مواقف كلينتون وترامب من قضايا منطقة الشرق الأوسط
يوم الأربعاء 27-7-2016، أقام "مركز الحوار العربي" في منطقة العاصمة الأميركية، أمسية مناقشة عامة، حول: "صراع الأجندات على حاضر ومستقبل أميركا.. وأين مصالح الأميركيين العرب في الأجندات السياسية للحزبين الديمقراطي والجمهوري؟". وقد تحدث في بداية الأمسية كل من الإعلاميين: محمد الشناوي، محمد سعيد الوافي وصبحي غندور، كما جرى تعليق على الهاتف من الإعلامي سعيد عريقات الذي كان يُشارك في تغطية مؤتمر الحزب الديمقراطي في فيلادفيا وقت اقامة ندوة المركز.
وقد استعرض الصحفي العربي الأمريكي محمد الشناوي مواقف مرشحي الرئاسة من تلك القضايا استنادا إلى دراسة تحليلية أعدتها مؤسسة بروكنجز ومقابلات أجراها مع الناشطين من العرب الأمريكيين في الحزبين فقال:
لم يركز السباق الرئاسي لعام 2016 حصرياً على السياسة الداخلية حيث لعبت السياسة الخارجية أيضاً دوراً هاماً، وتشكّل هذه القضايا جزءاً من أي حملة انتخابات رئاسية، نظراً لدور الرئيس كقائد أعلى للقوات المسلحة ومكانة البلاد على الساحة العالمية. وقد ظهرت قضايا السياسة الخارجية إلى الواجهة بخاصة مع ظهور المنظمات الإرهابية الدولية والهجمات الإرهابية في كلّ من فرنسا، وبلجيكا، والعراق، وتركيا، والمانيا، وأندونيسيا، وبوركينا فاسو، وكينيا، ولبنان، وحتى في الولايات المتحدة.
أصبحت السياسة الخارجية في الواقع موضع التركيز المهيمن على حملات مرشحي كلا الحزبين، وهذا أمر غير اعتيادي من بعض النواحي. لطالما اعتُبرت السياسة الخارجية مجال الحزب الجمهوري، وأظهرت استطلاعات الرأي العام منذ عقود أنّ الأمريكيين يثقون في الحزب الجمهوري أكثر من الحزب الديمقراطي عندما يتعلق الأمر بمثل هذه القضايا.
ولهذا يركز مرشح الحزب الجمهوري على تخويف الناخب الأمريكي من هواجس الأمن ليضمن أصوات من يؤمنون بأن مرشح الحزب الجمهوري هو الأقدر تقليديا على التعامل مع التهديدات الأمنية.
وفيما يتعلق بقضايا السياسة الخارجية وخاصة ما يتعلق منها بالشرق الأوسط تتمتع هيلاري كلينتون، باعتبارها وزيرة خارجية سابقة، بسيرة ذاتية أقوى من ترامب الذي يروج لمنطق خاطئ يساوي فيه بين التفاوض في مجال ادارة الأعمال التجارية وبين إدارة شئون السياسة الخارجية. كما لاحظ المراقبون لترامب أنه سريع الغضب ولا يستطيع التحكم في أعصابه مما يحول دون تمتعه بالحصافة والكياسة والروية وكلها أمور لازمة للرئيس الأمريكي في مواجهة الأزمات الدولية باعتباره القائد الأعلى للقوات المسلحة وبيده الضغط على زر يطلق العنان للقوة الذرية الأمريكية.
تتنوع قضايا السياسة الخارجية التي تجري مناقشتها في سباق العام 2016 إلى حدّ كبير من حيث طبيعتها. وتشمل هذه القضايا مسألة الأمن الالكتروني مع الصين والقضايا النووية مع كوريا الشمالية وقضايا السيادة في أوروبا الشرقية وديناميكيات السلطة مع روسيا والاتفاقات التجارية مع الاتحاد الأوروبي ودول المحيط الهادئ.
أما القضية التي تتم مناقشتها على نطاق واسع خلال الحملة الانتخابية، فهي ظهور تنظيم داعش وانتشاره وهجماته في العديد من من البلدان، بما في ذلك الاعتداءات التي نفذها متعاطفون معه في الولايات المتحدة.
وتتّصل بهذه المسألة نقاشات أوسع نطاقاً بشأن الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وبخاصة في سوريا والعراق وإيران ومصر وليبيا واليمن.
