أو إصلاح بين الناس ...
أين المشيخة الموقرة ، أين القيادات المعتبرة ، من المقتلة في الغوطة !؟
ثلاثة أسابيع مرت على اقتتال الإخوة الأصدقاء ، من أصحاب المشروع الواحد على أرض الغوطة ، أرض الوعد ، من دمشق الجميلة الحبيبة .
ثلاثة أسابيع من الاقتتال مرت والحديث عن عشرات بل عن مئات من الضحايا و" الحدث " بحد ذاته فاجعة ، في زمن تكاثرت فيه الفواجع على السوريين الأحرار ، في الداخل والخارج على السواء .
ولقد ألجمت ( المصيبة ) أفواه أنصار الثورة ، فأرموا لا يدرون ماذا يقولون ؟ ولا كيف يعلقون ؟ فآثروا اللواذ بالصمت ، والهروب إلى الدعاء والرجاء.
وأطلق الحدث الفاجع ألسنة الأعداء والمتربصين والمشككين والمراهنين ، فطبلوا وزمروا وضخموا وتخرصوا واتهموا وكان من أبسط ما قالوه : هذه ليس إلا البداية والقادم أعظم .
بالغ المتربصون والشانئون في أعداد ، الضحايا ، الذين لا نستطيع في هذا المقام أن نرجو لهم بل نحن نخاف عليهم ، وتحدثوا عن سلاح ثقيل لم يستعمل إلا في قتال الأخ أخاه ، وتخرصوا في ذكر أسباب الفتنة ودواعيها ، فتحدثوا عن مكاسب وغنائم ولعاعات ، ونفخوا أكثر في كير الفتنة فنقلوا أو زوروا كلاما على لسان ، علتان وفلتان ، إذكاء لنار ، ونفخا في أوار ، وتحزب بعض زورا لفريق ليجد فرصة أفضل للتحريض والتسعير والتجييش بعض فعل سويلم اليهودي يوم جلس ينشد بين الأنصار ، أشعار يوم بعاث ..
من يعيش الواقعية المجتمعية والسياسية والثورية يدرك أن الخلاف بين الناس ، وفصائل الثوار من الناس ، قد يقع فيشتد في كل وقت وفي كل حين . تقول الحقيقة الشرعية (( وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ )) ولكن حل الخلاف ، ودفع البغي لا يكون دائما باللجوء إلى السلاح ، والجنوح إلى القتال ، بل يفرض الظرف على الإنسان حكما يكون فيه احتمال البغي أوجب وأحكم وأكرم من دفعه ، فيصبر الإنسان على الأذى ، ويرضى فيما يظنه البعض إعطاء دنيّة وهو يمارس التسامي في أسمى وأرقى صوره ..
وفي وضع تشتبك به الخيوط وتتعقد كما هو واقع السوريين اليوم ، لا يبدو أن البحث عن ( محق ومبطل ) أو ( مبغي عليه وباغ ) بين المتقاتلين من الحكمة في شيء . وإنما الحكمة كل الحكمة في نداء الأرواح والعقول والقلوب إلى الفيئة إلى الفضل ، وفي بيان حقيقة أن التفضل فوق الحق ، وأن الكرامة في العفو وليس في الاقتضاء.
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا
المبادرة اليوم في بيان حقيقة أن الطلقات التي تتبادلها الفصائل فيما بينها ، لا تنهال من فصيل على فصيل ، وإنما هو إطلاق حقيقي على عقول كل السوريين الأحرار وقلوبهم . إطلاق على روح الثورة وضميرها وإعدام لمصداقيتها ولمشروعيتها ، وقطع للطريق على المبشرين بها الداعين إليها ، والمدافعين عنها .
والدرس الذي يجب أن يستفاد من كل ما جرى ويجري من قبل ومن بعد ، في الغوطة وفي غيرها : (( يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا ..))
والسؤال الذي ظل يطرح نفسه من أول يوم تناذرت فيه أخبار الفتنة : أين هم المصلحون بين الناس ؟! أين هم الذين يرتلون ويعلمون ويبشرون (( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ )) ..
نسأل عنهم ليس فقط لتكون لهم هيئات ، وإنما ليكون لهم حضور ، يطير إلى الموقعة حيث تقع فتفصل بين المتباغين بالحق أو بالفضل والعفو ؟!
أين هم الذين يدركون الناس بمبادرة حاضرة سريعة يوم نشدوا رسول الله أدرك الأنصار في الحَرة ، فخرج إليهم سريعا : اللهَ ...اللهَ ..أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم ..
أين هم رجال المشيخة الموقرة على كل أرض ، وفي كل ميدان ؟! أين هم قامات القيادات المعتبرة ، التي تثبت في مستنقع الحدث رجالا لا أرجلا ، أين هم المتصدرون المتقدمون ؟! نسأل عنهم ليس لا ليصدروا بيانات ، أو يوجهوا نداءات وإنما ليسدوا أفواه البنادق ، ويلجموا ألسنة الفتنة ؟! ويسبغوا على الجميع ثوب الفضل ...
( ورجل آخذ بعنان فرسه في سبيل الله كلما سمع هيعة طار إليها )
وسوم: العدد 669