شبابنا المُغرر بهم.. داعش ليست ثوب الإسلام فانزعوه
إلى المغرر بهم من جيل الشباب الذين تهوروا على غير هداً وانخرطوا في تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ظناً منهم أنهم وجدوا فيها ضالتهم لإقامة الخلافة الإسلامية وإعادة مجدها الغابر، ولنشر العدل والقسطاس على الأرض، كما كانت في عهد النبوة والخلافة الراشدة، فراحوا عن جهالة وغباء، يصدرون أحكام التكفير دون تمييز بين مسلم مؤمن مسالم وكافر ملحد محارب، فجاءوا إلى بلاد الشام فاتحين يريدون استئصال أهلها على أنهم مرتدون، فأسخنوا فيهم الجراح قتلاً وذبحاً ونحراً بحجة إقامة حدود الله عليهم لأنهم مرتدون، وظن أهل الشام للوهلة الأولى أن هؤلاء جاءوا لنصرتهم في مواجهة نمرود الشام، الذي استباح دماء السوريين وتخريب مدنهم وتدمير دور عبادتهم وتهجير الملايين إلى خارج حدود الوطن، وفرض النزوح على الملايين هرباً من براميل الموت التي يمطرهم بها، نازحين من بيوتهم ومدنهم وبلداتهم وقراهم على غير هدى، بحثاً عن مكان آمن يحميهم من قنابل وصواريخ وبراميل ذاك المجرم، الذي استنفر كل أفاك وسفيه وقاتل من كل أصقاع الدنيا لدعمه في مواجهة شعبه، الذي طالب بالحرية والكرامة الإنسانية كباقي البشر، والتي حرم منها على مدار خمسة عقود.
نعم ظن أبناء الشام – واهمين – أن هؤلاء جاءوا لنصرتهم فاحتضنوهم وقدموا لهم الحاضنة الشعبية والدعم المادي والمعنوي، وزوجوهم من بناتهم الطاهرات العفيفات، حتى إذا ما تمكنوا انقلبوا عليهم وجردوا بنادقهم في وجه الثوار، وراحوا يقضمون ما تمكن هؤلاء من تحريره من يد نمرود الشام وعصابته غدراً وغيلة ونكاية، مستخدمين المفخخات والأحزمة الناسفة والسيارات الملغمة التي لم يعهدها أبناء الشام والثوار، لأنهم كانوا في مواجهة عدوهم يقاتلون قتال الفرسان.
وراح هؤلاء يغوون أطفالنا وصغار السن من شبابنا للانخراط في تنظيمهم لسهولة غسل أدمغتهم وحشوها بالأفكار التي يريدون، لأن منهجهم التكفيري لا يقتنع به راشد عاقل، وهم أيضاً سفهاء الأحلام؛ أي حمقى لا يحسبون عواقب تصرفاتهم، ولذلك يستعْبِدُهم أمراؤُهم الكِبارُ تحت شعار (السّمع والطّاعة للأمير).
وأذكّر أبنائي الذين غُرر بهم ببعض حوادث التاريخ التي تماثل ما نحن عليه ليعتبروا منها ويأخذوا الدرس، فقد ابتلي سلفنا بما ابتلينا نحن فيه الآن، وكان الابتلاء مع خيرة الناس من الصحابة الأطهار، الذين لا يختلف اثنان على قوة إيمانهم وطهارة نفوسهم وسلامة عقولهم وعلمهم وقوة حجتهم، فهذا الخليفة الرابع علي بن ابي طالب صهر رسول الله وابن عمه يتعرض لتمرد فئة ضالة مضلة، كانت تحفظ القرآن والأحاديث النبوية عن ظهر قلب، وتؤدي الصلوات والصيام فرضاً ونافلة، وتدفع الزكوات وتحج، وكانت عبادتهم لا يماثلها عبادة، وقد ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وحذر منهم في أحاديث كثيرة منها قوله: "سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، أَحْدَاثُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ البَرِيَّةِ، لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ". وقال: "يَخْرُجُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ قَوْمٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإسلام، كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ".
فحكم هؤلاء البغاة على علي بن ابي طالب بالكفر وطالبوه بالتوبة، فقط لأنه قبل بتحكيم كتاب الله في سبيل وأد الفتنة التي أصابت المسلمين عند خلافته، وأدت أحد حروبها (موقعة صفين) إلى مقتل ما يزيد على ثمانين ألفاً جلهم من الصحابة والتابعين وقراء القرآن. ولم يكتفوا بذلك بل دفعوا بأحدهم وهو عبد الرحمن بن ملجم ليقتل علي وكان لهم ذلك.
وقد يظن البعض أن ابن ملجم قاتل علي كان رجلاً عادياً أو فاسقاً ضائعاً لا يفقه من الدين شيئا، أو أنه كان من سفهاء الأمة الذين يسعون في الأرض فسادا بهدف تدمير الإسلام وأهله.
لقد كان ابن ملجم فقيها زاهداً عابداً وقارئاً للقرآن، أرسله الخليفة عمر بن الخطاب إلى مصر تلبية لطلب عمرو بن العاص في إرسال قارئ للقرآن يعلم أهل مصر القرآن، وقد زوده بكتاب يقول فيه:
"أرسلت إليك رجلا هو عبد الرحمن بن ملجم من أهل القرآن آثرتك به على نفسي، فإذا أتاك فاجعل له دارا يقرئ الناس فيها القرآن وأكرمه".
وهذا القارئ الزاهد العابد هو من قتل علي بن أبي طالب بعد تكفيره من الفئة الباغية المتمردة، قتله وهو يردد الآية الكريمة: " ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رؤوف بالعباد".
وآن لكم يا أبنائي وإخوتي ممن ضلوا السبيل عن جهل أو غباء أن يثوبوا إلى رشدهم وينزعوا عنهم ثوب الدواعش، فليس هو ثوب الخلافة ولا ثوب الإسلام الحق الذي انخدعوا فيه، قبل فوات الأوان وتندمون ولات ساعة مندم.
وسوم: 637