ثورات الأنظمة المضادة تحاكم ثورات شعوب الربيع العربي

تابع الشعب المصري  ومعه الشعوب العربية  وشعوب العالم جلسة محاكمة رئيس مصر الشرعي والمنتخب ديمقراطيا  محمد مرسي فيما سمي قضية التخابر مع دولة قطر ، وهي جلسة مثيرة للسخرية حيث أسرف القاضي الناطق بالحكم في سرد حروف وأرقام مستغلقة على أفهام المشاهدين كأنها طلاسم  لمدة زمنية معتبرة قبل أن ينطق بأحكام في منتهى القسوة على المتهمين تراوحت بين الإعدام شنقا  والسجن المؤبد والسجن الشاق لمدد طويلة . وكان نصيب الرئيس مرسي عقوبة  السجن المؤبد إلى جانب  عقوبة السجن مدة خمس عشرة سنة ،وهو ما لم يحكم به على جواسيس من الكيان الصهيوني ثبتت إدانتهم  وأخلى القضاء المصري سبيلهم مرغم الأنف  ومسلوب الإرادة  . وكانت عقوبة صحفيين مصريين يعملان بقناة الجزيرة القطرية هي الإعدام شنقا إلى جانب آخرين كلهم  يودون خارج أرض مصر . ومن التعليقات التي نشرتها قناة الجزيرة عن هذه الأحكام تعليق أحد أعضاء هيئة  الدفاع عن جماعة الإخوان المسلمين والذي صرح بأن هذه المحاكمة  عبارة عن محاكمة الثورة المضادة لثورة يناير، وهو تعليق اختصر ما يحدث في مصر وفي البلدان التي شملتها ثورات الربيع العربي .  ومعلوم أن ثورات الربيع العربي رفعت شعار محاربة الفساد وإسقاطه، وقد تم بالفعل إسقاط أعتى الأنظمة الديكتاتورية في مصر وليبيا وتونس واليمن إلا أن هذه الأنظمة سرعان ما عادت من جديد لتواصل استبدادها وفسادها وإفسادها عن طريق ثورات مضادة مختلفة في أشكالها لكنها متفقة في أهدافها . ففي مصر وبعد إسقاط نظام حسني مبارك واعتقاله وإدانته بالديكتاتورية والفساد وسفك دماء ثوار ثورة يناير و محاكمته استطاع أن يقود ثورة مضادة كان قد راهن عليها قبل عاصفة ثورة يناير ليحول عن طريق جهاز قضائه إدانته إلى براءة ، ويعود إلى الحكم عن طريق رمز من رموز نظامه والذي قاد انقلابا عسكريا ضد الشرعية والديمقراطية، فأخذ الرئيس الشرعي المنتخب ديمقراطيا  محمد مرسي مكان الرئيس المخلوع حسني مبارك في السجن ، وانطلقت عملية معاقبة الثورة المضادة لثورة يناير حيث سخرت الثورة المضادة القضاء المأجور التابع لها لمحاكمة كل من كانت له صلة بثورة يناير التي أفسدت على النظام الفاسد راحته وبحبوحة عيش، وغصت السجون والمعتقلات  بعشرات الآلاف من رافضي الثورة المضادة والانقلاب وقد قضى منهم المئات دون محاكمات بسبب التعذيب والإهمال .وبدأت المحاكمات المثيرة للسخرية تصدر الحكم تلو الآخر في حق المتهم الواحد كما هو الشأن بالنسبة للرئيس مرسي الذي حكم عليه عدة مرات بالإعدام وبالمؤبد وبالمدد الطويلة . ومعلوم أن الثورة المضادة في مصر دبرت من خارج مصر مع رموز نظام حسني مبارك بل تم تمويلها من الخارج من أجل إنجاح الثورات المضادة لمواجهة ثورات الربيع العربي التي استبشرت بها الشعوب العربية المقهورة خيرا مخافة أن تعم العالم العربي وتنجح في تخليصه من وضعية ما بعد النكسة والنكبات . وعلى غرار الثورة المضادة في مصر حصلت ثورات مضادة في كل من اليمن وتونس وليبيا حيث تولت زمام الأمور في تونس رموز نظام بنعلي عن طريق ما يمكن تسميته مقامرة انتخابية رجحت كفة الثورة المضادة  على كفة ثورة الربيع التونسي . أما في اليمن فقد  عملت الثورة المضادة على تبرئة ساحة الرئيس المخلوع  علي عبد الله صالح وأشعلت نار الفتنة الطائفية لقطع الطريق على ثورة الربيع العربي . ونفس الشيء حدث في ليبيا حيث قاد رموز نظام معمر القذافي ثورة مضادة وجروا البلاد إلى وضعية التسيب  وعدم الاستقرار. وفي سوريا أيضا دبر النظام الديكتاتوري ثورة مضادة لثورة الربيع العربي  السوري والتي أتت على الأخضر واليابس وشردت الملايين  وقتلت الآلاف من الشعب السوري ودمرت البلاد تدميرا .  ولقد سقطت أقنعة الجهات الخارجية الداعمة للثورات المضادة لثورات الربيع العربي حيث تعاملت هذه الجهات مع تلك الثورات المضادة وكأنها ذات مصداقية ومشروعية على اختلافها واختلاف أساليبها في الإجهاز على ثورات الربيع العربي .وما لا تضعه الثورات المضادة في حسابها هو أن نفس الفساد ونفس الطغيان الذي قدح زناد ثورات الربيع العربي سيقدح ثورات شعبية أخرى مستقبلا لكنها ستكون حذرة من الثورات المضادة ،ولا تلدغ ثورات الشعوب من جحر مرتين. 

وسوم: العدد 673