تفجيرات السعودية :إيران و الاطاحة بالأمير محمد بن نايف
لا شك أن ما جرى في بلاد الحرمين يتجاوز كل حدود ولكل ما يمكن أن يتصوره عقل ومنطق، حيث حاول الإرهاب الايراني الذي يختبئ زوراً وبهتاناً خلف عباءة الإسلام من خلال دعمه الواضح لإ نشاء تنظيم داعش الارهابي ، وليقوم هذه المرة بتجاوز دوره من خلال دفعه لمحاولة الوصول لمقام رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم لتفجيره ، حيث جاء تفجير المدينة ضمن سلسلة تفجيرات تمت في الأيام الأخيرة من شهر رمضان في المملكة السعودية، إذ وقع في نفس اليوم تفجيرً استهدف مسجداً في منطقة القطيف في شرق المملكة، و ذلك لإثارة الفتنة بين مكونات الشعب السعودي ولزعزعة الأمن و الاستقرار في الدولة السعودية وقد أعقب ذلك تفجير في جدة استهدف القنصلية الأمريكية و ذلك للنيل من العلاقة السعودية الأمريكية.
و السؤال ماهي الجهات التي تقف خلف هذه التفجيرات. ومن هو المستفيد الأول منها، ومن هي الجهات المتضررة ؟ و ماهي الرسائل التي يراد إرسالها ؟ .
أولاً - التوقيت : لا شك بأن دلالات ما جرى في السعودية يثير عدداً من التساؤلات حول التوقيت والدلالات والجهات التي تقف خلفها، فهل فعلا حصلت التفجيرات بقرار داعشي أم أن هناك قرارات سياسية و استخباراتية إيرانية تقف خلف قرار تفجير الوضع الداخلي السعودي ، ولماذا ؟ .
لا شك بأن طهران كانت تهدف من خلال دفع داعش لتنفيذ عملياتها الإرهابية تحقيق جملة من الأهداف :
يأتي في مقدمتها محاولة إيران إظهار أن تنظيم "داعش" وغيرها من الجماعات التكفيرية خرجت عن سيطرة الدولة السعودية على اعتبار تسويق إيران الدائم أن الدولة السعودية هي التي قامت بصناعة تنظيم داعش ، حيث أرادت طهران أن تثبت للرأي العام الداخلي والخارجي " الإقليمي والدولي " أن الحدث ليس "داعشيا" بالكامل، فهو داعشي التنفيذ ، سعودي القرار، ومحاولة إظهار أن قرار تسهيل مهمة داعش في التنفيذ اتخذته بعض الجهات النافذة في مؤسسات صنع القرار السعودي ، لتحقيق جملة من الأهداف :
أ- أولها الإطاحة بولي العهد الأمير محمد بن نايف، رجل السعودية الحديدي الذي قض مضاجع الإيرانيين بسياساته الأمنية الحاسمة ، التي أحدثت إرباكا لصناع القرار هناك ، و قد كانت إيران خلصت أن التحدي الأمني الأول لها ، يكمن من خلال الإطاحة بالأمير محمد بن نايف ، وهو ما تجهد إيران ليل نهار لتحقيقه ، لكن كيف ؟ أعطت دوائر صنع القرار السياسي والأمني والإعلامي الإيراني الضوء الأخضر لتنظيم داعش للتنفيذ عملياتها الإرهابية ، و وقد كان الهدف إحراج وزارة الداخلية السعودية التي يقف الأمير محمد بن نايف على رأسها ، ومحاولة إظهار أن هناك جهات في موقع المسؤولية الأمنية الأولى في السعودية ، لا تقوم بواجباتها على أكمل وجه ، وإلا كيف يمكن أن تحصل سلسلة اعتداءات بأوقات متقاربة إلى هذا الحد، وتصل إلى مواقع حساسة جدا ، وفي مقدمتها الحرم النبوي ، ومحاولة التسويق لفرضية أن هناك اختراق أمني كبير قد جرى ، والسعي للترويج كذلك بوجود ثغرات أمنية متعمدة ، الأمر الذي سهل من مهمة الإرهابيين ؛ مما يستدعي وجوب الإطاحة بالمسئولين المتسببين بذلك من جانب الملك سلمان ؛ وفي مقدمتهم ولي العهد الممسك بخيوط اللعبة الأمنية برمتها ، وهذا يفترض تقديم استقالات وإقصاء بعض المعنيين بهذا الشأن، لهذا دقت ساعة الصفر للتنفيذ. الأمر الذي سوف يسهم – حسب الاعتقاد الإيراني - بالإطاحة به وإبعاده بشكل مباشر عن الوصول إلى عرش المملكة، وهو أقصى ما تتمناه إيران الآن ، بعد الترويج لوجود صراع متفجر على السلطة في السعودية ، وقد أثبتت الفرضية الإيرانية عدم صحتها مطلقا .
