الغزو الروسي لسورية ...هل حقق أهدافه !؟ والانسحاب الروسي حقيقته وأبعاده
في قرار فاجأ الرأي العام ، على كل المستويات ، طالب الرئيس الروسي بوتين ، مساء الاثنين / 14 / 3 / 2016 ، وزير دفاعه بالمباشرة في سحب قواته ( طائراته ) من سورية . وكما أبلغ الرئيس بوتين وزير دفاعه بقراره هذا بطريقة مقتضبة ومباشرة ، فقد أبلغ بشار الأسد القرار الرئاسي الروسي بالطريقة نفسها .
وحين خرج الإعلام السوري ، يدعي بأن القرار الرئاسي الروسي كان بالتنسيق مع الرئيس بشار الأسد ( حسب تعبير الإعلام السوري نفسه ) رد الرئيس بوتين مباشرة ، بأن القرار الروسي كان رئاسيا ، ولم يتم بالتفاوض مع أحد . فكانت لطمة فوق الصدمة ربما لن يستفيق منها المترنحون في دمشق بعدُ أبدا .
الرئيس بوتين سوّغ الانسحاب بالقول إن القوات الروسية في سورية قد حققت أهدافها . وأن قواته تنسحب بجملة طائراتها وليس بكلها ، و أنها تترك وراءها كل ما بنته من قواعد عسكرية وصاروخية ، وأنه ستستمر بضرب بعض الأهداف على الأرض السورية المستباحة ، وأن هذه القوات ستظل تراقب المشهد عن كثب ، كلام له دلالاته ومراميه التي لا يجوز أن تنسى .
وإذا كان بمقدور بوتين أن يُسكت الأسد بالقول إن قرار الانسحاب كان رئاسيا روسيا بامتياز ؛ فإنه لا يستطيع أن يسكت الشعب السوري بالقول بأن حملته البربرية الغاشمة قد حققت أهدافها !!
بالفعل قد تكون الحملة الروسية قد حققت أهدافها على الصعيدين الدولي والإقليمي ، والتي ربما يحق لبوتين أن يفخر بتحقيقها، وفي مقدمتها على الصعيد الدولي ( الكسر على أنف الرئيس الأمريكي وإدارته ودولته والاتحاد الأوربي وقادته ) بارتقاء الاتحاد الروسي مرتقى لم يكن الاتحاد السوفياتي ليجرؤ عليه في أوج تحدي الحرب الباردة . لقد أثبت بوتين للمرة الثانية في أقل من خمس سنوات أنه رئيس فاعل في العالم يحتل دولا ، ويغير خرائط ، ( أوكرانيا والقرم ثم سورية ) ويتحدى الناتو خلف خطوطه الأمامية ، فيبني قواعد صواريخه خلف ( تركية قاعدة الناتو المتقدمة في مواجهة روسية ) . نجح بوتين في كل هذا ، واستهتر بالعقوبات الاقتصادية لأعدائه وهو يضع قدميه في المياه الدافئة ، ويديه على منابع الغاز الواعدة في شرق المتوسط ، يستحوذ عليها لكي لا تكون منافسا مستقبليا لسلعته الأساسية ، ونجح بوتين ثالثا في إقناع ( نتنياهو) المتمرد على أوباما ، أنه يمكن أن يكون الشريك الاستراتيجي الذي يؤمن الرخاء ويبعث على الاطمئنان .
وفي مقابل كل هذه الانجازات فإن بوتين لا يستطيع أن يزعم أنه حقق في سورية أهدافه . فهو مع 9000 طلعة جوية لم يستطع أن يصيب من الأعداء الذين صنفهم مسبقا ( إرهابيين ) أكثر من 600 مقاتل فقط . وحين يبدو بوتين وكيري شغوفين في إظهار أنفسهم كمنتصرين فإن عليهم أن يدركوا أن هذه التنظيمات ذات الطبيعية النامية الزئبقية سوف تجد الفرصة دائما لتعويض ما خسرت ، وإعادة الانتشار من حيث انسحبت .
