التحالف مع الشيطان من أجل الأوطان
كلما رزئت بلادنا بمصاب جلل وحل بها خطب عظيم بعث الله في هذه الامة من يصلح أمرها ويداوي جرحها ويعيد كتابة تاريخها الذي ظن كثير من الناس أن الحديث عنه أصبح ضرباً من العبث وعرضه صار نوعاً من السفه. ولولا ظلمة المحنة لما أشرقت شموس عقولنا ولا انكشفت معادن أصولنا بعد أن توارت هذه المدد المديدة والعهود البعيدة. فما أعظم أن تعود إشراقة تلك الشموس وأن يكتب التاريخ في وصف معادن تلك النفوس.
ولكن سنة الله في الأنام قضت ألا يبزغ الفجر إلا بعد حلكة الظلام ولذا قال عليه الصلاة والسلام: " واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً " وقال الشاعر:
يا موكب النور هل تخبو مواكبنا إني لألمحها موارة الحمم
ها ألمح الليل قد حانت نهايته لا يشرق الفجر إلا في دجى الظلم
وفي الليل الحالك تنعدم الرؤية ويشق المسير وكلما سار سائر أوشك أن يقع في حفرة إلا من عصمه الله بنور القرآن وهدي سيد الأنام. ومن الحفر التي وقع فيها كثير من السائرين في حلك الظلام حفرة الاستغاثة بالأعداء والتوسل اليهم بأن يدفعوا بجيوشهم وطائراتهم وعتادهم إلى بلاد المسلمين ظناً منهم أنهم سوف يخلصون المسلمين من أنواع الشرور وأصناف البلاء التي حلت بهم. ومن العجيب أن يرى المسلمون انتهاز أعدائهم لمثل هذه الفرص في الماضي والحاضر وتهافتهم عليها ليكونوا شوكة في حلوق المسلمين ثم يبتلعونها مرة أخرى فتنغص عليهم عيشتهم وتدمي أشداقهم وكلما انتزعها نازع عاد الكثير منهم لابتلاع شوكة أعظم من الأولى ليغصوا بها من جديد فلا يخرجونها إلا وقد قضت مضاجعهم وقطعت قلوبهم و أثقلت كواهلهم. فمن تحالف أمراء المسلمين مع قادة الحملات الصليبية إلى تحالف أشراف الحجاز مع الانكليز إلى تحالفات حكام الدول العربية و تحالف أحزاب الشمال في أفغانستان و أحزاب العراق مع الجيش الأمريكي إلى غيرها من التحالفات الكثيرة التي لم تنته إلا باحتلال البلاد وسفك دم العباد وتمكين القهر والاستبداد ونشر الرذيلة والفساد ونهب المال والمتاع والعتاد.
ما زلت أذكر ما أعلنه أحد قادة منظمة التحرير الفلسطينية منذ أكثر من ثلاثين عاماً عن عزمه على التحالف مع الشيطان إذا كان الشيطان سوف يعيد له ما استلبه أعداء الأمة منه. وهل اغتصب فلسطين غير حلفاء الشيطان؟ وهل أنجز الشيطان قسمه لآدم عندما وعده بملك لا يفنى؟ ثم إن ذلك القائد ربما خفي عليه أن تلك المقولة هي جزء من حديث الزعيم البريطاني تشرشل عندما سئل"كيف تتحالف مع ستالين؟" فقال: " أتحالف مع الشيطان من أجل الدفاع عن وطني" . لكنه أكمل عبارته بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية وقال: "حان الوقت للقضاء على الشيطان". فهل يظن المتحالفون من أمتنا مع الشياطين أنهم يستطيعون القضاء على شياطينهم إذا أحضرت إلى عقر دارهم وتمكنت من بلاد المسلمين و من ضرب رقابهم وأدبارهم؟!
وكيف يتحالف المسلمون مع من أعان على حربهم وظاهر على إخراجهم ويرجون أن يعينهم في حربهم ويعيدهم إلى أوطانهم؟ ثم ألم يأن للمؤمنين أن يؤمنوا بقوله تعالى:" إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون" ، فتتحالف طائفة من "الفلسطينيين" مع أعداء "السوريين" من الفرس والروس بحجة أن ذلك يعود بالخير على "الفلسطينيين" ويحقن دماءهم ويحفظ أعراضهم ولا ضير إذا سفكت دماء "السوريين" وانتهكت أعراضهم. وكيف لطائفة من "السوريين" أن تتحالف مع أعداء فلسطين من صهاينة الأمريكان بحجة أن ذلك الحلف سوف ينهي آلام "السوريين" ويوقف نزيف جراحهم؟ ولاحرج حتى لو كان الحليف هو من سفك أو أعان على سفك دماء "الفلسطينيين" و-"العراقيين " و أعان على هتك أعراضهم والسطو على أموالهم.
فيا أيها المسلمون إن هذه الحدود التي هي بينكم إنما هي حدود مصطنعة غير مشروعة ولا يحل لكم أن تحقنوا دم "فلسطيني" بسفك دم "سوري" أو "عراقي" ولا أن تسفكوا دم "فلسطيني" بحقن دم "سوري" أو "عراقي" كما لا يحل لدولة أمريكا أن تعلي دم ولاية من ولاياتها على دماء ولاية أخرى.
ومن قتل المسلمين في "فلسطين" أو أعان على قتلهم فليس من حلفائنا ومن قتل المسلمين في "سورية" أو أعان على قتلهم فليس من أنصارنا ومن قتل المسلمين في "العراق" أو أعان على قتلهم فليس من منقذينا.
إذا أردتم أن تستعينوا بسلاحه فلا بأس ولكن إياكم أن تباركوا به أو أن تفتحوا له أبواب بلادكم فيحل عليكم غضب من ربكم ومن إخوانكم.
وسوم: 639