القضية السورية بين الحلول السياسية والاحتلال العسكري
تمر القضية السورية، بأدق مراحلها، وأصعب أدوارها، وأحرج أطوارها، بما أحاط بها من ظروف وملابسات، رغم أن البراميل المتفجرة التي لم تتوقف، والقصف العشوائي الذي لا ينقطع، وازدياد كبير في عدد الشهداء، ومثلهم من الجرحى والأرامل والأيتام، مع ضيق وحصار، يرزح الشعب السوري الصابر المجاهد، تحت هذا الضغط المتصاعد منذ أربع سنين و بعضة أشهر. ولكن هناك ثلاث تطورات كبار في المشهد السوري.
التطور الأول : ( التغيير الديموغرافي ) - ذاك الذي تمثل في أمرين أساسيين. 1- فالطائفيون يخططون لإخلاء بعض ريف دمشق من سكانها الأصليين، ونقلهم إلى أماكن أخرى، على أن يحل محلهم وافدون طائفيون، وما تدخل نظام إيران السافر، في قضية الزبداني، حيث باشر المفاوضات بنفسه، مع حركة أحرار الشام، إلا صورة من صور هذا المخطط الخبيث، وبدث صعوبة المشهد من خلال ذلك الذي طلبه نظام إيران، من إخلاء سكان الزبداني من أهلها، مقابل خروج من بقي من أهلها أحياء، ثم نقل بعض الشيعة الذين يسكنون في محافظات أخرى ، ليحلوا محل أهل الزبداني المخرجين من ديارهم، وتم رفض ذلك، ومعارك الاستئصال ما زالت قائمة إلى اليوم. 2- تلك الهجرة الرهيبة، من الداخل السوري، أو من المخيمات ودول الجوار أو اللجوء، والأمر يثير جملة من التساؤلات، ومجموعة من إشارات الاستفهام، وحزمة لا يستهان بها من علامات التعجب، فالأمر في نهاية المطاف، يخدم فكرة إخلاء سورية من أهلها الأصليين، بكل حامل الكلمة من معنى، ليصب هذا التغير في مصلحة أعداء هذا البلد الميمون، وشعبه المظلوم، وهذا يحتاج إلى معالجة لا تحلها خطبة عاطفية، ولا مقالة سريعة، ولا ندوة طارئة، ولا اتهام متعجل، ولكن بالبحث عن جذور المشكلة، وأسبابها، والعمل على علاجها، وبالاشتراك مع أطراف كثيرة. مع فهم عميق لأبعادها من جوانبها المختلفة.
ومن الحلول في جمع أبناء الشعب السوري، وجود المنطقة الآمنة التي تخطط لقيامها تركيا، وهي فكرة رائدة، وحل ناجع ، وخطوة على طريق التحرير الكامل، لكن القوى المتنفذة لا يروق لها قيام هذه المنطقة، لأنها حل لكثير من القضايا العالقة، إضافة إلى فائدتها الاستراتيجية، التي يعود نفها وخسرها على سورية وأهلها، والأتراك لا يستطيعون الانفراد بمشروع كهذا، ويحتاجون من يتعاون معهم سياسياً لإنجاز هذا المشروع، لأن انفرادهم به يشكل لهم مشكلة قد تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه بالنسبة لهم، فيحتاجون إلى غطاء دولي، لم يتوفر لهم إلى الساعة، لذا – رغم قناعتهم التامة بالمشروع – يقدمون رجلاً، ويؤخرون أخرى .
التطور الثاني : ( الحل السياسي ) – وتتنازع هذه المساحة، جملة من الأطراف، وخيارات اختلط فيها الأمر واضطرب، وهاج وماج بغية إسقاط القضية لما رسم من مطب، وفي مقدمتها نظام إيران، وله رؤية جهنمية في الحل السياسي، تريد العودة بالثورة، إلى حالة الصفر، مع تأهيل النظام، والمحافظة عليه، وروسيا لا تبعد عن مثل هذه الرؤية، وهذا التصور في الحل، وعموم الغرب، لم نلاحظ جديته في مبادرة حل صادقة، تتناغم مع ما يعلنه من مواقف، لا تتجاوز حد الشجب والاستنكار والتنديد، فأشبعوا نظام الأسد المجرم شتماً، ولكنهم لم يفعلوا شيئاً.
ثم كانت هناك خطة للمبعوث الدولي ديمستورا، وصدر بيان رئاسي، من مجلس الأمن، حول حل سياسي، ركيك منهجياً، مرفوض شعبياً، معترض عليه فصائلياً، معدل عليه سياسياً. وقد وضع إخوان سورية نقاط تصحيح أساسية – من خلال بيان لهم – يؤكدون على ضرورة تضمين خطة الحل السياسي، النقاط الآتية :
1- الإشارة إلى إسقاط نظام بشار الأسد بكلّ رموزه وأركانه ومحاسبة من تلطّخت أيديهم بدماء الشعب السوري.
