خط الثورة وجوهرها ...
حين انطلقت الثورة بشعاراتها : حرية ـ كرامة.. وواحد واحد واحد الشعب السوري واحد
كانت عامة لا تخصّ فئة سياسية بعينها، ولا ديناً محدداً أو طائفة بذاتها، فالتفّ حولها طيف واسع من شتى الفئات الاجتماعية، والفكرية، والسياسية . يساريين وقوميين وعلمانيين وإسلاميين، ومستقلين، وعاديين.. انطلاقاً من الإيمان بأنها ثورة الجميع لأجل الحرية، والتعددية، والكرامة، والعدالة.. والتي تكتنف، بتناغم، جميع المكوّنات السورية بشتى المشارب، والأصول..
لم يطرح أحد احتكاراً إديولوجياً بعينه، أو مشروعه الخاص، لأن التعددية، ولأن الحرية، ولأن الديمقراطية تعني حرية الرأي، والتعبير، والاعتقاد، والتحزب للجميع : كلّ وما يؤمن، وكلّ وما يراه صحيحاً.. وفقاً لمستوى وعي المجتمع، وتركيب القوى الاجتماعية فيه، ومنسوب السياسة وعمقها، والأحزاب ودورها ...
ـ وكان طبيعياً أن يكون المسجد مكان تجمّع وانطلاق معظم المظاهرات، واللقاءات لما له من مكانة، وما يتيحه من إمكانية التقاء الناس وتبادل الرأي، والتخطيط للقادم . كما أن عديد الشعارات والهتافات الإسلامية، خاصة الله أكبر، أو : مالنا غيرك يا الله، والكثير من تلك التي يتداولها الناس يومياً، وتخرج عفوية لدى معظمهم.. بدت طبيعية ولا تجيّر لصالح منظومة معينة، أو حالة سياسية نافية للآخرين، حتى العلمانيين واليساريين شاركوا في تردادها، وفي اتخاذ المساجد أمكنة اجتماع وانطلاق، بمن فيهم عديد المسيحيين، ومن شتى المذاهب المختلفة .
ـ كان الجامع الأكبر الذي يوحّد الأطياف المختلفة يتلخص في : إنهاء الاستبداد وإقامة بديله . البديل الذي يحقق المساواة بين الجميع على أساس المواطنية، ووفقاً لدستور يقرره الشعب، بينما يترك أمر تلاوين الحكومة القادمة لانتخابات نزيهة يقرر فيها الشعب من يختار من النواب الذين يمثلونه، والذين تتشكل الحكومة من الأغلبية فيهم، أو عبر تحالفات لاحقة .
****
ـ لكن مجموعة من العوامل، والتطورات.. قادت إلى انزياحات متتالية باتجاه ضمور ذلك الخط الوطني الديمقراطي العريض لصالح أطروحات إسلامية ما انفكّت تتصاعد، وتتشدد، وتتكوّر باتجاه أسلمة متنامية تنفي جوهر الثورة ولا تعترف بها، وحق الآخرين، وإلى نوع من الاحتكار المفروض بقوة السلاح، والتواجد العسكري على الأرض .
ـ ولئن أسهم وضع المعارضة الضعيف، والعاجز عن قيادة الثورة، واختلاف المواقف فيها، وعدم وجود قيادة موحدة للثورة سابقة لقيامها، أو متولدة من رحمها، وتصفية أعداد كبيرة من الناشطين الذين كان لهم دور كبير في تفجيرها وقيادة أنشطتها الأولى، أو اعتقالهم، أو إجبارهم على الخروج من البلاد، وقدوم أفواج أقل وعياً، وأكثر تأثراً بالبيئة الشعبية السائدة التي تحتمي ـ طبيعياً ـ بإيمانها، وبالله وسط عنف النظام ودمويته، وصمت المجتمع الدولي، وهزالة المواقف العربية..
