نحن و الغرب والعنف
هناك تبادل واضح للأدوار وتكامل في المسعى الغربي لخلق حقيقة جديدة راسخة تلصق تهمة العنف بالإسلام كدين لا كممارسة من أقلية قليلة العدد تنتسب إليه ، فبالتلميح من طرف ما وبالتصريح من طرف آخر، وبمواقف " معتدلة " إلى أخرى متطرفة يساهم سياسيون ومفكرون وإعلاميون في نقش هذه الرؤية في الأذهان والشعور واللاشعور حتى يأتي يوم تصبح فيه من المسلمات كما يطمحون هناك رغم أن أعمال العنف التي يُتهم فيها مسلمون حالات شاذة ( كما تؤكد الوقائع والأرقام بجلاء تام ) في الحياة الغربية المتصفة بالعنف على أكثر من صعيد ، لكن للقوم حسابات سياسية وإيديولوجية تعضدها إمكانيات ضخمة تيسر لهم اتخاذ هذا الموقف والإقناع به ، تساندهم رغبة حكومية عربية في تصفية حساباتها مع الاسلام الذي تتمسك به الشعوب في وجه الأنظمة الحاكمة .
ونحن إذ لا نبرئ بعض الاسلاميين من الميل الى الخيار العنيف بسبب ثقافتهم المشوّشة وتكوينهم النفسي والفكري المبني على الغلوّ والتميز المَرَضي عن الآخرين ولو بقتلهم فإنّنا نرفض الرضوخ للأمر الواقع الذي يسعى الغرب لوضعنا أمامه ، ونعلم أن هذا الغرب كائن منافق لا يعرف الأخلاق ، أعماه تفوّقه المادي فما عاد يبالي بقيم ولا أديان ولا حرمات ، فهو – كما يرى العالم كله - يدين الحرب ويخوضها ، يتبرأ من العنف ويمارسه ، يرفع راية المحبة ويقتّل الأبرياء تقتيلا بشعا ، إنه – رغم مسيحيته التي يعلن التمسك بها في وجه المدّ الاسلامي – وراء مآسي البلاد العربية والإسلامية من العراق وسورية إلى فلسطين ووسط إفريقيا ومالي بعد أن عمل على تخريب العالم في حربيْن كونيّتين ثم في الهند الصينية ، مستصحبا ما كان عليه من عنف وعدوان وشرّ منذ حروبه الدينية الداخلية والحملات التي سمّاها " صليبية " ، ومن رحِمِه خرج أبشع ما عرفت البشرية من أنظمة سياسية كالنازية والفاشية والستالينية ، ومعلوم ان ما يُسمى بمحرقة اليهود قد قام بها غربيون مسيحيون لا علاقة لهم بالإسلام .
أما في الجزائر فقد جاء الجنرال بيجو غازيا ومعه الكردينال لافيجري ، جاء العسكري والقسيس ، وباسم المسيحية خربوا البلاد وأذلوا الشعب وحاربوا الدين واللغة والأخلاق وهم يزعمون أنهم جاؤوا برسالة حضارية ، هؤلاء الإرهابيون هم أوّل من ابتدع لفظ " الإرهابيين " لإطلاقه على المجاهدين الذين حملوا أسلحة بدائية لتحرير أرضهم من الاحتلال الفرنسي.
وللتذكير فإن الجيوش الصليبية عندما احتلت القدس خاضت في دماء المسلمين واليهود حتى بلغت هذه الدماء سيقان الخيول ( كما تصوّر ذلك مصادرهم هم ) أما عندما استردّها صلاح الدين فلم تحدث أية مجزرة بل عفا القائد المسلم عن المسيحيّين ومنح لهم الأمان حتى خرجوا من فلسطين ، وأما إبادة الغربيّين " المسيحيّين " للهنود الحمر واسترقاق الأفارقة من أجل بناء " حضارة الإنسان الأبيض " فأمر يتجاوزه الغرب ويتناساه بسهولة ليجد في نصوص القرآن والسنة أدلة وهمية تؤسس للإرهاب .
ويعرف كلّ دارس للتاريخ وللحركة الفكرية والثقافية أن الحضارة الغربية تتبنى المرجعية الإغريقية – الرومانية وتفتخر بها وتُبقي تراثها حيا وتجدد روحها ، وما يميّز حياة أثينا وروما بالدرجة الأولى هو الحرب والعنف ، وحتى أشعار كبير أدباء الإغريق " هوميروس " – التي ما زال لها قبول كبير في الثقافة الغربية – فهي تقوم على اعتبار الحرب مصدرا للشرف والثروة ، وهذا ما توارثته أوربا وأمريكا كدول وأنظمة وحضارة ثم ترمي به أفرادا لأنهم مسلمون.
لكن إلى جانب كلّ هذا علينا أن نجلّي للمسلمين قبل غيرهم الحكم الشرعي الصحيح بشأن الجهاد بغضّ النظر عن موقف الغرب منّا لأنه في الغالب يبحث عن ذرائع أو يختلقها اختلاقا لإنفاذ رؤاه وسياساته ، فخلافا لما تتبنّاه المدرسة الوهابية المشهورة بتطرّفها في كلّ شيء وما تمليه على تلامذتها و أتباعها فإن الجهاد في الإسلام كما يقول العالم والداعية محمد بن المختار الشنقيطي " ليس موقفا اعتقاديا ضد الكافرين، بل هو موقف أخلاقي ضد الظالمين ،وعلى عكس ما تراه بعض الجماعات الإسلامية المولعة بصياغة الأمور العملية صياغة اعتقادية لم يجعل الإسلام اختلاف الدين مسوغا شرعيا للقتال، فالجهاد في الإسلام ليس قتال الكافر بل هو قتال الظالم مسلما كان أو كافرا، فهو موقف أخلاقي مع العدل والحرية ضد الظلم والقهر، والمجاهد يقاتل الظالم لظلمه لا لعقيدته أو مذهبه، ولذلك كان من الجهاد الذي أمر به الإسلام قتال الباغي المسلم، وصد الصائل المسلم، والأخذ على يد الظالم المسلم " .
بناء على هذا فإنه على المسلمين – و العرب بالدرجة الاولى - و على الغرب مراجعة النفس والبحث الصادق عن الحلول الصحيحة لمشاكل التعايش بدل اختلاقها هنا وتجاهلها هناك ، ولن يجدي تعالي الغرب وعنصريته شيئا سوى مزيد من المآسي ، كما أن على المسلمين أن ينتجوا ثقافة الحياة في سبيل الله بدل الموت بأي ثمن.
وسوم: العدد 646