- ب- ثانيها إرادة طهران من خلال تفجير الوضع الأمني في السعودية تأكيد الفكرة التي تتحدث عنها إيران يومياً أن السحر سوف ينقلب على الساحر ، في إشارة إلى أن السعودية سوف تكتوي بنار الإرهاب الذي صنعته ، والترويج " إقليمياً ودولياً " بأن السعودية ليست داعمة للإرهاب فقط ؛ بل لم تعد قادرة على ضبطه والسيطرة عليه ، بعد تعرضها لثلاثة تفجيرات خلال يومين .
ج- ثالثها إرادة إيران تأكيد فرضيتها ؛ بأن السلطات السعودية باتت عاجزة من الناحية الأمنية حتى عن حماية المقدسات الإسلامية ، لا سيما المسجد النبوي ، وبالتالي التمهيد للمخطط الذي طالما روجت إيران له ، وهو تدويل الأماكن المقدسة " مكة والمدينة " بحجة عدم قدرة السعودية على حمايتها .
د-رابعها إرادة إيران استنزاف جهود السعودية الطامحة لبناء قوة اقتصادية كبرى – وهو ما تعتبره طهران تهديداً مباشر لها - بعد وضع رؤيتها لتنفيذ خطتها الاقتصادية الطموحة " السعودية 2030 " الذي يرعاه الأمير الشاب محمد بن سلمان بخطى حثيثة، لهذا عزمت طهران لإحباطه من خلال توجيه موارد الدولة السعودية نحو الجانب الأمني .
ه - خامسها إرادة إيران تلميع صورتها على اعتبار أنها دولة تحارب الإرهاب ، واستجلاب أكبر قدر ممكن من موجات التضامن معها والتنديد بالاعتداءات عليها، والتغطية عما تقوم به من جرائم في سوريا والعراق ، هذا فضلا عن لفت نظر الرأي العام الإقليمي والدولي عما يجري من أحداث في الأحواز وبلوشستان والمناطق الكردية ، ما يساهم بتحسين وضعها أمام الرأي العام والمحلي للتغطية على ملفات عديدة يتم انتقاد إيران فيها من بينها ملفات انتهاكات حقوق الإنسان ، وتصاعد المؤشرات والدلائل بمسؤوليتها عن اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر.
و- سادسها محاولة إيران المستميتة الهجوم على المناهج التعليمية السعودية ، واتهامها بنشر الفكر الطائفي والدموي والمذهبي ؛ وأن ما جرى في الغرب من إرهاب ، وما يجري الآن في سوريا واليمن والعراق من فتن ما هو إلا امتداد للمشروع الوهابي التكفيري الذي ترعاه السعودية، ونسيت إيران أن مناهجها التعليمية هي أخطر من غيرها ، وأنها أسهمت في بناء أجيال مستعدة لتكون قنابل موقوته في أية لحظة .
الرسائل التي تريد إيران توجيهها :
لا شك بأن إيران هي المستفيد الأكبر من زعزعة الأمن في بلاد الحرمين ، حيث تسعى لتوظيف ما جرى لتوجيه رسائل مباشرة جاه عدد من الأطراف منهم :
الطرف السعودي : من خلال إيهامه بأنهم قادرون على قلب الطاولة رأساً على عقب من خلال تفجير الوضع الأمني في السعودية، وأن الرد على إعدام النمر لن يتأخر كثيراً، و أنهم لايستطيعون للوصول إلى أي مكان في السعودية و غيرها .
الطرف الخليجي لا سيما البحريني ، وذلك من خلال إيهامه يضابأنهم قادرون على الوصول إليهم لكم في أي وقت وحين، قياساً على النموذج السعودي ، وأن عليهم التراجع عن قرار سحب الجنسية من رجل الدين الشيعي عيسى قاسم .
الأقليات الشيعية : وذلك من خلال توجيه رسائل للشيعة منهم بأنهم موضع استهداف دائم من التنظيمات التكفيرية ، من خلال تفجيرات القطيف ، ورفع درجة التعبئة والتضامن بين شيعة المنطقة . هذا بالإضافة إلى محاولة إرسال رسالة إلى شيعة الشتات بأن إيران هي الحامي لكم ، والقادر على الثأر والدفاع عنكم في أي زمان ومكان.
الطرف الأمريكي : وذلك من خلال محاولة إيصال رسالة إلى الإدارة الأميركية تقول لهم إن مصالحهم في السعودية باتت مهددة فيما لو تخلت عن التعاون الاستخباري والأمني والسياسي مع إيران ، باعتبارها هي الدولة المؤتمنة الوحيدة لتكون شريكة مع الإدارة في مكافحة الإرهاب ، وهذا ما دفع لاستهداف القنصلية الأمريكية في جدة.
د. نبيل العتوم
رئيس وحدة الدراسات الإيرانية
مركز أميه للبحوث والدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 676