بين قطر والإمارات... والهجوم الانتقائي
باستثناء المهتمين بمتابعة المسابقات الرياضية، لا يعرف الكثيرون في الوطن العربي شيئا عن رياضة كرة الطائرة الشاطئية، التي تُمارَس على الملاعب الرملية بالشواطئ، وبعدد لاعبيْن اثنين لكل فريق.
لكن الكثيرين من المهتمين بالشؤون السياسية، قد تعرفوا على تلك الرياضة من خلال الضجة التي أثيرت منذ أيام حول البطولة الدولية في قطر، لا لشيء إلا لأن الكيان الإسرائيلي قد شارك بفريق في المسابقة التي أقيمت في الدوحة.
ابتداء، قد أوضحتُ موقفي الرافض بصورة قاطعة لكل مظاهر التطبيع مع إسرائيل، وبالتالي أرفض التطبيع الرياضي بين قطر وذلك الكيان الصهيوني.
من حقنا أن نرفض استضافة قطر لفريق الكيان المحتل في المسابقة المُقامة على أرضها، لكن الإنصاف يُحتِّم ألاّ نتجاهل المواقف العديدة المشرفة لتلك الدولة....
لا نتجاهل وقوف قطر إلى جانب القضية الفلسطينية والجهود التي تبذلها لإعمار غزة ونصرة أهلها.
لا نتجاهل تأييد قطر لثورات الربيع العربي وحق الشعوب العربية في تقرير مصيرها.
لا نتجاهل الوساطات القطرية التي أنهت العديد من الأزمات الدولية.
لا نتجاهل موقفها الصامد إلى جوار السعودية وتركيا في دعم الشعب السوري والتمسك برحيل الأسد.
وإضافة إلى ذلك علينا –رغم إصرارنا على رفض التطبيع الرياضي- أن ننظر للحسابات القطرية التي رأت ضرورة القبول بوجود الفريق الإسرائيلي، نظرا لأن العديد من الدول والمنظمات الحقوقية تتربّص بها لإحباط استضافتها لكأس العالم 2022، والذي استطاعت من خلال استخدام الأوجه المتعددة لقوتها الناعمة، الحصول على حق استضافته على حساب منافسين كبار. وحينما نقول ذلك فلا يعني أننا نوافق على هذه الحسابات.
ولستُ هنا بصدد التبرير للرؤية القطرية، بقدر تناوُل تلك الانتقائية في النقد، والتي ظهرت في الهجوم اللاذع على قطر، في الوقت الذي يغضّ فيه المنتقدون الطرف عن أدوار مشبوهة للجارة الإماراتية.
وعندما أتحدث هنا عن الإمارات، فلا أقصد بها الشعب الإماراتي إجمالا، ولا أعني بها إمارات الشيخ زايد رحمه الله، ولا إمارات الشيخ خليفة بن زايد الذي أظهر تعاطفا مع ثورات الربيع، ولم يجد غضاضة في قبول التيارات الإسلامية الصاعدة إلى الحكم.
وإنما أعني الإمارات في عهد محمد بن زايد، والذي استطاع أن يمسك بزمام الأمور ويصبح الرجل الأول في الإمارات، رغم أن الشيخ خليفة الذي تم استبعاده من المشهد، لا يزال هو الحاكم بصورة رسمية.
رغم الالتقاء الشكلي للنظام الإماراتي مع دول الخليج في كثير من الملفات، إلا أن سياساته تثبت بما لا يدع مجالا للشك أنه يغرد خارج السرب، ويسير في عكس اتجاه المصالح الكلية للخليج والأمة العربية والإسلامية.
الأدوار التي لعبها النظام الإماراتي في وأد ثورات الربيع العربي ودعم الانقلابات والثورات المضادة لم تعد خافية على متابع.
أبو ظبي تسعى لضرب التحولات الديموقراطية في المنطقة، وكانت لها خطة نشرها موقع ميدل إيست البريطاني لإعادة تونس إلى الحكم الاستبدادي، كما هدّدت بزعزعة تلك الدولة بعد أن رفض السبسي عرضا بقمع حركة النهضة الإسلامية.
