اتهام نتنياهو للحاج أمين الحسيني يقوده إلى السقوط !
مما يثير الدهشة ويدعو للاستغراب حالة عدم الاتزان الفكري والسياسي لرئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لدى اتهامه الحاج أمين الحسيني أمام المؤتمر الصهيوني العالمي في القدس يوم الثلاثاء الموافق 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2015 بأن الحسيني هو مَن أقنع هتلر بتنفيذ المحرقة في أوروبا، والتي تصفها دولة الاحتلال دوماً (بالهولوكست) أو الكارثة دون الاستناد إلى أدلة تاريخية أو واقعية.
إنَّ تصريحات نتنياهو هذه تشويه للتاريخ، وادعاء لا ينهض على أساس موضوعي، وعليه، فالقبول بها ليس من قبيل ادعاء الحكمة في وقت متأخر، وإنما ناتج عن إفلاس سياسي علني ضد الفلسطينيين عن محاكمة التاريخ من خلال الواقع المغاير، وهذه صفات الصهيونية التي زيفت التاريخ لصالحها، وإنصافاً للتاريخ وتجلية للحقيقة يمكن القول إنه:
منذ بداية الاحتلال البريطاني عمدت السلطات البريطانية إلى انتهاج سياسة (فرق تسد) في المجتمع الفلسطيني، وتغذية الصراع العائلي؛ بهدف اختراق صفوف الحركة الوطنية، وإشعال نار الفرقة لشق الحِراك السياسي الفلسطيني، وانقسام الشعب الفلسطيني إلى فئتين متنازعتين بين قوى وطنية، وأخرى معارضة مرتبطة بالإنجليز، محدثة انقساماً تواصل طوال سنوات الانتداب، وكان له أوخم العواقب على الحركة الوطنية، إذ كان في مقدمة العوامل التي حالت دون توظيف القدرات البشرية والإمكانيات المادية المتاحة، التوظيف الأفضل، لمواجهة تحدي الاستعمار والصهيونية.
وكانت الزعامة الفلسطينية بقيادة الحاج أمين الحسيني ملتزمة بخط المساومة مع الإنجليز عام 1939 حيث أصدرت الكتاب الأبيض المخادع للعرب مع أن الانتداب البريطاني يخدع العرب منذ عام 1917، وظل يخدعهم حتى عام 1947، وأبدت تلك الزعامة دائماً استعدادها للتعاون في حال توفر مجلس تشريعي منتخب يمتلك صلاحيات التشريع والرقابة، في حين رفض كل من الإنجليز والصهاينة ذلك الاقتراح رفضاً باتاً وحاسماً، الأمر الذي حال دون القبول العربي بهيئات ليس لها من الديمقراطية غير اسمها، الغاية منها إضفاء الشرعية على الهجرة والاستيطان، وإرساء قواعد إقامة الوطن القومي اليهودي، على حساب الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني. ومع ذلك كله، لم تقطع الزعامة الفلسطينية الأمل من إمكان التعاون مع بريطانيا المخادعة التي تعهدت بإيفاء وعودها للحركة الصهيونية حتى عام 1948، واعتقدت هذه الزعامة أن استمرارها في التفاوض مع السلطات البريطانية سيمكنها في نهاية الأمر من حمل البريطانيين على تغيير سياستهم وتسليمهم مؤسسات للحكم الذاتي.
