صناعة الفتنة

ليس سهلاً أن ينجح “حزب الله” في إرسال شريحة واسعة من متفرّغيه ومتطوعيه (التعبئة) إلى جبهة قتاله الجديدة على الحدود مع سوريا أو إلى داخل الحرب في سوريا، ليس لأن في ذلك انقلاب على أدبياته كلها، بما فيها أن سلاحه هو لحماية لبنان من العدو الإسرائيلي فقط، وإنما باعتبار حجم المخاطر التي يواجهها المقاتلون هناك أيضاً.

والواقع أن “حزب الله” يلجأ إلى تركيب شرعية للقتال إلى جانب النظام السوري على أسس دينية، من قبيل؛ قتال “الأمويين الجدد”، و”الدفاع عن شيعة آل البيت”، و”حماية مقام السيدة زينب”، و”حماية مناطق الشيعة من العصابات التكفيرية”… وهذا المعطى بالذات هو أخطر ما في تورُّط “حزب الله” في الأتون السوري، سيما أنه جزء من دعاية مصدرها إيران نفسها، بدليل صدور مواقف إيرانية علنية في هذا السياق، وانتشار هذه الدعاية بالذات في مناطق شيعية في العراق(على سبيل المثال: تصريحات رئيس هيئة الأركان بالقوات المسلحة الإيرانية حسن فيروز أبادي، وتصريحات الشيخ الإيراني المحافظ مهدي طائب…). أكثر من ذلك؛ فقد صوّر عناصر الحزب في سوريا ونشروا بأنفسهم ما يفضح هذه الروح المذهبية.

ويقاتل في سوريا اليوم عدد كبير من الميليشيات التي تأسست على الخلفية المذهبية إياها:

– كتائب القدس الإيرانية: التي يقودها قاسم سليماني، وهي تتمتع بتدريب عسكري عالي المستوى، وتتولى بشكل أساس تأمين سلامة بشار الأسد وعائلته وقصوره، ويحيط به عناصرها بلباس مدني وأسلحة فردية، ويتجنبون النطق في حالات الحضور الشعبي، كي لا تفضحهم لغتهم الفارسية، ويقدر عددهم حوالى الألف مقاتل.

– لواء “أبو الفضل العباس”: نشأ هذا اللواء بتكليف شرعي من المرجعية الدينية في النجف؛ وهو يضم مقاتلين عراقيين وسوريين ولبنانيين شيعة يبلغ عددهم الآلاف. ويأتي تشكيل لواء “أبو الفضل العباس” ترجمةً عملية لدعاية “حماية مقام مولاتنا وحبيبتنا السيدة زينب من هجمات التكفيريين والوهابيين وما يسمى بالجيش الحر وأعداء أهل بيت رسول الله”، مع الإشارة إلى أن نشاط هذا اللواء لا يقتصر على الجانب العسكري، وإنما يتعداه إلى الجانب الإعلامي أيضاً، حيث ينشر بين الحين والآخر مقاطع مصورة عن عملياته القتالية. غادر معظم عناصر هذا اللواء العراقيين إلى بلادهم بعد سقوط الموصل بيد داعش في العام 2014.

– لواء صعدة: الميليشيا اليمنية الحوثية في سوريا. يعدون بالمئات، ويُعتقد أن معظمهم عاد إلى اليمن ومن بقي انضم إلى لواء “أبو الفضل العباس”.

– كتيبة قمر بني هاشم: ميليشيات عراقية، انشقت عن لواء أبو الفضل العباس، وانضم إليها عشرات “الشبيحة”، من أبناء قريتي نبل والزهراء، وعرفت الكتيبة بالحواجز، ونالت شهرة تفوق إمكانياتها بسبب توليها مؤازرة الإعلام الموالي للأسد في جولاته الميدانية، ولا يزيد عدد مقاتليها عن 200.

– كتائب حيدر الكرار: مليشيا عراقية، تتبع لـ “عصائب أهل الحق”، التي يرأسها قيس الخزعلي، ويقودها في سوريا “الحاج مهدي”، تضم في صفوفها أمهر القناصين، يُقدر عدد عناصرها بالمئات، عاد قسم كبير منهم إلى العراق لقتال داعش.

– كتائب “حزب الله” العراقية: مليشيات عراقية، تشبه “حزب الله” اللبناني. مؤسسها في العراق المتطرف واثق البطاط، تلتزم بنظرية الولي الفقيه، ومرجعية المرشد الإيراني علي خامنئي، وتخضع لقيادة فيلق القدس، دخلت سوريا تحت اسم “حركة النجباء”، ويقدر عديدها بألف رجل، عاد قسم منهم إلى العراق.

– كتائب سيد الشهداء: انشقت عن لواء “أبو الفضل العباس”، وتقاتل في سوريا بزعامة أبي مصطفى الشيباني، وترتبط بعلاقات متينة مع فيلق القدس الإيراني. وتعد نحو 500 مقاتل.

– لواء ذو الفقار: ميليشيا عراقية، انشقت عن لواء “أبو الفضل العباس”؛ يقودها أبو شهد الجبوري، اشتهر اللواء بارتكابه أفظع المجازر بحق السوريين، لاسيما في داريا، ومدينة النبك بريف دمشق، ويقدر عدد مقاتليه بحدود 1000 مقاتل.