تقرير لجريدة "ميل أون صنداي" في أكتوبر الماضي، كشف تمويل الإمارات لشبكة سرية تربط بين شخصيات نافذة في بريطانيا والخليج، مهمتها صياغة سياسة بريطانيا وفق طموحات السياسة الإماراتية، وتستهدف التأثير على كبار الصحافيين البريطانيين وشخصيات في الـ بي بي سي، لخلق رأي عام يدعم سياسات الإمارات والهجوم على دولة قطر وجماعة الإخوان المسلمين، وتوقيع عقد بقيمة 60 ألف إسترليني شهريا مع مؤسسة لوبي للأغراض السالف ذكرها.
وقبل أكثر من عام ونصف، زارت شخصيات أمنية إماراتية مناطق كردية في العراق، والتقت ممثلين عن حزب العمال الكردستاني، ولم تنفِ الإمارات هذه الزيارة، بما يدعم ما تردد حول دعم الإمارات للحزب، وضلوعها في الاضطرابات التي شهدتها تركيا في الآونة الأخيرة.
وخلافا للدول العربية والغربية التي اهتمت بالفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، غاب الخبر عن الصفحات الأولى للصحف الإماراتية، كما عنونت سكاي نيوز عربية التي تبث من أبو ظبي، لخبر فوز أردوغان بعبارة "ديموقراطية الديكتاتور"، بما يؤكد أن الإمارات تقف ضد أي تحولات ديموقراطية في المنطقة، وفي مواجهة الإسلام السياسي وكل الدوائر القريبة منه.
الإمارات تورطت في العبث بالشأن الليبي، ظهر ذلك من خلال الرسالة المسربة التي تداولتها وسائل إعلام غربية، بعث بها المبعوث الأممي برناردينو ليون، إلى وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد، تفيد الاتجاه إلى فك الارتباط بين الإسلاميين والمصراتيين، والعمل على نزع الشرعية عن المؤتمر الوطني المناهض للانقلابي "حفتر" الذي يمثل امتدادا للدولة العميقة في ليبيا.
التوجهات الإماراتية الناقمة على جماعة الإخوان كانت وراء تأخر تحرير "تعز" اليمنية، بعد رفض القوات الإماراتية المشاركة في عاصفة الحزم تسليح المقاومة الشعبية بحجة أن صاحبها من الإصلاح الإخواني بحسب ما نشرت فورين أفيرز الأمريكية في أكتوبر الماضي، وهو الشيء ذاته الذي ذكرته قبلها صحيفة القدس العربي في أغسطس عن مصدر يمني، أن سبب توقف آليات الجيش والمقاومة عن تعزيز تعز هو اعتراض إماراتي مدعوم من أمريكا وبريطانيا.
الأدهى والأمر مما سبق، أن "أبو ظبي" تتبنى وترعى شبكة للتصوف السياسي تضم فيها رموزا صوفية، يتم تجييشها لمناكفة المرجعيات الدينية السعودية، من خلال جبهة صوفية عالمية، تتفق مع مخرجات المؤتمرات التي تنظمها مؤسسة راند ومعهد نيكسون وكارنيجي وغيرها من المؤسسات التي تخدم صناع القرار الأمريكي، والتي تؤكد في كثير من توصياتها على دعم التصوف والعمل على تمكينه نظرا لتناغمه مع المصالح الغربية والأمريكية، وهي القضية الخطرة التي سأفرد لها مقالا منفردا إن شاء الله تعالى عما قريب.
فمن الواضح أن النظام الإماراتي، يسعى إلى دور يفوق حجمه بكثير، ويهدف إلى تغيير الخارطة السياسية للمنطقة، ويدخل مع السعودية في علاقة تنافسية غير شريفة، ويعتبر نفسه في الوقت ذاته النائب الأمريكي في المنطقة، وهو ما يفسر إشادة أوباما بمحمد بن زايد، بأنه صاحب فكر استراتيجي.
فليست قطر التي استضافت الفريق الإسرائيلي وفق رؤيتها لحسابات المصالح، هي التي تستحق تلك الضجة وضرب الطبول، فهي لم تلعب يوما دورا في ضرب مصالح الأمة، ولم يعمل زعماؤها لبناء أمجاد شخصية تتعارض مع المصالح الكلية للأمة العربية والإسلامية.
وسوم: العدد 663