جعلوك قاسيا يا الله
منذ صغري ارتبط صوت القرآن عندي بالموت ..والخوف ...والجن ..والبكاء....
أسمعه في بيوت حزينة رحل عنها عزيز ..
يسمعون آيات العذاب ..فيزداد الحزن والوجع..
أسمعه في غرف طرد الجن والشياطين ومشائخ الخرافات والزيوت المقريه فيزداد خوفي أنني محاطه بالجن أكثر....
ارتبط صوت القرآن بالبكاء...
لازلت اذكر بكاء النساء في صلاة التراويح في شهر رمضان ونحيب الإمام ...
لماذا...!!
ماذا اقترفن في حياتهن..!
هل تلطخت ايديهن يوما بقتل احدهم !!
كبرنا ...
وجاءت المدرسة ...
وجئن معلمات التربية الإسلامية ...
ليس علينا ان نحتشم ...بل ان نتنكر حتى لا يعرفنا احد ..( أدنى ان لا يعرفن فلا يؤذين)...
واكتشفت أن تفسير الايه كان ضد تمااااما ما نشأنا عليه....
جئن المعلمات في سن مراهقتنا ..
(من باتت وزوجها غاضب لعنتها الملائكة حتى تصبح )..
قد تموتي وانت نائمة ...
وإن كان ذلك...ستموتين وزوجك غاضب ...
والملائكة غاضبة...
والله غاضب..
وستتدخلين جهنم وبئس المصير ...
_يا ابله ..ولو الزوج هو الذي زعل الزوجة !
_اذهبي لمراضاته حتى لا تدخلي جهنم ..
تلك المعلمة...
التي قالت إن لمس الرجل للمرأة يبطل وضوؤه ...وكأننا نجاسات ...
التي قالت اكثرن من الصدقة فإنكن أكثر أهل النار ...
التي قالت...تقبل المرأة وتدبر في هيئة شيطان ...
حاشى وكلا ...أن يكون الله من خلقنا امهاتا واحن القلوب وأرقها أن يصفنا بما يصفون ...
جعلوك قاسيا يا الله
فهناك سبعين طائفة ...واحدة منها بالجنة والبقية في النار...
لا نعلم أيا منها صحيحة ..
وكل واحدة منها ترى نفسها صحيحة...
ستون طائفة ....كانت تظن أنها تعبدك يا الله بطريقتها التي تظنها صحيحة ...ستدخلها جهنم ...دون رحمة....ولن يشفع لها أنها كانت تحبك وأن أخطأت الطريق.....
ستون طائفة ..بالملايين من اتباعها ...جميعهم أسوأ منا ...
ونحن الطائفة الأكمل ...نحن الأفضل....هكذا قرر علماءنا ...وعلماء كل مذهب ...
وكبرنا ...
وتوسعت مداركنا ...
وقرأنا ...
وانطلقنا في الحياه ...
رأيناها اجمل من ان نخاف منها ...
كما قال (عمر با طويل) ...
رأينا الله في الزهور ...
نعم ..رأيناه في الزهور ..
في البحار ...والأشجار ...والسماء البعيدة ...
رأيناه في ضحكات الاطفال...
في الربيع ...والمطر ..
لم نراه في بكاءهم ...ونحيبهم ...وقبورهم ...
لم نراه في خوفهم ...ونارهم ...وجهنم التي يقصدون ...
كبرنا ...
واكتشفنا أن أغلب ما جاؤوا به ليس في الدين من شيء.....بل موروثات وعادات أرادوا بها أن نحيا ...وكان لابد من الترهيب والتهديد ان تركناها ...فربطوها بالدين ...
الدين الذي يعد من أكثر الفلسفات الكونية التي تؤثر بالبشر وأثبتت فعاليتها على مر العصور ...
كبرنا ....
وجاءت الثورات ...
وخرجت الجماهير مطالبه بالتغيير ....
وخرج معها الحداثيين ....والعلمانيين ....
وحتى الملحدين ...
وعرفنا الإخوان المسلمين اكثر...
وعرفنا الوهابيين اكثر....
وعرفنا الحوثيين اكثر....
رأينا القاعدة ...وداعش تتجول في البلاد.....
تعرفنا على أنظمة العالم أكثر....
واختلط الحابل بالنابل ....
وتعقدت المسميات ...
وتغيرت التوجهات ...
تأملنا وجوه القادة ...
نحن جيل لن ينسى ليله خطاب " مبارك" بالتنحي ...
ولن ننسى وجه " القذافي" في المجاري ...
ولم نستوعب رؤية "صالح " محروقا ...
وعرفنا "مرسى" وثورة مصر وانتخاب الدستور ...
كبرنا كثيرا كثيرا...
وتغيرت أفكارنا التي نشأنا عليها....
وكتبنا بالسياسة ...
وتعمقنا فيها حتى وصلنا للدين ..
وأصبح العديد منا يكتب مالم يكن يوما يجرؤ على كتابته ...
بل سيأتي جيلا أكثر جرأه مما نرى ...
جيل لن يكترث بما يقوله الأئمة على المنابر....
لن يهتموا بتلك اللحى والحديث عن الويلات والنحيب وعذاب القبور ...
عمر شابٌ صغير عاش وسط هذه العشوائية ...
كتب عنها برؤيته الجامحة ...
كان مخطئا او مصيبا...ليس مهما ...
فهو نتيجة هذه الفوضى التي كانت مخبئة وخرجت للنور ...
فمنا من لايزال يرتب افكاره...
ومنا من تمرد على موروثاته ك "عمر"...
يوجد الكثير من أمثال عمر...
يختبئون وراء أسماء مستعارة...
وبعضهم لا يكتب عن أفكاره بصراحة خوفا من نظرة المجتمع اليه...
الاختلاف ان عمر...كان يافعا. .منطلقا بقوة ...
لم يتريث ...
لم يفهم طبيعة من حوله ...
لم ينتظر أكثر حتى تتضح له الرؤية...
فمات عمر......
ليتنا أحببنا الله اكثر مما خفنا منه ...
لكنا أكثر عطفا وانسانية ...
ليس مهما من قتل عمر با طويل ...
بل من هي تلك البؤرة التي تنشر أفكارها بالقتل المباح ...لنصرة دين ينهار على أيديهم هم أنفسهم ...وليتهم يعلمون ....
كاتبة من اليمن
وسوم: العدد 673