الماسترو، قيادة الأوركسترا أو الجوق السيمفوني

لا شك يلفت نظرك أحيانا وأنت تنتقل بين المحطات الفضائية المشهد الغريب لقائد الأوركسترا والذي يسمى بمصطلح فنه ( المايسترو ) يبسط ذراعيه ويحمل عصاه الصغيرة يؤشر بها ، وينقلها بعفوية من يد إلى يد ، لا بد أن يلفتك بذراعيه المفتوحتين تتهاديان كجناحي طائر ارتفاعا وانخفاضا ، وحركة وسكونا فيقود من أمامه عشرات العازفين الذين يبلغ عددهم أحيانا المائة عازف ، يعزفون على مختلف الأدوات الموسيقية منها الإيقاعي ومنها الوتري ومنها النفخي ومنها المفتاحي مع مجموعة من أصوات الكورال الداعمين . لا بد أن يلفت نظرك حتما هذا التوزيع الدقيق لحركة الصوت أو الدور حيث يتلقى كل فرد في الفريق الإشارة الرمزية لدورة انطلاقه على حسب السلم الموسيقي المرقوم أمامه ، فتترجم هذه الدقة وهذا الاتقان وهذه الأناقة الحركة إلى صوت يصل إلى الآذان والقلوب صوتا واحدا منسجما متآلفا متناغما لا نشاز فيه . يصل اللحن كما يسمونه على خير وجه وضعه عباقرته الكبار من أمثال بيتهوفن وموزارت ..

لا أدعي عليكم ، ولا أتمسح بما لا أدرك من العلاقة العجيبة بين أصوات السلم الموسيقي ، ولا أعلم كيف يؤلف الملحن بين الدو والصول واللا ، لا أعرف شيئا من هذا ، ولا أكاد أستوعبه . وعندما قرأت قول الفارابي أن علم الموسيقا هو فرع من علم الرياضيات لم ينقطع عجبي ، وأنه عندما قدم نفسه في مجلس سيف الدولة عزف لحنا فأبكى كل من في المجلس ، ثم عزف آخر فأبهج كل من في المجلس ، ثم عزف ثالثا فأنام كل من في المجلس وأنه تركهم نياما وخرج . كنت سأرجوه اليوم أن يعزف لحلب التي أحبها تأساء وتعزية لعله ينيم دعاة الشر فيها . ولكن أليس من عجب لا يقل عن عجبنا من الفارابي الذي قرر أن علم الموسيقا فرع من علوم الرياضة يقوم على إتقان العلاقة بين الصوت الزمن أن ندرك أن بتهوفن صاحب السيمفونيات الشهيرة كان أصم لا يسمع وأنه كان يتصور الصوت دون أن يسمعه ...

لا يقطعن أحد عليّ القول بإعلان النفير أو النكير عليّ بأنني أدعو إلى الموسيقا أو أستحلها أو أتشاغل بها عن الدم السوري المراق . إن كل الذي أريده هنا هو اقتناص الدرس من قائد الأوركسترا ( المايسترو ) البارع الذي ينجح في قيادة فريقه بتوافق وتعاون وانسجام ...

لا أحد يشك في أن كل ( آلة موسيقية ) في ذاتها آلة جميلة . وأن الأصل فيها ان تصدر أصواتا جميلة . وأن العازف المتمكن منها هو فنان قادر على استخدامها الاستخدام الفني السليم والجميل ؛ ولكن كم هي مزعجة هي الضوضاء الذي يمكن أن تصدر عن اختلاط هذه الأصوات الجميلة لو غاب عنها النظام والانسجام ...

فوضى الأصوات الجميلة هي ضوضاء بلا شك ، وفوضى الأصوات قد يكون سببه الأول ضعف أو عجز ( المايسترو ) الأول عن الوفاء بالتزامه

أو فوضوية العازفين وعدم انسجامهم وتنافسهم إلى السبق الزمني كل يريد أن ينفخ في ..أو يضرب على آلته أولا

هل نتصور ماذا سيحدث لسيمفونية وإن كان صاحبها بيتهوفن حين يسابق صاحب أداة نفخية دوره منافسة لصاحبه الإيقاعي أو الوتري فيسبق إلى النفخة قبل موعدها . بل ماذا سيحدث عندما سيدير كل عازف ظهره للمايسترو ويعبث بالأداة التي بين يديه كلعبة صبي يعبث بها على هواه ...

كنت أريد أن أوصل من وراء هذا المقال رسالة أنسانيها سماعي لتصريح إيقاعي بعد تصريح نفخي عن مستقبل المفاوضات التي يدبر لها المدبرون في سورية ..

سامحوني لقد نسيت ماذا كنت أريد أن أقول ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 652