الانسحاب الروسي الجزئي، أسبابه ودواعيه

أعزائي القراء..

لم يعد في السياسة إصطلاح يدعى بالإنسحاب بالمفاجيء. 

وخاصة أن الوضع السوري تحت المراقبة المستمرة من الدول العالمية ودوّل المنطقة ، وأن الإجراءات المتخذة في معظم حالاتها تتم بالتشاور ولا أقول بالتوافق التام بين بوتين وأوباما وأحيانا مع دول إقليمية وأوروبية .

فالدخول الروسي وإحتلاله لثلاث مواقع في سوريا ثم بسط نفوذ طيرانه على كامل الارض السورية هو أمر منسق بالكامل مع الأمريكان ولكن هذا لايعني أن الثقة متبادلة بينهما ، إنما الشكوك تحيط بكل منهما حول الاخر. وحسب اخبار مسربه تقول إن الدخول والخروج وما بينهما من ضربات عسكرية نوعا وعددا وأمكنة وما تخلل ذلك من طروحات سياسية لجس النبض كان متفقا عليه بين الطرفين.

ولكن السؤال :ماذا كان يضير بوتين لو مهد لانسحابه بطريقة منسقة وبشكل أفضل 

قد يكون وراء ذلك عدة أسباب منها:

١- تذمر أوروبي واضح وحشد قوة بحرية أوروبية في بحرإيجه بذريعة وقف الهجرة الغير شرعية لاوروبا وقد إنسحبت إحدى القطع الفرنسية فور الإعلان عن الإنسحاب الروسي مما يدل على العلاقة بينهما وهذا يدلل على جدية الأوروبيين هذه المرة باتخاذ موقف موحد وخاصة بعد أن أتعبهم تدفق المهاجرين ، وقد يكون التنسيق وارد مع تركيا.

٢- تجربة سلاح نوعي بيد الثوار لصاروخ كتف اسقط طائرة أسدية في منطقة ريف حماة مما أعطى مؤشرا على أن اسقاط طائرة للاسد اليوم يعني اسقاط طائرات روسية مستقبلا فينقلب السحر على الساحر وخاصة أن بوتين على أبواب انتخابات تشريعية بعد ستة أشهر مع إستنزاف مالي قد يتحول لكارثة على بوتين ضمن ظروف أسعار الطاقة المنخفضة .

ماهي المكاسب التي حققها الروس والامريكان وهما يعملان اليوم كحزمه واحدة خلال أشهر الاحتلال.

لاشك أن هناك أمورا تحققت وأمورا لم تتحقق. 

ولكن من أهم الأمور التي تحققت هو إجبار الجميع على خفض نسبي لمعدل الإشتباكات اضافة إلى إحجام نظام الاسد عن قذف الشعب السوري بالاسلحة الطائشة والسامة وهذا التوقع مازال تحت الاختبار .فنظام الاسد هو رديف لنظام الغدر بل هو نظام الغدر نفسه.

والذي حققته روسيا لعميلها الاسد هو إعادة تأهيل نظام الاسد جزئيا بالوقوف على قدم واحدة فقط وهذا المكسب المبتور كان برضى أمريكا ، حيث لايرغب الروس والامريكان بأكثر من ذلك بعد ان وصل به الامر إلى شلل كامل في قدميه قبل الاحتلال الروسي ، كما أن الإنسحاب أقنع فعلا نظام الاسد بإعادة النظر بأسلوب التصلب الفارغ والعنجهية الإعلامية والتي يعتمد عليها حتى وهو يهوي الى الهاوية ، وأقرب مثال لذلك هو إعلام هتلر فقبل إطباق الحلفاء على ملجاه بساعات قليلة كانت اذاعاته تعلن أن الفوهرر سيفتتح غدا صباحا أضخم حديقة حيوانات في العالم . 

ولكن أهم ما في خطة الحزمة الامريكية الروسية المشتركة هو جس نبض الشعب السوري بمصطلح الفدرالية وتقديم هذا المصطلح للشعب السوري نيابة عن أمريكا وبعض حلفائها باسلوب : إما العودة للحرب والقتل والتشريد وإما الفدرالية.

والامر المثير للعجب أن الروس وهم أول من تكلم عن الفدرالية ، وأن الأمريكان أول من دعمها وحاول الاثنان تطبيقها في شمال سوريا بقوة السلاح بالاتفاق مع الحزب الديموقراطي الكردستاني بقيادة صالح مسلم حيث قدما لهذا الحزب كل التسهيلات على الارض نفاجأ اليوم بتراجع الدولتان عن هذا الهدف من خلال التصريحات والتي فقدت مصداقيتها .

وقد تعودنا الحذر الشديد في تحليل تصرف هذان الشريكان فإزدواجية التصريحات صارت سمة في كل مايتعلق بالسياسة حول سوريا. 

فإما أن يكون تخليهما عن هذا المشروع صادقا بعد أن تأكد لهما أن المشروع لن يكتب له النجاح للاسباب التاليه:

١- تسويق المشروع يحمل في طياته الفشل فتجاوب جميع الأقليات والتي رغبوا بتشجيعها كان سلبيا عدا المتهور صالح مسلم.

٢- الوضع الديموغرافي لايسهل لذلك فبعض الأكراد الذين تشجعوا لها واعلنوها من طرفهم هو إعلان نظري بحت فنسبة العرب والمسيحيين والتركمان في المنطقة المعلنه تزيد بنسبة الضعف عن المكون الكردي بمجمله موءيدا كان ام رافضا.

٣-يبدو أن هناك توافقا ولأول مرة بين إيران وتركيا على رفض المشاريع الفدرالية مهما كانت الحجة المبررة لذلك.

ولدى تركيا قوة ضغط جغرافية وسياسية وعسكرية لمنعها .

٤- ولكن الأهم ان الوضع العسكري للثوار بالرغم من فرقتهم يتفوق على اي قوة كردية باضعاف مضاعفة وخاصة في حال توحدهم لافشال هذا المشروع الفدرالي والذي سيقود الى مشروع تقسيمي حتما ان كتب له النجاح .

أعزائي القراء

يبدو أن الضعف الإقتصادي للمتورطين مع الاسد قد أرهقهم وهو ما صرح به بوتين علنا وأن الجميع وجد أن الحصول على الكعكة او إقتسامها مع الآخرين لم يعد في متناول أيديهم.

وأن قتل الشعب السوري والذي اشترك أعداءه في سفك دمه لم يعد يفيدهم أكثر

وأن التذرع بداعش كانت كذبة كبرى اخترعوها جميعا وكل تركها كطعم للاخر لمنازلتها ولكن الجميع أحجم عن ذلك لمقولة عامية تقول ( دافنينوا سوا).

واليوم يبدو أن إتفاقا في الطريق ولكن لم يوضع على سكته بشكل مدروس بعد حيث أن القناعة بدت في نهاية النفق واضحة فقد تم إستهلاك الاسد وتم عصره حتى النهاية وسينتهي في مرحلة سيتم تحديدها 

وسيتم ضبط الأمور بعده بإعلان تشكيل قوة إسلامية بقيادة السعودية على ما يبدو لضبط الوضع العسكري والفلتان الذي قد ينشأ في بداية العهد الجديد .

أما ملفات مكاسب بعض الدول ومنها روسيا فقد تحال الى مرحلة الادارة الجديدة ،وأما الانتهاء من داعش فلن يتم الا بيد السوريين أنفسهم .

وآمل ان لايكون ملف الفدرالية أحد هذه الملفات.

وسوم: العدد 660