فالذي لا شكّ فيه أن مخطط النظام الموصوف للدفع باتجاه الخَندقة الطائفية، ومحاصرة الثورة في إطار سني وحسب، ثم استقدام المليشيات الطائفية الشيعية، والتدخل السافر لإيران، وما تفعله مليشياتها التابعة لها في العراق بالسنة العرب، وطبيعة الإطارات التي برزت في صفوف الثورة، خاصة في ميدان العمل المسلح.. دفعت نحو رد فعل يتحصّن بالإسلام السني، ويدفع به إلى واجهة الصراع، وإلى اعتباره الهدف، والمستهدف..
ـ ويجب التذكير هنا بأن العمل المسلح الذي بدأ عبر انشقاقات متتالية من الضباط الذين رفضوا توجيه أسلحتهم إلى شعبهم، وتشكيل أنوية الجيش الحر ظلّ ولفترة متمسكاً بأهداف الثورة، ومنخرطاً فيها، ويلقى ترحيب قطاعات شعبية واسعة.. وهي الحالة التي لم تستمر طويلاً، حين واجهت قطعاته وكتائبه وعديد كبار الضباط سلسلة طويلة من أشكال الضغط، والتدخلات الإقليمية والخارجية، والحصار، وقطع الإمداد والتمويل، بما في ذلك عدم توفير أدنى شروط الحياة لأعداد غفيرة من الضباط، وتكسير محاولات بناء جيش وطني حر يكون مهنياً، وأساس الجيش الوطني لسورية التعددية.. الجيش الذي لا يتحزّب، ولا يتدخل في السياسة .. مقابل سيل من أشكال الدعم لأنوية مقاتلة إسلامية راحت تتوسع وتكبر وتلتهم وجود الجيش الحر، وعلى حسابه، بكل ما رافق ذلك من تعدد الجهات الداعمة، الممولة، وحرصها على إيجاد قوى تابع لها، أو تسير في فلكها..مما أدى إلى شرذمة عاصفة من مئات الكتائب التي تتنافس ـ في أغلب الأحيان ـ للاستحواز على المواقع، والدعم .. وتقضم وحدة المقاتلين، والتنسيق، والعمل المشترك .
ـ ونعرف أن تطورات المسار السوري دفع بقوة طغيان العمل المسلح على سواه، وأنهى تقريباً المظاهر السلمية للثورة، وأضعف كثيراً هيئات المجتمع المدني والأهلي وكافة الفعاليات الأخرى، ووضعها إما في خانة ملحقة به، أو في زوايا ضيقة جداً، بينما تهمّش الفعل السياسي كثيراً، وبدا أكثر انقطاعاً عن الأرض وما يجري فيها، وكأنه يغرّد في وديان سحيقة بعيدة عن أطروحات راحت تتبلور أكثر فأكثر باتجاه التشدد، والتعميم غير القابل بالآخرين من أصحاب الاتجاهات غير الإسلامية، وبما وضع الجميع أمام خيارات قاسية : إما الانصياع لهذا الوضع والتخلي عن أهداف الثورة الأصل، او الابتعاد، والانتقال إلى مواقع أخرى، أو السكوت على ما يجري ومجاملته بطرق لا تخلو من رجرجة غير واضحة الموقف .
ـ ويجب أن نضيف أيضاً أن تعقّد المسألة السورية بفعل تخاذل المجتمع الدولي.. الذي راح يتعكّز ـ من جديد ـ على قصة الأسلمة والتطرف، والإرهاب.. وارتفاع وتيرة التعبئات الطائفية المدججة بما يشبه الاحتلال الإيراني السافر، وشعور الأغلبية بأن السنة هم الهدف المستهدف، ومواقف جلّ المحسوبين على " الأقليات"، خاصة في الطائفة العلوية، المتسمة بمساندة النظام، أو بالمواقف الرمادية، و "الحيادية" كانت تخصّب تلك البيئة الدينية المتنامية، وتمنح القوى الإسلامية حواضن واسعة .