2- طرح القضايا الإنسانية المتعلقة بحماية المدنيين قبل البدء بأيّ عملية سياسية ، أمّا إحالة قضايا القتل الجماعي والقصف والتدمير ومعاناة المعتقلين إلى إحدى مجموعات التفاوض؛ فهذه محاولة لمقايضة الشأن الإنساني بالموقف السياسي، وتنازل عن الحقوق السياسية المشروعة للشعب السوري.
3- تحدّث البيان عن استمرار المؤسّسات الحكومية السورية، وتجاهل ذكر الجرائم التي ترتكبها المؤسسة العسكرية والأمنية بحقّ الشعب السوري، والتي لم تترك قيمة دينية ولا مدنية إلا وانتهكتها.
4- كان البيان انتقائياً في دعوته لمحاربة الإرهاب، فقد أغفل ذكر الميليشيات الطائفية التابعة لإيران و"الله حزب"، كما أغفل ذكر الإرهابي الأكبر بشار الأسد الذي استخدم السلاح الكيماوي ضد الأطفال يستيه ضد المدنيين. واستعمل الطيران الحربي والصواريخ البال
5- طرح العدالة الانتقالية، وهو المفهوم الذي غاب عن بيان مجلس الأمن وخطّة المبعوث الدولي تلميحاً وتصريحاً، لأنّه الأساس للاقتصاص من الظالم وإعادة الحق إلى المظلوم وإشاعة السلم الأهلي بين مختلف مكونات الشعب السوري.
6- ضرورة التمثيل الحقيقي للشعب السوري الثائر، إذ تحدّث البيان عن مفاوضات متعددة الأطراف بعدما كان النزاع محصوراً في طرفيه، واقترح أربع مجموعات عمل تفاوضية يتمّ من خلالها تهميش المعارضة الوطنية الحقيقية.
إنّنا في جماعة الإخوان المسلمين في سورية نستنكر موقف مجلس الأمن، وهو يرى أجساد الأطفال يقذفهم البحر إلى الشواطئ المختلفة، وأشلاء أطفال آخرين في دوما# و سقبا# و حلب# و الزبداني# وغيرها، ممزّقة جراء براميل الأسد الحاقد، ثم لا يتّخذ أيّ إجراءات رادعة بحقّ النظام الفاشي الذي يقذف المدنيين بالطائرات الحربية ومختلف آلات الموت والدمار.
كما نحيّي شعبنا الصامد، وندعوه إلى الاعتصام بالله والصبر والثبات، ووحدة الصفّ والكلمة، ونجدّد عزمنا على المضيّ في دعم الثورة وتحقيق تطلّعات الشعب السوري في التخلّص من كلّ قوى الاستبداد والطائفية والإرهاب.
قال تعالى: ((والذين جاهدوا فينا لنهديّنهم سبلنا وإنّ الله لمع المحسنين)) [العنكبوت:69]
التطور الثالث : ( التدخل العسكري المعلن والوقح في سورية من قبل الروس ) – حيث شهدت الأيام الماضية، حشوداً عسكرية ضخمة، دبابات، وأسلحة متنوعة، وآليات وعربات، وخبراء، وجنود، وأشياء ذكرت، وأخرى لم تذكر، تؤشر على احتلال عسكري للساحل السوري من قبل روسيا، وكأنهم يحجزون مقعداً لهم في اقتسام الكعكة القادمة، هكذا ربما يتصورون ويخططون، من أجل جملة من الأهداف منها، السيطرة على المنفذ البحري، الوحيد بالنسبة لهم، إلى المياه الدافئة، وهذا تطور خطير، في الحدث السوري، وثورة شعبنا المباركة، بل هو مفصلية، ليس هناك أخطر منها في القضية السورية، والأيام القادمة حبالى بمسائل وقضايا، لها ما بعدها، وعلى مستويات مختلفة.
ورغم الضجة الدولية التي حدثت، مع استنكارات شديدة اللهجة، وشجب، وتنديد، ولكن الروس، وفي خضم هذه الضجة، يخرجون إلى العالم مؤكدين الخبر، ومعلنين الحقيقة المرة، التي لها ما بعدها.
كل هذا يرتب على السوريين، ترتيب أوراقهم، ولملمة صفوفهم، والتحرك كالجسد الواحد، وعلى كل المستويات، والمناحي كافة، فيد الله مع الجماعة، والله يحب وحدة الصف، واجتماع الكلمة، والأمة، في مواقعها المختلفة، عليها أن تعي فقه هذا التطور، وتقرأ الحدث بدقة وعمق، فإن فعلت ذلك، فهذا يرتب عليها واجبا إضافياً ، في الالتفات إلى قضية الشعب السوري، ووضعها – من جديد – على قائمة سلم الأولويات، فالمسؤولية عامة شاملة، لا تستثني أحداً، فنواجه التحديات بالتعاون والتآزر، والتكامل، والتخطيط المشترك، والعقل الجمعي المنتج، والعمل الجماعي المبارك.
( وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ).
وسوم: 638