الإرهاب والتهميش يولدان الإرهاب والتطرف

الحملة العسكرية تلو الحملة ومازال الجيش المصري يعلن يوميا قتله عشرات «الإرهابيين» واعتقاله لمثلهم من «التكفيريين» وهدم مئات الاوكار والمخابئ التي يستعملها المسلحون.

فمنذ عملية نسر التي انطلقت في 12 من أغسطس/آب 2011 وعملية «تطهير سيناء» في 8 أغسطس/آب 2012 وصولا إلى الحملة العسكرية الجديدة التي حملت اسم «حق الشهيد» في 7 من الشهر الحالي والقيادة العامة للقوات المسحة تصدر البيان تلو البيان معلنة عن قتلها وجرحها واعتقالها العشرات ممن أسمتهم بالعناصر التكفيرية والإرهابية والاجرامية واقتحام بؤرهم وتدمير أوكارهم.

ولكن بعد كل هذه البيانات والحملات والاعتقالات والاغتيالات في اطار القانون وخارجه مازالت منطقة سيناء تشهد عمليات كر وفر بين الجيش المصري ومقاتلي «ولاية سيناء» الذين يصدرون بيانات وصورا شبه يومية توثق معاركهم مع القوات المصرية.

لم تكن هذه المنطقة المصرية المنعزلة عن الدولة والمتفردة بتضاريسها الصعبة وديمغرافيتها السكانية وبنيتها العشائرية وصحراءها الشاسعة وحدودها الساخنة وبمسلحيها الذين يعتمدون على أساليب الكر والفر سهلة على القوات النظامية والتحرك فيها لملاحقة المقاتلين.

فقد أكدت التقارير الإعلامية وتقارير المنظمات الدولية في السنوات الأخيرة أن هذه المنطقة التي تعاني من التهميش الكبير كانت ولا تزال خارجة عن سلطة الدولة بل أن عشائرها وأحكامها الداخلية هي المسيطرة على دواليب المنطقة.

هناك معادلة لم تفهمها الحكومات العربية مفادها أن الإرهاب والتهميش يولدان الارهاب والتطرف، وهو ما حدث في سيناء. ورغم أن الباحثين في الشأن السياسي استبشروا بالاحتجاجات السلمية في بعض البلدان العربية – لنجاح الاحتجاجات السلمية في إسقاط الحكام في حين أن الهجمات المسلحة فشلت في ازاحته – إلا أن انحراف هذه الثورات عن مسارها أدى إلى تنامي ظاهرة العنف المسلح في هذه الدول التي شهدت انتفاضات شعبية عارمة، ما أعاد إلى ذهن البعض فرضية أن الحق لا يسترد إلا بالقوة.

لقد استفاق العالم على مشاهد فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة في مصر وفض اعتصام الأنبار في العراق ومجازر النظام السوري، وهو ما كان سببا في احداث رجة داخل أوساط الشباب والجماعات الجهادية العالمية التي استغلت الموقف وبدأت بالتجييش الإعلامي عبر شبكات التواصل الاجتماعي واستغلال تلك المشاهد للتحريض على قتال المتسببين في ذلك، وهو ما حدث في سيناء.

يقول الباحث في الجماعات الجهادية الدكتور حسن أبو هنية: «تمثل الحالة الجهادية السيناوية الاستثناء الجهادي المصري، إذ تمكنت حركات جهادية محلية إقليمية من التكيّف والصمود والبقاء. فقد قدمت الجغرافيا والديموغرافيا في سيناء بيئة مثالية حاضنة للجهاديين، بحكم طبيعتها الجغرافية الصعبة وتركيبتها السكانية القبلية، فضلا عن سياسات التهميش والإهمال التي مارستها الدولة المصرية على مدى أربعة عقود، ووجود قضية عادلة تتمثل بالمسألة الفلسطينية، الأمر الذي أسفر عن ولادة ولاية سيناء التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية.»

فقد أصدرت جماعة «أنصار بيت المقدس» أول تسجيلاتها المرئية – «وإن عدتم عدنا» – في 24 يوليو 2012، معلنين عن هويتهم وتوجههم الفكري ومسؤوليتهم عن عمليات تفجير أنبوب الغاز واتخاذهم من منطقة سيناء منطلقا لعملياتهم ضد الجيش المصري والمصالح الاسرائيلية في تلك المنطقة.

وبعد محاولاتها المتكررة في تفجير أنبوب الغاز المصري الاسرائيلي صعدت جماعة أنصار بيت المقدس من عملياتها ضد الجيش المصري لتصل إلى حد استعمال السيارات المفخخة وصواريخ الكورنيت المتطورة ومضادات الطائرات في عملياتها التي خلفت مئات القتلى والجرحى من الأمنيين والعسكريين.

وتحمل سلسلة العمليات أيضاً إشارات واضحة إلى أن خطط التنظيم وتحركاته مضت بدون أن يجري التبليغ عنها من الأهالي، الذين يعانون منذ أشهر طويلة من مضايقات الجيش لهم، في ظل انتهاكات غير مسبوقة سواء في ما يتعلق بالتصفيات أو الاعتقالات العشوائية، فضلاً عن تهجيرهم.

وفي هذا الصدد يقول الخبير العسكري، اللواء عادل سليمان، إن «فكرة القضاء نهائياً على «الإرهاب» والجماعات المسلحة أمر ليس بالسهولة التي يتخيّلها الكثيرون». وقال ان «المنطقة بأكملها تواجه ظاهرة جديدة وهي تشكيل جماعات شبة عسكرية، عابرة للقارات وتعتمد على تحركات الأسلحة والمقاتلين بين دول المنطقة». ويلفت إلى «وجود حاضنة شعبية للتنظيم المسلح في سيناء، وبالتالي فلا بد من الأخذ في الاعتبار هذه الجزئية في التعامل مع الموقف». 

من جهته، يقول خبير أمني إن «الوضع في سيناء أصبح خطراً للغاية، وهناك تهديد مباشر للأمن القومي». ويؤكد أنه في «حال استمرار سياسات الدولة نفسها، سيتزايد التنظيم المسلح قوة، ولن يقف أحد أمامه».

ان المنطقة العربية اليوم تشهد أصعب فتراتها منذ عقود بسبب التهميش والتفقير والتنكيل بشعوبها والتفويت في مدخراتها وارتمائها في أحضان الدول الغربية التي كانت الراعي الرسمي لقمع الحكومات لشعوبها عن طريق سكوتها عن جرائمهم وبيعهم للأسلحة المتطورة التي توجه لصدورهم.

فهل كتب علينا كعرب أن نعيش في حروب دامية وفي خوف مستمر من التصفية والاعتقالات والتعذيب في حين يعيش أحفاد العم سام أوأبناؤه وأبناء عمه واخوته ورفاقه في سعادة وهناء وديمقراطية وتعددية وعيشة هنية؟

وسوم: 635