ـ بالمقابل.. فإن إصرار بعض القوى والكتائب على رفض التعددية، وطرح مشاريع الدولة الإسلامية، او الخلافة، أو الإمارة، وتكفير بعضهم لمضمون الديمقراطية، والنظرة التشكيكية، والمتعالية نحو المعارضين الآخرين من الأطياف والمكونات غير الإسلامية أو المتأسلمة، وغير السنية، ومحاولة سجنهم في حدود المذاهب التي يُحسبون عليها بطريقة ما، حتى لو كانوا لا يعترفون بها، ولا ينتمون إليها، أو ممن عارضوا النظام المجرم عبر العقود من خلفيات أخرى غير دينية، وغير مذهبية.. خلق مناخات جديدة تتسم بتخوف، وحذر، وانقباض عديد الفئات السياسية والشعبية التي لم تنحصر فيما يعرف بأبناء الأقليات الدينية والإسلامية وحسب.. بل شمل ذلك أوساطاً إسلامية سنية واسعة انضمت للثورة، وآمنت بها على أساس أنها ثورة شعب ضد الاستبداد، وفي سبيل التغيير الجذري نحو إقامة نظام تعددي يتيح ويطلق الحريات العامة للجميع، بغض النظر عن الجنس، والأصول القومية، والدين والمذهب، والانتماء السياسي والفكري ..
ـ هذه الحالة التي أسهمت فيها مجموعة تلك التطورات والتحولات.. كان لها إسهامها الواضح في مواقف الدول الغربية من الثورة، وإعلان تخوفها من الفراغ، أو الفوضى، أو بديل إسلامي متشدد قد يكون موّلداً لنظام إرهابي من نوع ما، وقد وجدوا قميص عثمان لاتخاذه ذريعة، وحجة في مواقفهم من دعم الثورة، والقيام بالمأمول منهم.. وصولاً إلى تفضيل بعضهم النظام على تلك الاتجاهات، والتي لا تقتصر هنا على حال داعش والنصرة وحسب، بل يمكن القول أنها عامة، وفي جوهر تقييمهم لمختلف الفصائل المقاتلة المحسوبة على المعارضة .
ـ ومع واجب وعي جميع فئات الشعب السوري، خاصة العاملين بالحقل السياسي، طبيعة تركيب مجتمعنا، وموقع الدين فيه على العموم، والإسلام بوجه الخصوص، وإدراك أن أغلبية هذا الشعب تنتمي للسنة بكل ما تعنيه الصفة من مستلزمات، وبكل حقوق الجميع في ممارسة إيمانهم، وعقائدهم، في نظام تعددي حر.. وعمليات الاستهداف المشبوهة للعرب السنة في أكثر من بلد عربي، وما يحتويه ذلك من مخاطر تفتيتية للكيانات القائمة، ومن تغييرات ديمغرافية سيكون لها مفاعيلها السياسية اللاحقة الخادمة لمشاريع خارجية معادية للشعوب العربية، ومستقبلها..
ـ فإن التزام جميع المحسوبين على الثورة، خاصة من القوى العسكرية، بأهدافها الرئيس التي تتجاوز إسقاط نظام الإجرام والفئوية، إلى بناء البديل التعددي الذي كان مبرر قيام الثورة، ورفض الطائفية والانجرار إليها، أو تقسيم البلاد كأمر واقع إلى كانتونات مختلفة الألوان، ورفض نظرية الاحتكار وامتلاك الحقيقة، أو فرض منظور معين بقوة الهيمنة والسلاح.. هو اليوم أولوية الأولويات لتحقيق التوافق الواضح بين جميع القوى والمكونات، وبناء ميزان القوى الذاتي القادر على استعادة القرار الوطني وحشد أوسع الفئات الشعبية فيه.. وصولاً إلى بناء علاقات واضحة مع الأشقاء والأصدقاء ..