وفي ضوء حقائق الصراع، وأمام انسداد الأفق تجاه الطروحات والمشاريع والكتب البيضاء وغير البيضاء الصادرة عن سلطة الانتداب والحكومة البريطانية، والقصور في توظيف الامكانيات المتاحة والقدرات البشرية المتوفرة، واستخدامها في التحالف الاستعماري الصهيوني، وفقدان النصير العربي المحيط، كان موقف الحاج أمين الحسيني يقضي بضرورة التحرك على الصعيد الدولي مع النظام النازي في ألمانيا من باب (عدو عدوي صديقي)، ففي ميدان السياسة لا تثمر العواطف والنوايا الطيبة؛ ولكنها المصلحة هي التي تسوق الدول وتهدي سياستها الخارجية على قاعدة تبادل المصالح، وكان اتجاه الحاج أمين صوب ألمانيا الهتلرية عملاً سياسياً دبلوماسياً، وإن كان به بعض المغامرة، علّه يجرب حظه السياسي في استغلال المتناقضات الدولية في مواجهة المؤامرة الاستعمارية الصهيونية في فلسطين، إذ كانت ألمانيا العدو اللدود لبريطانيا، تنتهج سياسة معادية للصهيونية، وساد الاعتقاد بأن ألمانيا في أواخر الثلاثينيات من القرن العشرين هي القوة الوحيدة القادرة على هزيمة الاستعمار البريطاني، ومع أن ذلك الاعتقاد خاطئ إلا أنه يناسب الظروف البائسة التي مر بها الفلسطينيون، حيث كانوا كالغريق يتعلق بقشة! ومن هذا المنطلق كان التعاون بين القيادة الفلسطينية وألمانيا، والرهان على انتصارها في الحرب العالمية الثانية، وذلك يساهم في قلب الأمور لصالح المسألة الفلسطينية، وإخراج الاستعمار البريطاني من فلسطين، والحيلولة دون تسليمها إلى الحركة الصهيونية؛ وليس معنى ذلك تأييد الحاج أمين الحسيني الأعمى للممارسات والأعمال النازية في حرق ستة ملايين يهودي، أو القبول باستعمار ألماني بديلاً عن الاحتلال البريطاني.
على العموم كانت نتائج الحرب على غير المشتهى، وأصبح واضحاً أن الرهان على انتصار ألمانيا رهان خاسر، وخسرت الزعامة الفلسطينية الرأي العام العالمي المتعاطف مع عدالة قضيتنا، لأن عداء النازية لليهود كان يثير الرأي العام العالمي الذي يدّعي الديمقراطية، وكما قيل قديماً: (ويل للمهزوم، فالتاريخ يكتبه المنتصرون).
إنَّ السياسة الاستعمارية كانت ولا زالت تضع القيادة الفلسطينية - مهما كانت واقعيتها - في وضع لا تجد نفسها فيه إلا في موقع الرفض، ففي عام 1947 حيث صدر قرار التقسيم الذي أعطى لليهود أكثر من نصف فلسطين في الوقت الذي لم يكن فيه اليهود يملكون سوى 6% من أرض فلسطين، لم يكن أمام الحاج أمين الحسيني سوى رفض القرار، وفي الوقت الحالي فإن السياسة الفلسطينية المعاصرة، لم تستطع أن تقبل بالوضع الإسرائيلي والأمريكي في كامب ديفيد الثانية، حيث سقط الرئيس ياسر عرفات شهيداً، ودفع ثمن رفضه لما كان يراد منه القبول به إسرائيلياً وأمريكياً. وها هو الرئيس محمود عباس الذي يمثل نهجاً واقعياً، يقف صامداً أمام الضغوطات الإسرائيلية والأمريكية، رافضاً ما هو معروض عليه؛ إذ أن المعروض الآن قبول الفلسطينيين بيهودية الدولة، وشطب حق العودة بناء على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وشطب قضية القدس كعاصمة لدولة فلسطينية مستقلة، أو بالأحرى شطب الشعب الفلسطيني من جغرافية وتاريخ العالم.
إنَّ الإصرار الإسرائيلي على قبول الشعب العربي الفلسطيني بيهودية الدولة الإسرائيلية يعني القضاء على أي نقاش لعودة كل اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم التي شردوا منها، ويعني قانونية أو شرعية طرد بقية الفلسطينيين الذين يعيشون الآن في فلسطين عام 1948، وتعمل حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة حالياً على شرعنة وقوننة هذه الأفكار بمشاريع قرارات تصدر عن رأس الهرم السياسي الإسرائيلي ممثلة في رئيس وزراء الاحتلال والكنيست، وتحت سمع وبصر أمريكا والعالم.
وأخيراً، ليس لنا نحن الفلسطينيين إلا مواصلة رفض كل هذه الخطط والقرارات الاحلالية من واقع حقنا التاريخي والقانوني والإنساني في فلسطين والأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية. لذلك، فإن تصريحات نتنياهو هذه لا بد ستنكشف حقيقتها بعد سقوطه نفسه عن السلّم!!.
وسوم: 639