وبالإضافة إلى ذلك، شكّل الاتفاق النووي مع إيران الذي دخل حيز التنفيذ مؤخراً سياسة مثيرة للجدل لإدارة أوباما، كما أصبحت قضية حاسمة في الحملة. يدعم الديمقراطيون كلّاً من الاتفاق والرئيس، بينما يعارضه الجمهوريون بشدة، وفي هذا الصدد رصد المحللون السياسيون افتقار ترامب إلى فهم العلاقات الدولية والقانون الدولي حيث ادعى أنه سيلغي الاتفاق النووي مع إيران فور تسلمه السلطة إلاّ انه حتى وإن فعل فلن يكون لإلغاء الاتفاق من جانب الولايات المتحدة أثر يذكر لأنه اتفاق دولي متعدد الأطراف ولن تلحق بمثل ذلك الانسحاب الدول الكبرى الموقعة عليه.
كما لاحظ المحللون عدم دقة الأرقام التي يستخدمها ترامب فمثلا ادعى ان الاتفاق يعيد لإيران 150 مليار دولار كانت مجمدة في الولايات المتحدة بينما الرقم الحقيقي يقل عن 55 مليار.
أما قضية السياسة الخارجية الأخيرة المهيمنة على هذه الحملة، فتتعلق بالدعم الأمريكي لإسرائيل.
ويقول الجمهوريون إنّ العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل قد انهارت تحت إدارة أوباما وإنّ التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل واستقلاليتها ودفاعها ومصالحها ينبغي أن يشكّل جزءاً أساسياً من السياسة الأمريكية الخارجية.
لا يختلف الديمقراطيون عنهم بالرأي كثيراً، إلا أنهم لا يعتبرون الرئيس أوباما مسؤولاً عن أي تعقيد في العلاقات بين البلدين.
وقد حفل البرنامج الانتخابي للحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري بإشادات عديدة بكون إسرائيل الحليف الرئيسي للولايات المتحدة والعلاقات المتميزة معها ولكن تباينت مواقف الحزبين من حل الدولتين فبنما أبقى الحزب الديمقراطي على تبني حل الدولتين وإن رفض إضافة تعديل طلبه بيرني ساندرز بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووقف الاستيطان بحجة أن إدراج مثل ذلك التعديل سيقلل من قدرة الوساطة الأمريكية، أسقط الحزب الجمهوري حل الدولتين من برنامجه رغم أنه كان منصوصا عليه في برنامج الحزب عام 2012 بل وتعهد البرنامج بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس كعاصمة موحدة لإسرائيل.
وبشكل عام يُعتبر الشرق الأوسط منطقة حاسمة من الناحية العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية. كما وانّ استقرارها أو غياب الاستقرار فيها مهمّ بالنسبة إلى الشؤون المالية للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة ومختلف أنحاء العالم وسلامتها وأمنها. ويصل اهتمام الولايات المتحدة بالاستقرار حفاظا على المصالح الأمريكية في المنطقة إلى حد التعامل البراجماتي مع كل من يصل للسلطة في العالم العربي سواء جاء بالطريق الديمقراطي أو استولى على السلطة، وسواء أقام نظاما يحترم حقوق الإنسان أم كان نظاما قمعيا. وعكست اتهامات ترامب لهيلاري كلينتون بأنها كانت السبب في زعزعة الاستقرار في المنطقة بتأييدها للانتفاضات الشعبية في العالم العربي أنه سيواصل إذا أصبح رئيسا سياسة تفضيل الاستقرار على الديمقراطية متناسيا أن الاستقرار لا توفره الدول الفاشلة ولا الدول القمعية.
توجهات هيلاري كلينتون في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط
الدولة الإسلامية – تقدّم كلينتون استراتيجية من ثلاثة أجزاء للتعامل مع الدولة الإسلامية. يتضمن الجزء الأول هزيمة الدولة الإسلامية في العراق وسوريا من خلال زيادة العمليات الاستخباراتية، وزيادة ضربات قوات التحالف الجوية، وشن حملة برية تدعمها قوات أمريكية خاصة يقودها العراقيون السنة والأكراد وتضمّ شركاء أوروبيين ودول عربية مجاورة.
ويركّز الجزء الثاني على قطع تمويل الدولة الإسلامية وشبكاتها. ستعمل كلينتون على تحديث العقوبات الإرهابية التي تفرضها الأمم المتحدة، ودفع السعوديين والقطريين إلى منع رعاياهما من المساعدة بالتمويل، وإشراك المجموعات المحلية والمجتمعات المسلمة في جميع أنحاء العالم للمساعدة في مكافحة التطرف، بالإضافة إلى مكافحة التجنيد عبر الإنترنت بشكل نشط.
أما الجزء الثالث، فيركّز على الأنظمة الدفاعية في الولايات المتحدة، مما يحدّ من قدرة الدولة الإسلامية على اختراق الحدود الأمريكية أو التجنيد من داخلها.
