إلى قيادة النصرة وأركانها وكوادرها وأفرادها ...

أهلكم يتطلعون إلى فك الارتباط العملي وليس الإعلامي

تتردد في الفضاء الإعلامي أخبار عن عزم ( جبهة النصرة ) على فك ارتباطها بتنظيم القاعدة . وتغيير اسمها الذي زُج به في التصنيف الدولي تحت خانة (الإرهابي) .

قليل من السوريين المناصرين للثورة ، يشكك أو يتشكك في دور ( جبهة النصرة ) ومكانتها وتضحياتها . وكثير من هؤلاء شعروا بالصدمة وعبروا عنها ، يوم كشفت جبهة النصرة عن ارتباطها بتنظيم القاعدة ثم ما ترتب عليه . ومنذ ذلك اليوم لم تتوقف الدعوات والمناشدات لقيادة جبهة النصرة أن ترفع عن مؤيديها ومناصريها من السوريين الحرج ، وأن تعلن عن فك ارتباطها بتنظيم القاعدة ، هذا الارتباط الذي ظل ذريعة للتشكيك ليس في جبهة النصرة وحدها ، وإنما في الثورة السورية وفصائلها وفي تضحيات أبنائها ...

واليوم ، وإذ تلوح بالأفق فرصة تحقيق هذا المطلب ، الذي ظل أملا ، وإن كان في ظروف دولية وإقليمية وداخلية أكثر صعوبة ؛ فإن الأمل المنشود لن يحقق هدفه ومبتغاه ما لم يترافق مع ( فك الاتباط الإعلامي ) و ( تغيير العنوان ) عملية مراجعة شاملة للاستراتيجيات والأهداف والوسائل والعلاقات . وأن يتم ذلك على ضوء ما استقر من فقه أهل السنة والجماعة عند علماء أهل الشام ، مادامت الحركة تعمل على أرض الشام. وقديما قال عمر لمعاوية وقد ذكّره في ثيابه ومظاهر ملكه وسلطانه، فقال عمر ،رضي الله عن عمر ،: لا آمرك ولا أنهاك .

إن المنتظر من حاملي لواء جبهة النصرة المراجعة الشاملة على ضوء ما استقر من فقه أهل السنة والجماعة في بلاد الشام أولا ، ثم على ضوء المواضعات السياسية العامة التي تحكم العالم اليوم ، مما يعرف بالقانون الدولي ، وبالمواثيق والعهود الدولية ، فالثورة السورية إنما انتصبت لإزاحة ظالم مستبد فاسد مباشر اسمه ( بشار الأسد ) ، وليس ، وهي ثورة مستضعفين وليدة ، لتقوّم في هذا العالم كل اعوجاج ...

والمنتظر من مراجعات (جبهة النصرة ) ، أن تستشرف في منهجيتها الجديدة (المستقبل) لا أن تغرق في جزئيات وتفاصيل الماضي . القرآن الكريم نزل لكل عصر ، وليس ليحاصرنا في فقه عصر . المطلوب أن تعظم ما عظم الله من شعائر ، لا أن تستغرق في الجزئيات والصغائر . وأن تدور مع مقاصد الشريعة ، ولا تتوه في تفصيلات النقول والأقوال ..

نذكر قادة النصرة ، وكوادرها ، وأفرادها وهم أهل لكل خير من الذكرى بوصية رسول الله لسيدنا سفيان بن عبد الله الثقفي يوم قال : يا رسول الله إن شرائع الإسلام قد كثرت عليّ ، فقل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك ، قال ( قل آمنت بالله ثم استقم ) . إيمان واستقامة ، ونعما الوصية وصية رسول الله ..

ونذكر قادة النصرة بالكلية الجامعة في سورة العصر ، التي قال عنها الإمام الشافعي ، لو تأمل الناس في سورة العصر لوسعتهم : (( ... إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ )) ويكفينا في هذا العصر ( عنوانا لمشروعنا الإسلامي ) ( إيمان وعمل صالح ) وتواص بالحق وتواص بالصبر ..

ندرك إن ما تؤشر إليه هذه الكلمات ليس مطلبا سهلا ، وندرك أن بنيان ( جبهة النصرة ) لا يشبه بحال بنيان حزب مثل حزب البعث يتغير ببيان قطري تصدره القيادة المظفرة عقل بنيه ,,,

إن المأمول أن تشرك قيادة النصرة في عملية ( المراجعة الشاملة ) العقولَ والقلوبَ بحكمة وجرأة ، وبعلم وفقه ، وبمأثور ومعقول . ولا ضير على المسلم وهو يواجه اليوم واقعا جديدا ، ويستقبل تحديات جديدة أن يقول كما قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، وكررها الصالحون من بعده : لو استقبلت من أمري ما استدبرت ... 

هذه الدعوة الآملة تنطلق من خلفية النصح الشرعي أولا ، ومن خلفية الحرص على المصالح الشرعية للمسلمين بشكل عام ، ولأبناء الشام المصابر بشكل خاص . وتنطلق من حقيقة شرعية يطبق عليها جمهور أهل العلم والفقه والحكمة من علماء الإسلام الموثوقين وهي أن في الأسس التي قام عليه تنظيم القاعدة ، والتنظيمات التي سميت قبل بالجهادية ، أخطاءً شرعية مدمرة أجلبت على المسلمين وتسببت لهم بكثير من الشرور والآثام . 

إن فك الارتباط بتنظيم القاعدة لا ينبغي أن يكون إعلانا سياسيا فقط بل يجب أن يكون خطوة منهجية يؤسس لها في العقول والقلوب ، ليثمر ذلك فلاحا ونجاحا وديمومة واستمرارا وليدخل الاطمئنان والراحة والأمل إلى قلوب كل السوريين ..

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 678