أما الأهداف التي حققها بوتين من حيث يريد أو لا يريد ، والتي يجاحد ربما في الاعتراف بها؛ فهي كسب العداوة التاريخية التي كرسها في قلوب السوريين ، بل في قلوب العرب والمسلمين . وهو مكسب تاريخي آثم لن تستطيع أي سياسة روسية براغماتية أن تمحوه من عقول الأجيال لزمن بعيد . ستشهد على بوتين أشلاء المستضعفين من النساء والأطفال ، وأعداد المستشفيات والمدارس والمساجد التي دمرها طيرانه بغباء استحق به بوتين وطياروه وصف ( مجرم الحرب ) عن جدارة في ضمير الإنسان السوري .
وغير هذا فكل مكسب أو أثر أحدثه الطيران الروسي على الأرض السورية فزائل . القوى التي زرعها أو دعمها وأعانها هي كزرع يهيج ثم تراه مصفرا . وهذا هو التقويم العام لما كان ولما يمكن أن يكون .
أما الحديث عن حقيقة الخطوة الروسية ، ونظرا للطبيعة المراوغة للرئيس بوتين ، فإن الكثيرين ، مع الشواهد المتوافرة التي تؤكد جدية الانسحاب الروسي وصدقيته ، ما تزال تتمسك بإمكانية أن يكون الانسحاب مجرد مناورة رخيصة ، مناورة تتزامن مع مفاوضات جنيف ، يريد الروس من ورائها أن ينتزعوا لأنفسهم من خلالها الجدية والمصداقية ، وأن عملية الانسحاب التي لا تكلف الروس أكثر من رحلة طيران لأسطولهم الجوي يمكن أن يعودوا إلى استئناف مهمتهم القذرة في أي لحظة . وهذا ما صرح به بوتين ، والذي ما زال يلوح به صعاليك بشار .
والقراءة الأقرب للصواب في تفسير القرار الروسي أنه استعلان خلاف حقيقي على أجندة مفاوضات جنيف . بين ما أعلنه وليد المعلم من خطوط حمر على أجندة جنيف وبين ما يريد أن يناور عليه الروسي أو يلعب عليه. لا يجوز أن ننسى أن التناقضات (الروسية – الإيرانية ) قد طفت على السطح ، منذ أول يوم للغزو الروسي لسورية . واليوم يبدو أن الكفة الإيرانية قد رجحت في قرار بشار الأسد . صراع مكشوف بخلفيته الطائفية ، وأبعاده الإقليمية ، زج الدب الروسي نفسه فيه بغباء فاستحق ما استحق من مقت وسخط وكراهية .
حين ينسحب الروس بعد تسعة آلاف طلعة جوية ، علينا أن نتساءل كم كلفت هذه الطلعات الاقتصاد الروسي ؟ وهل كانت الكلفة مجدية بالنسبة للنتائج ؟! هذا هو السؤال الذي يحاصر بوتين وكل المحللين الحاطبين في حباله .
انكشفت الغمة ، وانسحب الروسي من سورية ، غير مأسوف عليه ، بل مجللا بما يستحق من عار الجريمة التاريخية . وعاد السوريون يتساءلون: أين الأعاجم لا حلوا ولا رحلوا ؟ وسيرحل بعد الروسي الصفوي مشيعا بما يستحق من لعنات الأجيال ، وتبقى سورية للسوريين وحدهم ..
الثوار السوريون في ساعتهم مطالبون بإعادة تحديد أولوياتهم ، وتجديد أدواتهم ، لاستئناف ثورتهم بطريقة أجدى وأقوم وجمل ...
والسوريون جميعا في يومهم وفي غدهم مطالبون باستيعاب واقعهم واختيار الأفضل لأنفسهم ولأجيالهم . عيش مشترك في مجتمع متعدد موحد يسوده العدل وينتفي عنه الظلم والخوف ، لا أثر فيه لا للاستبداد ولا للفساد ...
وبين هؤلاء وأولئك وما يزال ( رجال اللحظة ) مطالبون بمبادرة إنقاذ ينقذون فيه هذه الثورة من صعلكة القيادات التي باتت تنزو على المنابر .
للرئيس بوتين كنت شريرا يوم قاربت وشريرا يوم غزوت فقتلت ودمرت فارحل شريرا خاسئا غير مأسوف عليك ...
" أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ "
وسوم: العدد 659