– لواء الإمام الحسن المجتبى: ميليشيا عراقية، اتخذت من حماية مرقد السيدة زينب بريف دمشق، ذريعة لدخول سوريا. ارتكبت أفظع الجرائم بحق المدنيين في منطقة السيدة زينب تعد حوالى 1000 مقاتل.

– لواء أسد الله: ميليشيا عراقية، يرتدي مقاتلوها ملابس تحمل شارات قوات التدخل السريع العراقية (سوات)، ويتزعمها أبو فاطمة الموسوي. يقدر عدد عناصرها بنحو 500 مقاتل.

– فيلق الوعد الصادق: ميليشيا عراقية- سورية مشتركة تنتشر أساساً في مناطق النظام السوري في حلب. تعد نحو 1000 مقاتل.

– سرايا طلائع الخرساني: ميليشيا عراقية- إيرانية مشتركة. تتبع لقيادة فيلق القدس، مهمتها الحالية تأمين مطار دمشق الدولي، يُقدر عدد مقاتليها بنحو 500 مقاتل.

– قوات الشهيد محمد باقر الصدر: تتبع التيار الصدري في العراق وتنتشر بأحياء مدينة دمشق، ويرتدي عناصرها لباس قوى الأمن الداخلي السوري، ويأتمرون بقيادة ضباط وزارة الداخلية، يقدر عددهم بنحو 800 مقاتل.

– لواء اليوم الموعود: ميليشيا عراقية- باكستانية، تتبع التيار الصدري في العراق، يُقدر عدد مقاتليها حوالى 350 مقاتلاً.

– لواء الإمام الحسين: ميليشيا عراقية وإيرانية وأفغانية وباكستانية مشتركة، ينتشر معظم عناصرها في حلب، ويقدر عدد مقاتليها بنحو 1000 مقاتل.

– منظمة بدر: ميليشيا عراقية- إيرانية مشتركة، وهي متخصصة بتنفيذ عمليات الاغتيال والخطف، وتنتشر في منطقة السيدة زينب ويُقدر عدد مقاتليها بنحو 1000 مقاتل.

– لواء بقية الله: ميليشيا عراقية- أفغانية، تنتشر قرب مطار دمشق الدولي. عددهم نحو 400 مقاتل.

– لواء فاطميون: ميليشيا أفغانية بإدارة إيرانية؛ يزيد أفرادها عن 1000 مقاتل. منيت بهزيمة كبرى في معارك محافظة إدلب في ربيع العام 2015.

وقد سعت إيران بشكل علني في دعم وإنشاء هذه الميليشيات، وصولاً إلى إعلانها إنشاء “حزب الله” السوري، وهو ميليشيا مشكلة حالياً من عناصر سورية، وضباط إيرانيين؛ أعلن عن تشكيلها القائد السابق للحرس الثوري الإيراني، حسين همداني (أعلن أيضاً أن إيران مستعدة لإرسال 130 ألفًا من عناصر الباسيج إلى سوريا، لتشكيل حزب الله- سوريا، فيما أعلن اللواء يحيى صفوي قبله بيومين أن الساحة السورية هي ساحة “مواجهة مع المحور الغربي الصهيوني المتمثل بأميركا والصهاينة والأوروبيين والسعودية وقطر والإمارات والأردن وتركيا، حيث أراد الأميركيون إيجاد بديل للصحوة الإسلامية في سوريا… بعدما وصل نفوذ إيران إلى البحر المتوسط”-4/5/2014).

وفي مطلع حزيران 2015 وعلى أثر سيطرة جيش الفتح على محافظة إدلب بشكل كامل تقريباً؛ ضخت إيران – وفق المصادر المحسوبة عليها- 7000 آلاف مقاتل إيراني وعراقي إلى سوريا؛ هدفهم الأول هو الدفاع عن دمشق ومناطق الساحل.

وإذ يواجه “حزب الله” معارضة متزايدة حالياً في مناطق نفوذه، استناداً إلى مواقف وفتاوى شخصيات شيعية تخالفه مقاربته الملف السوري، أمثال الشيخ صبحي الطفيلي، والسيد علي فضل الله، والسيد علي الأمين… إلا أن لا شيء يدل على تراجعه عن “دعاية الفتنة”، ولا عن القتال في سوريا، فقد أضاف أمينه العام مؤخراً دعوة إلى التحضر لـ “التعبئة العامة” التي “ستملأ الساحات بالرجال الرجال”، فيما وصف هؤلاء المعارضين بأنهم “شيعة السفارة (الأمريكية)” (23/5/2015).

ليس هذا فحسب؛ فصناعة الفتنة أوصلت السيد نصر الله إلى معادلة: جيش ومقاومة وحشد شعبي، على غرار النموذج العراقي، وذلك بعد تشكيل “لواء القلعة” لقتال شركاء في الوطن، فضلاً عن السوريين، في معركة “مصير” وصلت إلى حد قول نصر الله: “حتى لو استشهد ثلاثة أرباعنا وبقي الربع ليعيشوا بشرف وكرامة سيكون هذا أفضل.

د.فادي شامية                                          

مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية

وسوم: العدد 645