سوريا واللاجئون – بالتزامن مع الجهود لمكافحة الدولة الإسلامية، تدعم كلينتون فكرة العمل مع مجموعات محلية لإزالة الأسد من الحكم والتخطيط للانتقال إلى حكومة معتدلة.
وتريد كلينتون أن يعيد الكونغرس النظر في تفويض استخدام القوة العسكرية ضدّ الإرهاب للعام 2001.
تؤيد كلينتون فرض منطقة حظر جوي فوق شمال سوريا قرب الحدود التركية، وإنشاء مناطق آمنة للاجئين تمكّنهم من البقاء في سوريا، في مأمن من "داعش" ونظام الأسد.
وستقوم كلينتون بإشراك العالم العربي للمساعدة في دعم هذه المناطق الآمنة. بالإضافة إلى ذلك، تدعم كلينتون استقبال الولايات المتحدة لعشرات الآلاف من اللاجئين ودفعها للحلفاء الأوروبيين والعرب لاستقبال المزيد من اللاجئين.
إيران/الاتفاق النووي – تقدّم كلينتون استراتيجية خماسية للتعامل مع إيران: أولاً، تعميق التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل من خلال دعم الدفاع، وتحديداً في مجال الكشف عن الأنفاق والدفاع الصاروخي.
ثانياً، التأكيد على أنّ منطقة الخليج تشكّل مصلحة أمريكية حيوية من خلال وجود عسكري قوي والحفاظ على مضيق هرمز مفتوحاً وزيادة التعاون الأمني مع دول مجلس التعاون الخليجي.
ثالثاً: مكافحة وكلاء إيران في الدول الأخرى وإشراك دول مثل تركيا وقطر في تضييق الخناق على الدعم المقدّم لهؤلاء الوكلاء.
رابعاً: التصدي لانتهاكات حقوق الإنسان في إيران، وخامساً: العمل مع دول عربية لوضع استراتيجية إقليمية شاملة.
تؤيد كلينتون الاتفاق النووي مع إيران وتصفه بمقاربة "غير موثوق بها، ولكن تحققت". وقالت إنها سوف تلجأ إلى عقوبات إضافية أو إلى القوة العسكرية إذا لزم الأمر لفرض الاتفاق.
إسرائيل – تدعم كلينتون التحالف القوي والمتين مع إسرائيل، فضلاً عن حلّ الدولتين.
وقالت إنها ستدعو رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى البيت الأبيض في خلال الشهر الأول من رئاستها لتعيد الالتزام بالتحالف بين البلدين ولإظهار تضامنها مع إسرائيل. كما قالت إنها ستلتزم بأمن إسرائيل من خلال توفير الدعم الدفاعي المذكور.
دول الخليج – تريد كلينتون أن تعيد التأكيد على أنّ منطقة الخليج شريك مهم من الناحية الأمنية والتجارية والدفاعية.
قالت إنّ السعودية أساسية من أجل التغلب على الدولة الإسلامية وتحييد إيران وتحقيق الاستقرار في المنطقة. تريد كلينتون أن تدفع الدول العربية، مثل السعودية وقطر وغيرها إلى بذل المزيد من الجهود لدعم المعركة ضد الدولة الإسلامية، سواء من خلال الدعم المالي أو العسكري.
كلينتون ملتزمة بحماية دول مجلس التعاون الخليجي من التوغل الإيراني، وقالت إنها ستدفع دول الخليج نحو اتخاذ إجراءات صارمة ضدّ مواطنيها الذين يقدمون الدعم المالي للمنظمات الإرهابية.
توجهات دونالد ترامب في التعامل مع قضايا الشرق الأوسط
الدولة الإسلامية – تقدّم دونالد ترامب بخطة معقدة يصعب اتباعها غالباً في ما يتعلق ب"الدولة الإسلامية" في البداية، كان متردداً بشأن التدخل في الصراع، بحجة أنه لم تكن لديه مشكلة في ترك روسيا تحارب الدولة الإسلامية. وقال إنه لا حاجة إلى التدخل الأمريكي وإنّ الولايات المتحدة تستطيع ببساطة "الاهتمام بالبقايا" بعد أن تهزم روسيا التنظيم.
وفي إطار أي جهد أمريكي، يؤيد ترامب استخدام عدد محدود من القوات البرية الأمريكية. يؤيد قصف حقول النفط العراقية لقطع إيرادات التنظيم، ولكنه يريد أيضاً أن تزوّد العراق الولايات المتحدة بـ 1.5 تريليون دولار أمريكي من عائدات النفط لسداد تكاليف الحرب.