عقاب يحيى 3 تشرين أول 2015
خط الثورة وجوهرها ...
حين انطلقت الثورة بشعاراتها : حرية ـ كرامة.. وواحد واحد واحد الشعب السوري واحد
كانت عامة لا تخصّ فئة سياسية بعينها، ولا ديناً محدداً أو طائفة بذاتها، فالتفّ حولها طيف واسع من شتى الفئات الاجتماعية، والفكرية، والسياسية . يساريين وقوميين وعلمانيين وإسلاميين، ومستقلين، وعاديين.. انطلاقاً من الإيمان بأنها ثورة الجميع لأجل الحرية، والتعددية، والكرامة، والعدالة.. والتي تكتنف، بتناغم، جميع المكوّنات السورية بشتى المشارب، والأصول..
لم يطرح أحد احتكاراً إديولوجياً بعينه، أو مشروعه الخاص، لأن التعددية، ولأن الحرية، ولأن الديمقراطية تعني حرية الرأي، والتعبير، والاعتقاد، والتحزب للجميع : كلّ وما يؤمن، وكلّ وما يراه صحيحاً.. وفقاً لمستوى وعي المجتمع، وتركيب القوى الاجتماعية فيه، ومنسوب السياسة وعمقها، والأحزاب ودورها ...
ـ وكان طبيعياً أن يكون المسجد مكان تجمّع وانطلاق معظم المظاهرات، واللقاءات لما له من مكانة، وما يتيحه من إمكانية التقاء الناس وتبادل الرأي، والتخطيط للقادم . كما أن عديد الشعارات والهتافات الإسلامية، خاصة الله أكبر، أو : مالنا غيرك يا الله، والكثير من تلك التي يتداولها الناس يومياً، وتخرج عفوية لدى معظمهم.. بدت طبيعية ولا تجيّر لصالح منظومة معينة، أو حالة سياسية نافية للآخرين، حتى العلمانيين واليساريين شاركوا في تردادها، وفي اتخاذ المساجد أمكنة اجتماع وانطلاق، بمن فيهم عديد المسيحيين، ومن شتى المذاهب المختلفة .
ـ كان الجامع الأكبر الذي يوحّد الأطياف المختلفة يتلخص في : إنهاء الاستبداد وإقامة بديله . البديل الذي يحقق المساواة بين الجميع على أساس المواطنية، ووفقاً لدستور يقرره الشعب، بينما يترك أمر تلاوين الحكومة القادمة لانتخابات نزيهة يقرر فيها الشعب من يختار من النواب الذين يمثلونه، والذين تتشكل الحكومة من الأغلبية فيهم، أو عبر تحالفات لاحقة .
****
ـ لكن مجموعة من العوامل، والتطورات.. قادت إلى انزياحات متتالية باتجاه ضمور ذلك الخط الوطني الديمقراطي العريض لصالح أطروحات إسلامية ما انفكّت تتصاعد، وتتشدد، وتتكوّر باتجاه أسلمة متنامية تنفي جوهر الثورة ولا تعترف بها، وحق الآخرين، وإلى نوع من الاحتكار المفروض بقوة السلاح، والتواجد العسكري على الأرض .
ـ ولئن أسهم وضع المعارضة الضعيف، والعاجز عن قيادة الثورة، واختلاف المواقف فيها، وعدم وجود قيادة موحدة للثورة سابقة لقيامها، أو متولدة من رحمها، وتصفية أعداد كبيرة من الناشطين الذين كان لهم دور كبير في تفجيرها وقيادة أنشطتها الأولى، أو اعتقالهم، أو إجبارهم على الخروج من البلاد، وقدوم أفواج أقل وعياً، وأكثر تأثراً بالبيئة الشعبية السائدة التي تحتمي ـ طبيعياً ـ بإيمانها، وبالله وسط عنف النظام ودمويته، وصمت المجتمع الدولي، وهزالة المواقف العربية..
