الإنسان جوهر الثورة.. وليس آخراً...
عقاب يحيى
نعم الصديق العزيز صبري عيسى.. كنا، وما زلنا لا نؤمن بسجن لم نختره نحن، وعبرنا، عن وعي، قضبانه بوقت مبكر. كنا نعرف، وتذكر، كثير الظاهرات الطائفية، ونسمع عن قصص تشيب لها الرؤوس المتفائلة، وكان هناك من يحدثنا"بالأرقام والوثائق" عن وجود مؤامرة، بل مؤامرات طائفية.. وتلمّسنا ممارسات فجة، وفاقعة، وضاربة عرض الحائط بما نؤمن، وبالشعارات الكبيرة التي كانت تملأ الأفواه، والميادين، والصحافة ووسائل الإعلام، واستمعنا إلى ذلك الهسيس الخائف، والمتوتر، والخطير عن تغوّل الظواهر الطائفية مذ وصل البعث للسلطة عام 1963 بانقلاب عسكري لم يكن لقيادته فيه دور يتعدى وضع مباركتها له، والانصياع لشروط الواقع، والصراعات المتناوبة..
كان هناك طائفيون في مواقع مهمة، خاصة في المؤسسة العسكرية، واستفاد كثيرون من التموقعات الطائفية لتحسين أوضاعهم والاستقواء بما أوجدوه من"استزلامات" على هذا الساس وغيره، وكان هناك حهل في بنى العديد، وازدواجية مفهومة في التركيبة، وصراعات بينية في الأشخاص حول المستقبل والماضي، ورجرجة الحاضر بينهما، وتخلّع كثير المبادئ المرفوعة أمام قوة مؤثرات ذلك الداخلي: الجواني المغلف بالستر، وأشكال من الحيثيات المتمظهرة بألوان مغشوشة، أو واقعية، او"ثورجية"..
ـ لكن الكثير لم ينخلعوا: بالمعنيين عن إيمانهم، وتقديراتهم. لم يأخذهم الموج العاتي ويقذفهم وفق قوته واتجاهاته، وبانتهازية مقرفة أحياناً، وتصنّع في الركوب، والهبوط، والتمشّعر بالشعبوية، والأكثرية، والأقلوية، والاضطهاد، والاستغلال المركّب، والمظلومية، وبالطبقوية بديلاً لرؤية الواقع كما هو..
*****
يستحيل بعد هذا العمر الذي لم يبق فيه الكثير، والدنيا ثورة حرية، كما يُفترض لدى المؤمنين بها، أن نتحوّل إلى عصب، وأدوات، وشراذم مذهبية، وأن يصبح أحدنا داعياً لطائفته التي لم يكن يوماً محسوباً عليها، او مؤمناً بها، او أن تواجه تحدّيات سخيفة كأن يصبح عليك ان تثبت كل يوم أنك لست طائفيا.. بل ولا تنتمي لتلك"الأقليات"، وان تعلن البراءة، وربما ممارسة فعل الشتم، والردح.. او تبني افكار طالما رفضتها وتجاوزتها باسم الأكثرية، والأكثرية المستهدفة، والأكثرية التي تقود الثورة.. وكثير من كلام صنعته الأزمة، وحالات الإحباط، ومستوى الجرائم التي تمارسها طغمة خبيثة تنجح في قيادة الأوضاع إلى حيث خططت، وإلى استبدال الصراع معها من صراع شعب بأغلبيته الساحقة من أجل الحرية، والمساواة، وتكنيس الاستبداد والفساد، إلى صراع مذهبي وعليك أن تخرط في أحد جبهتيه..
ـ مؤذيٌ جداً للثورة أن يفهمها البعض على هذه الشاكلة، وأن يحاول عقل متخلف جرجرتها إلى اقلوية ـ أخرى ـ مشبعة بالانغلاق، والتخلف، والكيدية.
***
ـ نعم الأكثرية، وهم من السنة بالتأكيد، هدف مركز للطغمة منذ البداية، لأن محاولة تطويف الثورة، واعتبار الذي يجري"فتنة" كان جزءاً من مشروع أجهزة المخابرات بدءاً، وقد دفعت نحوه بكل الوسائل، بما فيها أعمال مقصودة من الإبادة، والتطهير، والقتل الشنيع، وتأليب مليشياتها وقطعانها لفعل طائفي يوقد المشاعر، ويؤجج الصراع.
ـ ونعم، ايضاً، ان أغلبية المحسوبين على الأقليات الدينية، خاصة في الطائفة العلوية هم في صفّ النظام، وعديدهم يقاتل معه، أو يقف متفرجا ـ حالة الدروز والمسيحيين وعديد الإسماعيليين ، على العموم ـ
وصحيح أيضاً أن دخول إيران الفاضح، وقتال حزب الله المباشر، ومعه أحزاب ومليشيات شيعية متعددة الأصول.. منح الصراع ذلك البعد المذهبي التأجيجي، وبما يرسّم لصراعات مذهبية في عموم المنطقة، وقيام محاور على هذا الأساس..وانخراط نخب واسعة فيه..
إلا أن جوهر الثورة الثورية. جوهر الحرية والتعددية. حاضر ومستقبل سورية، وبغض النظر عن موقع"الأكثرية" فيها لا يمكن أن يكون طائفيا، ولا عبر الحرب الطائفية التي يُراد الدفع إليها وإغراق بلادنا فيها..
ـ في هذه اللوحة، وإذا كان المنطقي، والمطلوب من جميع المحسوبين على الأقليات المذهبية أن يدينوا الفعل الطائفي الذي يمارس باسم الطوائف التي ولدوا فيها، أو ينتمون إليها، وأن يواجههوه بفعل منظم، وضمن خط الثورة العام، ويالالتحام مع الأكثرية بالمفهوم الجمعي.. فالفرق كبير بين تحديد التخوم ووضوحها، وبين التحوّل إلى عصيّ وأدوات وأفكار ومشاريع طائفية ..، مهما كان حجمها، ولونها .