يدعم ترامب قتل أسر مقاتلي الدولة الإسلامية في محاولة لوضع حدّ للتجنيد. ويقول إنّه ينبغي القضاء على الدولة الإسلامية قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع الأسد.
سوريا واللاجئون – أوصى ترامب باستخدام "قوة هائلة" ضد قوات الأسد وأعرب في الوقت نفسه عن قلقه إزاء ما سيأتي بعد سقوطه. وقد أعرب عن تشكيكه بموضوع تدريب المعتدلين السوريين وما إذا كان يمكن الوثوق بهم.
يعارض فرض مناطق حظر جوي في سوريا، ولكن يدعم إقامة مناطق آمنة. يقول ترامب إنه سيمنع اللاجئين من دخول الولايات المتحدة وإنه سيمنع جميع المسلمين من الدخول إلى البلاد حتى يقوم نظام الهجرة بتحسين إجراءات الفرز.
إيران/الاتفاق النووي – يعارض ترامب الاتفاق النووي مع إيران ويقول إنه قادر على التفاوض على صفقة أفضل. بدا تارةً أنه مستعدّ للتراجع عن الاتفاق، واقترح تارةً أخرى أنّ التراجع عنه استراتيجية سيئة. يقول ترامب إنه سيوقف البرنامج النووي الإيراني "بأي وسيلة ضرورية". كما ويؤيد زيادة العقوبات الاقتصادية لأكثر مما كانت عليه قبل الاتفاق على ما يفترض.
إسرائيل – أعرب ترامب عن دعمه الكبير لإسرائيل كشريك عسكري واقتصادي. يؤيد ترامب التحالف الوثيق مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. لم يكن واضحاً بشأن رأيه بإنشاء دولة فلسطينية. وهو يؤيد أيضاً الهجوم الإسرائيلي الأحادي على إيران.
دول الخليج – يطالب ترامب بأن تتحمل دول الخليج كلفة إقامة مناطق آمنة في سوريا، مضيفاً أنّ الولايات المتحدة يمكن أن تساهم ببعض المساعدة في هذا الإطار. ويقول أيضاً إنّ على السعودية التعويض مالياً للولايات المتحدة كلما ساعدتها هذه الأخيرة في حماية مصالحها.
القضايا الأخرى – يقول ترامب إنه سيعيد التفاوض في كل الاتفاقات التجارية الأمريكية التي تضرّ بمصالح الولايات المتحدة، بحجة أنه قادر على التفاوض على صفقات أفضل. يمكن لإعادة التفاوض في هذه الاتفاقات التأثير على الاتفاقات التجارية القائمة مع البحرين وسلطنة عُمان، وكذلك على الجهود المبذولة لإبرام اتفاقات تجارية مع منطقة الخليج. يقول ترامب إنه يؤيد استخدام حروب التعرفة، حتى ضدّ دول مثل الصين، التي قال إنها "لا تلعب وفقاً للقواعد". كما يقول إن على الولايات المتحدة التدخل في الصراعات في أنحاء العالم فقط عندما يكون تهديدها مباشراً على البلاد، وليس لأغراض إنسانية فحسب. وأخيراً، يؤيد ترامب الديكتاتوريين في مختلف أنحاء العالم إذا كانوا يضمنون الاستقرار.
الخاتمة
من المهم أن نشير إلى أنّ خطاب المرشحين الرئاسيين الأمريكيين لا يُترجم دائماً على أرض الواقع بعد تسلّم المنصب، ومعتقل غوانتانامو في كوبا خير مثال على ذلك. انتقد باراك أوباما المعتقل خلال حملته الرئاسية الأولى، وشكك في فائدتها والجدوى منها، وأعلن عن نيته إغلاقها. وبعد أكثر من سبع سنوات على توليه الرئاسة، لم يتمّ إقفال المعتقل بعد. كما أن التعهد بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس ظهر في كل برنامج انتخابي على مدي الفترات الرئاسية المتعاقبة ولم يحدث.
وبالتالي، من المهم ألا نفترض أنّ ما يقوله المرشح في حملته الانتخابية سيصبح سياسة بعد أدائه اليمين الدستورية. وفي كثير من الحالات، يكون ذلك أفضل. إنّ الحملات الانتخابية الرئاسية معروفة بتصريحات المرشحين المبالغ فيها، ووعودهم المفرطة، وجهودهم المبالغة لتمييز أنفسهم عن منافسيهم. وما من مكان يتجلى ذلك فيه بشكل أفضل من مجال السياسة الخارجية.
وسوم: العدد 679