فالذي لا شكّ فيه أن مخطط النظام الموصوف للدفع باتجاه الخَندقة الطائفية، ومحاصرة الثورة في إطار سني وحسب، ثم استقدام المليشيات الطائفية الشيعية، والتدخل السافر لإيران، وما تفعله مليشياتها التابعة لها في العراق بالسنة العرب، وطبيعة الإطارات التي برزت في صفوف الثورة، خاصة في ميدان العمل المسلح.. دفعت نحو رد فعل يتحصّن بالإسلام السني، ويدفع به إلى واجهة الصراع، وإلى اعتباره الهدف، والمستهدف..
ـ ويجب التذكير هنا بأن العمل المسلح الذي بدأ عبر انشقاقات متتالية من الضباط الذين رفضوا توجيه أسلحتهم إلى شعبهم، وتشكيل أنوية الجيش الحر ظلّ ولفترة متمسكاً بأهداف الثورة، ومنخرطاً فيها، ويلقى ترحيب قطاعات شعبية واسعة.. وهي الحالة التي لم تستمر طويلاً، حين واجهت قطعاته وكتائبه وعديد كبار الضباط سلسلة طويلة من أشكال الضغط، والتدخلات الإقليمية والخارجية، والحصار، وقطع الإمداد والتمويل، بما في ذلك عدم توفير أدنى شروط الحياة لأعداد غفيرة من الضباط، وتكسير محاولات بناء جيش وطني حر يكون مهنياً، وأساس الجيش الوطني لسورية التعددية.. الجيش الذي لا يتحزّب، ولا يتدخل في السياسة .. مقابل سيل من أشكال الدعم لأنوية مقاتلة إسلامية راحت تتوسع وتكبر وتلتهم وجود الجيش الحر، وعلى حسابه، بكل ما رافق ذلك من تعدد الجهات الداعمة، الممولة، وحرصها على إيجاد قوى تابع لها، أو تسير في فلكها..مما أدى إلى شرذمة عاصفة من مئات الكتائب التي تتنافس ـ في أغلب الأحيان ـ للاستحواز على المواقع، والدعم .. وتقضم وحدة المقاتلين، والتنسيق، والعمل المشترك .
ـ ونعرف أن تطورات المسار السوري دفع بقوة طغيان العمل المسلح على سواه، وأنهى تقريباً المظاهر السلمية للثورة، وأضعف كثيراً هيئات المجتمع المدني والأهلي وكافة الفعاليات الأخرى، ووضعها إما في خانة ملحقة به، أو في زوايا ضيقة جداً، بينما تهمّش الفعل السياسي كثيراً، وبدا أكثر انقطاعاً عن الأرض وما يجري فيها، وكأنه يغرّد في وديان سحيقة بعيدة عن أطروحات راحت تتبلور أكثر فأكثر باتجاه التشدد، والتعميم غير القابل بالآخرين من أصحاب الاتجاهات غير الإسلامية، وبما وضع الجميع أمام خيارات قاسية : إما الانصياع لهذا الوضع والتخلي عن أهداف الثورة الأصل، او الابتعاد، والانتقال إلى مواقع أخرى، أو السكوت على ما يجري ومجاملته بطرق لا تخلو من رجرجة غير واضحة الموقف .
ـ ويجب أن نضيف أيضاً أن تعقّد المسألة السورية بفعل تخاذل المجتمع الدولي.. الذي راح يتعكّز ـ من جديد ـ على قصة الأسلمة والتطرف، والإرهاب.. وارتفاع وتيرة التعبئات الطائفية المدججة بما يشبه الاحتلال الإيراني السافر، وشعور الأغلبية بأن السنة هم الهدف المستهدف، ومواقف جلّ المحسوبين على " الأقليات"، خاصة في الطائفة العلوية، المتسمة بمساندة النظام، أو بالمواقف الرمادية، و "الحيادية" كانت تخصّب تلك البيئة الدينية المتنامية، وتمنح القوى الإسلامية حواضن واسعة .
