براءة اختراع لـ«جريمة» التخابر مع قطر
حكمت محكمة جنايات مصرية السبت الماضي على الرئيس المصري المعزول محمد مرسي بالسجن المؤبد «لإدانته بالتخابر مع قطر»، كما قضت بإعدام ستة متهمين آخرين بالتهمة نفسها بينهم ثلاثة صحافيين أحدهم أردني، واثنان منهم من قناة «الجزيرة».
لا يصعب تفنيد جوانب هذا الحكم قانونيّاً وهو أمر كشفه مرسي نفسه الذي اعتبر أن المحكمة شُكلت بطريقة لا دستورية وغير قانونية بشأن محاكمة رئيس الجمهورية، كما بيّنه محامو الدفاع الذين بيّنوا بطلان أذونات الضبط والتفتيش لاستنادها لتحريات تخالف الواقع والحقيقة وتفتقد الجدية والكفاية، وكذلك بطلان استجواب المعتقلين لعدم حضور محامين معهم، وبطلان الاعترافات التي انتزعت بالتعذيب والاكراه البدني والمعنوي، وشهادات الشهود المتضاربة.
لا يفعل التهافت الكبير في الأسس القانونية للمحاكمة غير فضح تهافت الأسس السياسية التي بنيت عليها، بدءاً من التهمة نفسها (التخابر مع قطر)، والتي يجب أن تسجّل كبراءة اختراع لنظام الرئيس عبد الفتاح السيسي، فقطر هي بلد عربيّ، وأجهزة الحكومة المصرية «تتخابر» معها كلما كان هناك اجتماع مع الجامعة العربية أو مجلس التعاون الخليجي، بل إن الحكومة المصرية، في ظل السيسي نفسه، «تتخابر» مع قطر التي هي عضو في مجلس التعاون الخليجي، في شؤون عسكرية وأمنية، بينها تشكيل «جيش عربي»، وكذلك شؤون التحالف الذي شكّل في اليمن وغيرها من شؤون عسكرية وأمنية.
هذه الدولة الخليجية التي ساهمت في إنعاش الاقتصاد المصري بعد الثورة على الرئيس المخلوع حسني مبارك بضخّ مليارات الدولارات، لا تحتلّ أراضي مصرية، ولا تشكّل خطراً من أي نوع على الكيان التاريخي أو الجغرافي أو الثقافي لمصر، كما هو الأمر مع إسرائيل.
المطلوب إذن في خلفية أحكام تجريم مرسي وزملائه: أولا، تجريم التغطيات الصحافية المهنيّة لقناة «الجزيرة» حيث تظهر أحكام الإعدام بحق صحافيين أن «جرمهم» أكبر من غيرهم، وثانياً، تجريم استنكار الانقلاب على رئيس منتخب، وثالثاً، تجريم التنديد بالبطش بأكبر جماعة سياسية في مصر كلّها (جماعة الإخوان المسلمين).
لقد حظيت هذه «الجرائم» المذكورة كلّها، بعد حركة الجيش المصري للاستيلاء على سلطات مرسي وحكومته، بتوافق أغلب الدول الإفريقية، وأغلب دول العالم الديمقراطية بما فيها الاتحاد الأوروبي وأمريكا، وكانت الدول التي رحّبت فعليّا بالانقلاب هي إسرائيل وروسيا وسوريا وبعض الدول القليلة الأخرى.
الأصوات التي تعتبر المحاكمة «شأناً داخليّا مصريّاً» تعوزها الحكمة، فالأحكام، بداية، تمّ ربطها بدولة عربيّة بعينها، واعتبرت التواصل مع تلك الدولة «جريمة» تقارب التجسس والخيانة العظمى (على حد تصريح للمدعي العام المصري الراحل هشام بركات)، ويمكن للأسباب المذكورة اعتبار الأحكام، من جهة، تأجيجاً للصراع السياسيّ الداخليّ مع جماعة الإخوان، وتهديداً للإعلام المناهض للنظام، ومن جهة أخرى، استقواء بتحالفات النظام المصري الإقليمية في المنطقة، وخصوصاً مع إسرائيل، التي حذت حذو القاهرة قبل أشهر وحظرت الحركة الإسلامية داخل مناطق 1948، فيما تتابع الدولتان الحصار المزدوج لقطاع غزة.
أما في العالم، فيمكن اعتبار هذا التأجيج استقواء بحلف الاستبداد الذي تشكّل روسيا والنظام السوري أحد أهم حلقاته، وكذلك بحلف إقليميّ يرى في جماعة «الإخوان» العدوّ الأساسيّ الذي يجب القضاء عليه، وهي وصفة للحروب الأهلية العربيّة وآلية كبرى لإنعاش التطرّف، في الشرق، كما في الغرب.
وسوم: العدد 673