مَن يجيب عن أسئلة "الإرهاب"؟

كلما حدثت عملية مسلحة في الغرب يُشتبه أن خلفها مسلمين وجدت الأمة نفسها مُرغمة على تبرئة ذاتها ودينها من التطرف والإرهاب ، وتبارت الحكومات والمرجعيات الدينية الرسمية في إعلان المساندة للضحايا وإلقاء اللائمة على "شباب متهوّرين لا يمتّون بصلة للإسلام والمسلمين " .

وهناك جملة من الأسئلة الملحّة يجب طرحها على علماء الدين والاجتماع والسياسيين والمثقفين وقادة الرأي لحسمها أو محاولة ذلك بأقصى ما يمكن من الموضوعية :

هذه الإدانة المتكرّرة لما يسمونه " الارهاب " هل تحمل في طياتها بداية حلّ للمشكلة ؟ المؤكد أن الاجابة بالنفي ، فلماذا المبادرة إليها كلّ مرة وبإلحاح ؟ وهل يرغب فيهل الغرب أو يقتنع بها أو يغيّر نظرته إلينا بسببها ؟ وحتى ونحن نشجب التقتيل الأعمى لأبرياء لا ضلع لهم في مآسي المسلمين هل يغنينا  ردّ الفعل عن البحث في الدوافع والملابسات ؟ إن الجماعات المسلحة لا تطلب رأينا – نحن الأمة – حين تقوم بعملياتها هنا وهناك ، كما أن فرنسا – ومعها الغرب – لا تعبأ بنا وهي تشتبك مع هذه الجماعات هنا وهناك ، وهكذا صرنا – كأمة – رهائن طرفين لا يرضى كل منهما عنا إلا إذا اصطففنا معه كلية وبدون تحفّظ ، وإلا أصبحنا مارقين من الدين عند هؤلاء وداعمين للإرهاب عند هؤلاء ، وهذه مأساة الأمة الضعيفة علميا وحضاريا ، يتكلم باسمها من لم تكلفهم بذلك ، فالساسة وغلاة العلمانيين يجدون الفرصة سانحة لمزيد من التموقع مع الغرب واتهام الاسلام بكلّ شرور الدنيا ، يذرفون الدموع على " الضحايا الأبرياء " والديمقراطية والحرية ، وهم يتفرجون على الضحايا الأبرياء في فلسطين وسورية والعراق وغيرها ، ويقبرون الديمقراطية والحرية بأديهم في مصر وتونس والجزائر لأن الأمة تنحاز دائما لهويتها ومرجعيتها الحضارية ، أما الجماعات المسلحة فهي تحتكر الحديث باسم الاسلام وتوزّع صكوك الغفران وخاصة مراسيم الحرمان ، فهل من سبيل للخروج من هذه الدائرة المغلقة التي لا تُنبأ إلا بمزيد من المآسي ؟ نحن نقدر النفس الانسانية ، لكن إلى متى يبقى مَوتانا لا بواكي لهم وهم يتساقطون يوميا بالعشرات والمئات والألوف في أكثر من مكان وبأبشع أنواع القتل ، والغرب يدعونا إلى ضبط النفس والتصرف العقلاني !!!فإذا سقط قتلى من صفه – وهم أقلّ بكثير من قتلانا ولا ندري في أغلب الأحيان من يقف خلف إصابتهم – حشد أولي الأمر عندنا للشجب والإدانة والعويل ، ثم يبقى مشكّكا في أصواتنا وصدقنا واعتذارنا ، فهل نساهم في حلّ المشكلة إذا تمادينا في هذا السلوك الذي يزيدنا رضوخا للغرب من وجهة ، ويوسع الهوّة مع الشباب المسلم المتحمس المغرّر به من جهة أخرى ؟ وبالمناسبة ، إلى متى نتجاهل أسباب إقبال شباب المسلمين من فتيان وفتيات من البلاد العربية والغربية على الانخراط في صفوف الجماعات المسلحة الموصوفة بالتطرف والإرهاب ؟ لماذا تتوقف جهود علماء الدين الرسميّين والنخب العلمانية عند السبّ واللعن والتكفير تماما كما تفعل الجهة المقابلة ؟ هل رأيتم هذا الموقف الحدي يوقف الظاهرة ويعالجها ؟ أجل ، الحكومات العربية غير الشرعية ومعها النخب العلمانية التغريبية تجد راحتها كالعادة في الحلول السهلة وتكتفي بلعن الظلام دون بذل أي جهد لإيقاد شمعة رغم الجعجعة المعتادة ، بينما تحتاج الظاهرة إلى مدارسة علمية ستحيلنا حتما على إحباط العرب والمسلمين بعد أن طال أمد الاستبداد السياسي الذي يحميه الغرب وأمام الهجمة المتواصلة على العقائد والأخلاق والأوطان  ، كيف لا وقد يئس الناس من التغيير السلمي الذي سعوا من أجله ، وأصبحوا يكفرون بالديمقراطية التي شوّهها التزييف والتزوير بمباركة الغرب والعلمانية المحلية ، وقد أعيتهم التجارب المريرة وآخرها ثورات الربيع العربي ، فهل ستخدعهم الوعود المتكرّرة بغدٍ أفضل وإصلاحات جذرية يعرفون أنها لن ترى النور ؟  هؤلاء الشباب أفسدتهم الثقافة الدينية الضحلة المتّسمة بالسطحية والرأي الواحد والاستعلاء إلى جانب الأفق المسدود الذي أوصلتهم إليه السياسات المتّبعة منذ زمن بعيد ، فسهُل انقيادهم للحلول القصوى باسم الدين، فمتى يبدأ العلاج الصحيح المتمثّل في تزويدهم بمنهج طويل النفس للإصلاح والتغيير بدل حياة اللحظة الفورية الذي يسمّونه استشهادا ؟ نعم ، لن نربح نحن العرب والمسلمين شيئا من الهجمات التي تضرب الغربيين في ديارهم بل سترتفع وتيرة خسائرنا ، لكنْ لمنفذيها منطق آخر يقول : لماذا تسمح فرنسا لنفسها ضرب الأبرياء في البلاد الاسلامية وتحظر علينا الردّ بالمثل ، ولكلّ طرف أسلحته و ما أتيح له من الوسائل .