ـ بالمقابل.. فإن إصرار بعض القوى والكتائب على رفض التعددية، وطرح مشاريع الدولة الإسلامية، او الخلافة، أو الإمارة، وتكفير بعضهم لمضمون الديمقراطية، والنظرة التشكيكية، والمتعالية نحو المعارضين الآخرين من الأطياف والمكونات غير الإسلامية أو المتأسلمة، وغير السنية، ومحاولة سجنهم في حدود المذاهب التي يُحسبون عليها بطريقة ما، حتى لو كانوا لا يعترفون بها، ولا ينتمون إليها، أو ممن عارضوا النظام المجرم عبر العقود من خلفيات أخرى غير دينية، وغير مذهبية.. خلق مناخات جديدة تتسم بتخوف، وحذر، وانقباض عديد الفئات السياسية والشعبية التي لم تنحصر فيما يعرف بأبناء الأقليات الدينية والإسلامية وحسب.. بل شمل ذلك أوساطاً إسلامية سنية واسعة انضمت للثورة، وآمنت بها على أساس أنها ثورة شعب ضد الاستبداد، وفي سبيل التغيير الجذري نحو إقامة نظام تعددي يتيح ويطلق الحريات العامة للجميع، بغض النظر عن الجنس، والأصول القومية، والدين والمذهب، والانتماء السياسي والفكري ..
ـ هذه الحالة التي أسهمت فيها مجموعة تلك التطورات والتحولات.. كان لها إسهامها الواضح في مواقف الدول الغربية من الثورة، وإعلان تخوفها من الفراغ، أو الفوضى، أو بديل إسلامي متشدد قد يكون موّلداً لنظام إرهابي من نوع ما، وقد وجدوا قميص عثمان لاتخاذه ذريعة، وحجة في مواقفهم من دعم الثورة، والقيام بالمأمول منهم.. وصولاً إلى تفضيل بعضهم النظام على تلك الاتجاهات، والتي لا تقتصر هنا على حال داعش والنصرة وحسب، بل يمكن القول أنها عامة، وفي جوهر تقييمهم لمختلف الفصائل المقاتلة المحسوبة على المعارضة .
ـ ومع واجب وعي جميع فئات الشعب السوري، خاصة العاملين بالحقل السياسي، طبيعة تركيب مجتمعنا، وموقع الدين فيه على العموم، والإسلام بوجه الخصوص، وإدراك أن أغلبية هذا الشعب تنتمي للسنة بكل ما تعنيه الصفة من مستلزمات، وبكل حقوق الجميع في ممارسة إيمانهم، وعقائدهم، في نظام تعددي حر.. وعمليات الاستهداف المشبوهة للعرب السنة في أكثر من بلد عربي، وما يحتويه ذلك من مخاطر تفتيتية للكيانات القائمة، ومن تغييرات ديمغرافية سيكون لها مفاعيلها السياسية اللاحقة الخادمة لمشاريع خارجية معادية للشعوب العربية، ومستقبلها..
ـ فإن التزام جميع المحسوبين على الثورة، خاصة من القوى العسكرية، بأهدافها الرئيس التي تتجاوز إسقاط نظام الإجرام والفئوية، إلى بناء البديل التعددي الذي كان مبرر قيام الثورة، ورفض الطائفية والانجرار إليها، أو تقسيم البلاد كأمر واقع إلى كانتونات مختلفة الألوان، ورفض نظرية الاحتكار وامتلاك الحقيقة، أو فرض منظور معين بقوة الهيمنة والسلاح.. هو اليوم أولوية الأولويات لتحقيق التوافق الواضح بين جميع القوى والمكونات، وبناء ميزان القوى الذاتي القادر على استعادة القرار الوطني وحشد أوسع الفئات الشعبية فيه.. وصولاً إلى بناء علاقات واضحة مع الأشقاء والأصدقاء ..
وسوم: 636