التحالف الرباعي.. مصالح إستراتيجية تتجاوز محاربة (داعش)
مركز المستقبل للدراسات الستراتيجية
أثار الدخول الروسي المباشر على خط المواجهة مع تنظيم داعش الكثير من الجدل في المنطقة وخارجها والاهم من ذلك تأثير هذا التدخل على خارطة التحالف في المنطقة مستقبل الدور الأمريكي فيها.
أولا لابد من إدراك حقيقة ان المصالح الإستراتيجية الحيوية لروسيا في المنطقة هي الاولى، ومن ثم فان التحالف الرباعي لم يأت بشيء جديد على صعيد التحالف الاستراتيجي بين روسيا وإيران وسوريا لكن الشيء الجديد إن المتغيرات الجيوبولتيكية في المنطقة قد وثقت عرى التحالف وقربت بين المواقف، فروسيا تدرك ان المتغيرات والمشاكل في المنطقة التي تتهم الولايات المتحدة بالوقوف وراءها قد دفعهم هذا التفكير إلى النظر إلى (الربيع العربي) وكأنّه تكرار آخر الثورات الملوّنة في بلدان الاتّحاد السوفيتي سابقاً.
كما تسعى لإعادة توازن القوى المفقود منذ العام 1991 وإعادة ترميم علاقتها مع القوى القديمة، يدعم هذا التوجه تردد الولايات المتحدة بخوض اي حرب في المنطقة وهو السلوك الذي ميز الإدارة الأمريكية بالتعامل مع ملفات المنطقة مؤخرا الذي من اهم اسبابه نفور الرأي العام الأمريكي من التدخلات الخارجية بعد غزو العراق.
وعند التدقيق بالمصالح الاستراتيجية التي تربط روسيا بالمنطقة وعلى الاخص بلدان التحالف، نجد ان التحالف يتجاوز موضوع محاربة داعش الامر الذي يقتضي هنا دراسة حالة كل بلد على حدة.
روسيا وإيران:
على الرغم من ان ديناميكية العلاقات الروسية-الايرانية مرت بمرحلة غير مستقرة في العقد الماضي وبمنعطفات حادة، كما اعترى الحوار السياسي الفعال بينها الى انقطاعات مفاجئة، الا ان المتغيرات الجديدة قربت بين مواقفهما الى حد كبير واهمها التمدد الامريكي في المنطقة على حساب حلفاء روسيا وبالطبع ايران.
فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي تحاول موسكو لعب دور القوة الرائدة في الأقاليم السوفيتية السابقة، وتسعى جاهدة للحيلولة دون أي محاولة من جانب قوى خارجية للتغلغل في هذه الأقاليم ومن هنا فإن موقع إيران الجيواستراتيجي يتيح لطهران السيطرة على التطورات في أقاليم بحر قزوين والقوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط والخليج، وفي هذا الصدد تتشارك روسيا وإيران بالرؤية الإستراتيجية لجنوب القوقاز التي تتمثّل بمنطقة خالية من النزاعات العسكريّة وغير قابلة للاختراق الخارجيّ (أي من الغرب وإسرائيل).
وباحتلال الولايات المتحدة لأفغانستان دخلت في قلب المعادلة الامنية والإستراتيجية للمنطقة كما وأعطى وجود واشنطن رافعة سياسية تحتاجها للبدء في استخراج واستغلال الموارد النفطية لآسيا الوسطى بعيدا عن النفوذ الروسي بالدرجة الأولى كونه الأكبر والنفوذ الصيني والإيراني بالدرجة الثانية، وهذا الوضع خلق تحالف ثلاثي بين هذه الدول استمر حتى بانت معالمه الواضحة في الازمة السورية.
كل ذلك يحتم على موسكو مناقشة العديد من قضايا السياسة الخارجية مع طهران، وعند النظر إلى حالات متشابهة بين منهجهما في التعامل مع عدد من القضايا الإقليمية نجد أن موسكو ترى طهران شريكاً هاماً حول قضايا معينة، وتأسيساً على ماسبق فان هناك أربعة أبعاد رئيسة للسياسة الخارجيّة في العلاقات الثنائيّة بين موسكو وطهران، وتشمل هذه الأبعاد، بالإضافة إلى مسائل الطاقة، البرنامج النوويّ واستقرار أفغانستان –أو بتعبير أوسع، أمن آسيا الوسطى– والأحداث في سوريا والعراق والشرق الأوسط.
