كشف ربيع الشعوب خريفَ الأحزاب والجماعات .. جماعات الإعجاب بالمعجبين والتصفيق للمصفقين !!
وكشف ربيع الشعوب العربية عن خواء ما تحت العناوين الكبيرة الضخمة التي غرت طويلا حتى الصادقين من حملة راياتها . كانت مية ذي الرمة ، كما بثينة جميل ، وعزة كثّير، ولبنى أو ليلى قيس وتوبة ، ونوار لبيد جميلات ملهمات كلهن حتى طلع الصباح فانطفأت جميع القناديل ، وكانت الفضيحة الكبرى فيما تنازع الناس القول في ( مية ) هل هي مية ذي الرمة نفسها التي هام بعشقها الهائمون .. أو هي مية غيرها تلك التي قيل فيها :
على وجه ميّ مسحة من ملاحة ... وتحت الثياب العُر لو كان باديا
ينسبه البعض إلى ذي الرمة وحاشاه وحاشا ( ميّاه ) وذو الرمة الفنان الوصاف المطبوع لم يهج أحدا قط ولم يغير ذوقه ولا لسانه كثرة أكل الكامخ في حوانيت البغداديين كما زعم بحقه الزاعمون ولكنها الفتنة التي تجعل الحليم حيران والتي تحول ظلمة الليل إلى نهار ..
كشف الربيع العربي في ثنايا الأحزاب والجماعات والمنظومات سكونا بل مواتا هو تعبير عن انسلال من مسئوليات الحياة ، وتعلق بمراكب الصغار . إن سكون الحراك الداخلي في أي حزب أو جماعة أو مجتمع هو لغة مخملية أنيقة مباشرة لنعي الذات . وحين لا يبالي الفرد في المنظومة المجتمعية (المختارة) بمن قام فيها أو قعد ، وبمن قال منها أو عنها أو صمت ، و حين لا يبالي الراكب أنعطف المركب بأصحابه يمنة أو يسرة ، أو تنكب أو تنكس ، حين يكون هذا الحال هو الحال ويتغنى المغني :
إذا حملت بزّتي على عدس ... على التي بين الحمار والفرس
فلا أبالي من عدا ومن جلس
فقد تودع من الطالب والمطلوب على السواء ( إذا هابت أمتي أن تقول للظالم يا ظالم فقد تودع منهم ) ومثله أن تكون للمقصر مقصر ، وللمتخاذل متخاذل ، وللمسرف يا مسرف .
وأعجب ما ربابين سفن هذا الزمان ، زمن التغرير بالركاب المهاجرين والمهجرين من البشر أن هؤلاء الربابين يقفون على رؤوس الناس في عرض البحر ويقولون : هذه هي سياستنا وهذه هو وجهتنا والذي لا نعجبه يتفضل ينزل ...
يؤسس المنظومات المجتمعية الدعوية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي ينتمي إليها الناس عن رغبة واختيار وقناعة والتزام المفكرون من أولي العزيمة والعزم الأبطال . فعندما – على سبيل المثال احتلت فلسطين مثلا سنة 1948 وهي الإقليم الجنوبي - الغربي من بلاد الشام لبس الكثير من القادة المؤسسين الأبطال لأمتهم وعرفوا وعرّفوا بمكانتهم فأحبهم الناس ووثقوا بهم ومحضوهم مع الحب جميل الولاء ؛ واليوم وسورية كلها تحتل ، وألسنة الناس تكل هي تبحث عن رملة أو تلقي السمع إصغاء لوسواس خلخالها فلا هم يرون ولا هم يسمعون:
تجول خلاخيل النساء ولا أرى ... لرملة خلخالا يجول ولا قُلبا
ونعود ... ،يؤسس المنظومات المجتمعية التي ذكرنا المفكرون من أصحاب العزيمة والعزم المؤمنون بمشروعها المستعدون للتضحية من أجله ثم تؤول بعد تطاول الزمان ، وتقاصر الهمم ، وتخاذل الإنسان إلى البَطَلة من المعجَبين ، مجرد معجبين ، فقط معجبين ( والبَطَلة بفتحتين جمع بطّال . أو هم حسب الحديث الشريف السحرة الذين يسترهبون الناس ويسحرون أعينهم بالتمويه ) ...
بأبسط الصور والتصورات يدرك الفرد الضعيف الفرق بين دور بطل على حلبة ، أو جهد لاعب يعدو خلف الكرة في ملعب ، وبين دور وجهد مشجع مصفق يراوح بين شفتيه الزعيق والمكاء وبين كفيه ورجليه التصفيق والتخبيط!!
الأعجب من كل عجيب أن نعيش في هذا الزمان العجيب عصر (الإعجاب بالمعجبين ) ، و ( التشجيع للمشجعين ) و ( التصفيق للمصفقين ) ..
وضاعت الكرة وفقد الناس المرمى . و
تاه الدليل فلا تعجب إذا تاهوا ... وضيّع الركب أشباح وأشباه
(( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ))
( إنا لله وإنا إليه راجعون )
وسوم: 638