إيران أن أهم الأسباب  التي دفعت السعودية  للتقارب مع حماس ، يأتي نتيجة الصدمة التي شعرت به بعض دول المنطقة ، بسبب  التوصل للاتفاق النووي  بين إيران والغرب  ، حيث تحركت دول المنطقة وفي مقدمتها السعودية ، لتعزيز مكانتها الإقليمية، لعلمها بالظروف التي ستفرضها فترة ما بعد  التحولات  والتطورات المتسارعة  ، نتيجة التوافق الإيراني مع الغرب ، ما يُوحي أن تحركات السعودية لاستقطاب حماس هي في الحقيقة فخ لإيقاع هذه الحركة  فيه ، بحيث تضغط عليها مستقبلاً  لتقديم تنازلات مؤلمة، لم تكن حماس لتجرؤ على إتخاذها سابقاً ، و من ضمنها : توقيع هدنة طويلة مع إسرائيل ، والتعهد بوقف العمل المسلح ضد الاحتلال ، والتفرغ للاعمار وإعادة البناء .. ومن خلال هذه السياسة  ستُحاول السعوديه إعادة الاعتبار لها  أمام واشنطن ، وإظهار نفسها  مؤهلة لممارسة أية أدوار إقليمية جديدة قد تُطلب منها ، والغرض هو مناكفة إيران والمحور الذي تُمثله  .

د. نبيل العتوم                                           

رئيس وحدة الدراسات الإيرانية                  

مركز أميه للبحوث والدراسات الاستراتيجية

وسوم: 634