ففي سوريا تتخوّف كلّ من روسيا وإيران من المعركة التي تقودها الولايات المتّحدة الأميركيّة ضدّ داعش في سوريا، باعتبار أنّها قد تزيد الوضع سوءاً وتؤدّي إلى بروز مجموعات إرهابيّة أخرى، ويذهب الخبراء في روسيا وإيران أبعد من ذلك، مشيرين إلى احتمال استخدام الحملة ضدّ مقاتلي داعش في سوريا كذريعة لاجتياح البلاد، لذا فان الانخراط الروسي في المواجهة مع داعش ابعد ذلك الخطر وفرض معطيات جديدة في معادلة الصراع في سوريا.
روسيا وسوريا
منذ بدأ الازمة السورية تبنت روسيا موقفا واضحا وهو الحيلولة دون اي تغيير في المعادلة داخل سوريا وعملت روسيا منذ بداية الازمة على خط منع التدخل العسكري الغربي في سوريا، ودعم سوريا في المحافل الدولية في عملية معقدة من التعاون مع الصين ومع ايران.
الموقف الروسي تقف وراءه رؤية استراتيجية الى سوريا والمنطقة المحيطة بها فهي بالاضافة الى كونها تفتح الطريق الى المحيط العالمي فهي تؤمن الامتداد الجغرافي الجنوبي لروسيا ولاسيما اذا علمنا ان القراءة الروسية للتحركات الامريكية والمنطقة انما هي محاولة لتطويقها بشكل مباشر او عبر حلفاءها، وعليه فان التحالف الاستراتيجي الروسي – السوري يشكل عماد النفوذ الروسي في الشرق الاوسط.
ومن الجدير بالذكر هنا ان ميناء طرطوس تعد القاعدة البحرية الوحيدة خارج الاتحاد السوفيتي السابق وهذه المصالح الاستراتيجية ستظل قائمة في المستقبل وخصوصا بعد المستجدات على صعيد جيوبولتيكا الطاقة المتعلقة بحقول الغاز الطبيعي في شمال البحر المتوسط ومستقبل نقل الطاقة في العالم، لذا فإن نقطة الدعم البحري في طرطوس تساهم بشكل مهم في بناء النفوذ الروسي لا سيما أن حضورها البحري في البحر المتوسط سوف يزداد بحلول عام 2020.
روسيا والعراق
العراق الحلقة الاضعف بالتحالف الرباعي نظرا لطبيعة التجاذبات الداخلية ورفض بعض الاطراف الانخراط الروسي في مواجهة داعش وموقف التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الرافض لذلك من جهة اخرى، كل هذه العوامل جعلت العراق يتردد بالاندفاع صوب روسيا خشية ان يخسر الدعم الدولي، لكن مع ذلك موقف الدول العربية من العراق وفتور التدخل الامريكي فيه كلها عوامل تدفع بالعراق صوب روسيا وهذا يعتمد ايضا الى حد كبير على وتيرة الانخراط الروسي في المنطقة.
وبالمحصلة فان التحالف يتجاوز موضوع تبادل المعلومات ومحاربة ونظرا لطبيعة التحديات والمتغيرات في المنطقة فان هذا التحالف سيستمر بل ومن المرجح ان تنضم اطراف فاعلة اخرى فيه كالصين مثلا التي يعتمد اقتصادها المتنامي وبشكل كبير على امدادات الطاقة من المنطقة وقد تتبنى الولايات المتحدة خيار التنسيق والتعاون مع روسيا طالما ان خيار المواجهة مستبعد ولعل تصريح وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر عقب بدء الغارات الروسية، من أن "روسيا عُزلت في هذه العملية لتصبح البلد الأجنبي الوحيد الذي يعمل في هذا الاتجاه داخل سوريا"، يحمل في ثناياه رسالة أمريكية واضحة للروس من أجل العمل سويا، مع محاولة تغليف مطلبها بغلاف الخوف من حدوث تضارب أو اشتباك عسكري خاطئ بين الجانبين، لكن حقيقة الأمر، هي أن الولايات المتحدة قلقة من الأهداف البعيدة لروسيا والتي ربما تتجاوز مسألة محاربة (داعش).
وسوم: العدد 643