فماذا نجيب عن هذا ؟ أم نستمرّ في صمّ آذاننا وإصدار فتاوى هي جزء من المشكلة لأنها مجرد تبرير واستجابة لرغبة المتغلّب أو الخائف المتوجس ؟

ثم إن الغرب يريد تعقيدنا من انتمائنا لذلك يركز على مسؤولية الاسلام فيما يصيبه ويتنصل من مسؤوليته فيما يصيبنا رغم أنه السبب الأول لشرورنا ، ويكفيه قبحا أنه ينصّب في بلادنا أنظمة استبدادية ويحرسها ويدعمها مهما كانت جرائمها ، وهو لا يقبل مناقشة دوافع المسلحين بل يريد تبني رؤيته بدون مناقشة ، فمن ليس معه فهو بالضرورة ضدّه ، فاصطفّ في مربّعه الحكام وناصبته الجماهير العداء حتى خرج من رحمها من حمل السلاح في ردّ فعل عشوائي يكون المسلمون مرة أخرى أوّل ضحاياه  ، فهل من استراتيجية واضحة للتعامل مع الغرب بمنطق الندية لا الانبطاح له أو إعلان الحرب عليه ؟ لا شكّ أن الأنظمة العربية ستغتنم الفرصة هي الأخرى للتضييق على الاسلاميين وعامة الشعوب ولتحميل الاسلام المسؤولية ولو بالتلميح والإيحاء ، وتتمادى في انفرادها بالسلطة والتنادي بإجراء إصلاحات إيديولوجية المقصود منها كالعادة إنتاج " خطاب إسلامي جديد " يتميّز بالعقلانية والإنسانية والاعتدال ، وهو كلام حق يُراد به باطل لأن هذه المفردات تعني ببساطة تدجين الاسلام وتطويعه للحكومات و " علْمَنَته " وتشويه سَمْته الرباني و إفراغه من بُعده الاجتماعي الفعال ، فماذا ستفعل الأمة عبر العلماء والدعاة والمصلحين والمؤسسات الحيّة لإنتاج خطاب متجدّد يلائم بين قيَم الوحي الخالدة ومتطلبات الحياة العصرية لتقديم بديل سليم يُخرج الناس من أسر الحلول التي تسيء للإسلام والإنسان  ؟

وسوم: 642