استراتيجية إيران الجديدة لمواجهة السنة و داعش
تقول إيران بشكل رسمي بأن مهمة القضاء على تنظيم داعش تتطلب وقتا طويلا ومضنياً ؛ لهذا لا بد من وضع إستراتيجيات قريبة ومتوسطة وطويلة الأمد لإضعاف هذا الكيان المتطرف، والحيلولة دون تمدده ليصل إلى العمق الإيراني ، وإلى سائر المناطق القريبة من مجالنا الحيوي -على حد تعبير طهران – لهذا لا بد من دخول المكون السني الإقليمي برمته ، وبكافة طاقاته على خط المواجهة ضد داعش ، ليتحمل وحده تبعات ما أنتج ، خاصة بعد سيطرة هذا التنظيم على مساحات كبيرة من سوريا والعراق .
وهذا الأمر سيحقق ضمنياً عدة أهداف إستراتيجية لإيران :
الإستراتيجية الأولى
الاستفادة من تقاعس المكون السني عن المواجهة ، وفي هذه الحالة تعتبر إيران أن هذا المكون حاضنة لهذا التنظيم ، و شريكاً لداعش في أفكاره وجرائمه .
مما لاشك فيه ، أن نتائج ما يحدث سيُمكن إيران والغرب من إعادة تعريف واقع المكون السني ، وسيكون وفق اعتبارها فئة بات ضمن المنظومة الاستكبارية التي باتت تدور في فلك السعودية وتركيا حسب زعم المنظر الإيراني؛ وهذا سيعتبر انجازا استراتيجًيا هامًا على كافة الصعد ؛ لا سيما الإستراتيجية ، والسياسية و العقائدية والثقافية والاجتماعية ، وسيضمن لطهران تحقيق نتائج باهرة سواء لجهة التقارب بين إيران و الدول التي باتت تعتبر أن الشيعة يمثلون الإسلام السمح القائم و ذلك على وفق الدعاية الإيرانية الكاذبة على الوسطية والاعتدال ومحاربة التطرف ، وسيمكن ذلك طهران من بسط نفوذها الإقليمي مستفيدة من الحرب ضد داعش والمكون السني الحاضن لها .
من هنا على طهران أن تتحرك وفق إستراتيجية مواجهة هذا الكيان و داعش في نفس الوقت ، وحشد كافة القوى الشعبية في المنطقة في "العراق وسوريا" بمختلف توجهاتها القومية والمذهبية " غير السنية " ، هذا على الصعيد الداخلي . أما على الصعيد الخارجي فسيتم الاستعانة بالقوى الإقليمية الصديقة والحليفة لإيران ، وتبادل المعلومات حول تنظيم داعش ؛و ستشارك إيران التي تعتبر نفسها من اللاعبين الإقليميين الأساسيين مشاركة فعلية في هذه الحرب ، و في التصدي للجماعات التكفيرية دون الدعوة من أحد .
ومن شأن ذلك إيجاد تغيير في موازنة القوى داخل العراق وسوريا والمنطقة ، والنهوض به للتصدي لهذا التنظيم الإرهابي ، وبالمقابل سيسهم في استئصال النفوذ السعودي والتركي على وجه الخصوص .
ولتوضيح ذلك بشكل جلي أكد القائد العام السابق للحرس الثوري الإيراني اللواء محسن رضائي أن إيران وضعت ضمن أقصى أولوياتها خيار مواجهة السعودية في القريب العاجل ، لأنها باتت تمارس إستراتيجية خطيرة هدفها الوقوف بوجه إيران ومشروعها القومي في سوريا والعراق ومنطقة الخليج .
الإستراتيجية الثانية
أن الإستراتيجية السابقة ستُشكل حافزًا لبقية القوى الشعبية كي تتبني هذا التوجه ، وسيعزز في نهاية المطاف من قوة التيارات المناهضة لداعش، وسيضمن أن تبقى طهران هي الدولة الصادقة لمساعدتها ونجدتها للوقوف ضد داعش .
من هنا لا بد من تجريد السعودية من أدوات الصمود التي تتوسل بها لمواجهة إيران ، ومنعها من مساعيها الرامية إلى إرسال قوات برية إلى سوريه لتغيير المعادلة على الأرض ، وهذا ما لن تسمح به طهران تحت أي ظرف .
النتيجة أن هناك صراع حقيقي بات يصل لمعركة كسر العظم مع السعودية ، وهو صراع مستمر ومؤثر دائم ، حيث باتت تنسحب آثاره على مختلف المصالح الإيرانية ، ولن تستطيع طهران احتواءه حاليًا دون التوسل كذلك بالإستراتيجيات غير المعهودة ، لهذا على إيران إعادة النظر بالأدوات والوسائل وتوظيف المتغيرات ، لحسم هذا الصراع لمصالحها القومية، وتجريد السعودية من أدوات التغيير والتأثير مهما كلفها الأمر .
الإستراتيجية الثالثة
تعتبر المعارضة السعودية والخليجية وما استجد عليها من تحولات بفعل التطورات الداخلية والإقليمية في هذه الدول ، فضلا عن المعارضين الليبراليين في الداخل والخارج، وأهمية التأسيس لإستراتيجيات لجهة التواصل معها ، من خلال استقطاب العناصر الشبابية المتمردة المعارضة لهذه الأنظمة ، والتي لا تزال عاجزة عن تحقيق انتصارات تُهدد بها الأنظمة السياسية لهذه المشيخات وعدم الاعتماد فقط في عملية الاستثمار على الأحزاب والتيارات الموالية والصديقة .
وتوظيف هذه القطاعات و خاصة المقيمة في الغرب لترسيخ فكرة وحقيقة أن الأنظمة الخليجية هي صانعة الفكر الإرهابي الذي يرفع شعار "صناعة الموت " .
النتيجة أن نتائج وثمار التعديلات التي أبدعتها إيران على استراتيجياتها سنرى نتائجها الدموية بشكل عاجل على المكون السني في العراق وسوريا وفي كل مكان ؛ لهذا لا بد من اعتبار ما تقوله طهران بمثابة إعلان حرب جديد على الأمة الإسلامية جمعاء .
د.نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أمية للبحوث و الدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 669