مقابلة مع أمين عام منظمة التعاون الإسلامي
في لقاء أجرته قناة الجزيرة، في 21-9-2015، مع الدكتور اياد مدني، أمين عام منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة إسلامية، غرق في التطبيع مع الكيان الصهيوني في اثناء إجابته عن سؤال حول موقف المنظمة من دعم القدس.
فتحت حجّة شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى بعد مسجدَيْ مكة والمدينة، ثم تحت حجّة دعم سكان القدس، وأخيراً دعم صمود المقدسيين تحت الاحتلال، راح يدعو إلى شدّ رحال المسلمين من خارج فلسطين إلى المسجد الأقصى، مُركزاً على أهمية ذلك في الدعم الاقتصادي السياحي لأهالي القدس.
لم يلحظ، متعمداً بالتأكيد، أن وصول المسلمين من خارج فلسطين إلى القدس له طريق واحد هو المرور من خلال السفارات "الإسرائيلية" للحصول على التأشيرة لدخول فلسطين في الطريق إلى القدس. لأن فلسطين محتلة من الكيان الصهيوني الذي يسيطر على الحدود والمداخل، فضلاً عن سيطرته المحكمة على الدخول إلى القدس.
لم يلحظ اياد المدني أنه يتكلم باسم منظمة التعاون الإسلامي بوصفه أمينها العام، ومن ثم لا يحق له أن يجيز، أو يشجع على، ذهاب من يشدّون الرحال إلى المسجد الأقصى التوجه إلى سفارات العدو الذي اغتصب فلسطين وراح ينتهك حرمات المسجد الأقصى. وهو الآن في صدد فرض التقسيم الزماني للصلاة في المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود تمهيداً للاقتسام المكاني، بل تمهيد لهدم المسجد الأقصى ومسجد الصخرة المشرّفة لإقامة الهيكل المزعوم في المكان.
لم يلحظ اياد المدني أن الأغلبية الساحقة من أعضاء منظمة التعاون الإسلامي لم تعترف بدولة "إسرائيل"، فكيف يريد أن يذهب بجوازات مواطنيها إلى سفارات الكيان الصهيوني؟ وكيف يريد من جميع الدول الإسلامية أن تتقبل استقبال جوازات مواطنيها وعليها أختام دولة الكيان الصهيوني وهي لا تعترف بها؟ أوليس موقف اياد المدني دعوة للتطبيع والاعتراف. وفي ذلك الطعنة النجلاء في كبد المسجد الأقصى وفي قلب القدس، وخيانة لمسؤولية أمين عام لمنظمة التعاون الإسلامي.
إن استخدام حديث شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى لتسويغ التطبيع مع مغتصب فلسطين، والعامل على هدم المسجد الأقصى وتهويد القدس، يمثل نموذجاً إلى أي حد يمكن أن ينحط فكر بعض من يستشهدون بالحديث الشريف في تأويله حين يوضع في خدمة الاعتراف بالكيان الصهيوني. وذلك بدلاً من تطبيق آيات القتال على الذين أخرجونا من ديارنا والذين يعتدون على الأمة، والذين ينتهكون حرمة المسجد الأقصى. وهذا قليل من كثير مما فعلوا ويفعلون.
وبدلاً من أن يدعو أمين عام منظمة التعاون الإسلامي إلى أن تتراجع الدول التي تطبّع مع العدو أو تعترف به، يريد من الدول الإسلامية أن تقبل من مواطنيها التوجه إلى سفارات العدو لأخذ التأشيرة، من أجل زيارة القدس والصلاة في المسجد الأقصى.
وكان من بين ما سوّغ به هذه الدعوة التي لا تجوز أن تصدر، بصورة خاصة، عن أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، قوله إن توجّه المسلمين إلى القدس سيدعم شركات السياحة والطيران الفلسطينية والأردنية، ويعزز اقتصاد أهل القدس. وهو تسويغ متهافت يريد أن يلقي إلى المقدسيين بالفتات. والأنكى أنه يخطط بهذا لتدبير أحوالهم ودعم اقتصادياتهم، كأن الاحتلال سيبقى لعشرات السنين القادمة. فالمهم تأمين حياة الناس في ظله، كما ذهب المدني، بدلاً من دعم نضال المقدسيين والفلسطينيين من أجل تحرير القدس والمسجد الأقصى وشدّ الخناق على الاحتلال وقادته. علماً بأن من واجب أمين عام منظمة التعاون الإسلامي أن يطالب بتحرير فلسطين كل فلسطين. وليذكر في الأقل "العهدة العمرية"، ولا يمر بسورة الإسراء مرور الكرام ويُحلّ مكانها تأويلاً، أو إسقاطاً، لحديث شدّ الرحال، حيث يشدّ العدو الخناق على القدس والمسجد الأقصى، وفلسطين كلها تحت الاحتلال. وقد أفرغها من الوجود العربي – الإسلامي، وراح يهوّدها ويمحو هويتها العربية – الإسلامية.
على أن المأساة في المقابلة المذكورة مع اياد مدني، كونه لم يظهر دعماً أيضاً للنضالات الشعبية التي تخوضها جماهير القدس في هذه الأيام الانتفاضية المجيدة، حيث تسطّر البطولات. ولم يقل ما يتوجّب قوله بالذين يعتصمون ويرابطون رجلاً ونساء شباباً وشابات، ليل نهار، في المسجد الأقصى ليحموه من هجمات المستوطنين، وما تضمره قيادة الكيان من شرٍّ للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس، ولا سيما للمسجد الأقصى.
هذا الاعتصام وهذا الرباط اللذان يستحقان المساندة ولو بالكلام من فم اياد مدني بخل به عليهما، فيما توسّع في إقناع المسلمين بالانسياق وراء التطبيع والاعتراف بحجّة واجب شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى.
وختاماً، ماذا يمكن أن يُقال أمام هذه الفاجعة غير "لا حول ولا قوة إلاّ بالله".
وسوم: 635