هل تقاتل "داعش" ضد نظام الأسد أم معه؟!
هل تقاتل "داعش" ضد نظام الأسد أم معه؟!
فادي شامية
في العام 2004؛ أنشأ الأردني أبو مصعب الزرقاوي جماعة "التوحيد والجهاد"، كفرع لـ "القاعدة" في العراق. تطور التنظيم فيما بعد ليصبح تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين"، وقد أخذ على عاتقه مقاتلة الجيش الأمريكي، والتنظيمات الشيعية في العراق، والأحزاب والقوى المخالفة لنهج "القاعدة"، بمن فيها الأحزاب والقوى السنية التي تقاتل الأمريكيين. ولما قُتل الزرقاوي في العام 2006 تولى قيادة هذا التنظيم؛ أبو حمزة المهاجر ثم أبو عمر البغدادي، وبعد مقتلهما تولى قيادة التنظيم؛ العراقي أبو بكر البغدادي بعد أن أصبح اسم التنظيم "الدولة الإسلامية في العراق".
مع اتجاه الثورة السورية نحو العسكرة؛ ولد في نهاية العام 2011 تنظيم آخر يحمل فكر "القاعدة" هو جبهة "النصرة"، بقيادة أحد الذين قاتلوا سابقاً في العراق؛ السوري أبو محمد الجولاني، وفيما بعد نشأ تعاون قتالي بين البغدادي والجولاني.
نشأة "داعش"
في نيسان 2013 أعلن أبو بكر البغدادي – دون مشورة أو موافقة الجولاني- توسيع تنظيمه ليشمل سوريا إلى جانب العراق، فصار اسمه "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش اختصاراً، علماً أن التنظيم يرفض هذا الاختصار ويعاقب من يعتمد هذه التسمية في مواقع نفوذه).
رفض الجولاني اندماج التنظيمين؛ انطلاقاً من أن لكل تنظيم مجاله ومعرفته بخصوصية الجغرافيا والمجتمع الذي ينتمي إليه ويعمل فيه، ورفض البغدادي هذا التبرير انطلاقاً من أنه لا حدود تحد "الدولة الإسلامية"، ووجوب طاعة الأمير، فتحول التعاون بين التنظيمين إلى تنابذ ومن ثم تقاتل؛ أدى إلى انتقال معظم المقاتلين السوريين إلى تنظيم الجولاني، ومعظم الأجانب غير السوريين إلى تنظيم البغدادي "داعش".
اعتباراً من نهاية العام 2013 خاضت باقي فصائل الثورة السورية قتالاً شرساً راح ضحيته حتى الآن اكثر من ألفي قتيل، بهدف إخراج "داعش" من سوريا أو تحجيمها في مناطق معينة، جراء التشدد الذي اتبعته في التعامل مع الناس، وتكفيرها باقي فصائل الثورة السورية، وارتكابها فظائع في مناطق نفوذها.
ولم يقتصر الأمر على قتال "الجيش الحر" والفصائل الإسلامية الأخرى؛ فقد أدى الخلاف مع جبهة "النصرة" إلى قتال شرس بينها وبين "داعش"، وإلى تراشق إعلامي واتهامات متبادلة كبيرة، دخل في غمارها زعيم "القاعدة" العام أيمن الظواهري نفسه.
وفي إطار سعيها السيطرة على المناطق الحدودية مع العراق وتركيا؛ اصطدمت "داعش" في مناطق الحسكة والقامشلي وعندان، بالمقاتلين الأكراد؛ حيث وقع القتال الشرس بين الطرفين.
خدمتها النظام السوري
ثمة ما هو أكثر من شكوك وتخمينات حول تسهيل النظام السوري ولادة "داعش" ومنحها أراضٍ، وتمكينها من السيطرة على مخازن سلاح، لتحقيق هدفين؛ ضرب الثوار ببعضهم، وتشويه صورة الثورة السورية. وفي ذلك يتوسل النظام السوري جهل وتطرف هذه الجماعة من جهة، واختراق وعمالة بعض منتسبيها إليه من جهة أخرى.
والواقع؛ الذي ثبت تاريخياً، -وأثار في السابق امتعاض حليف النظام السوري حالياً؛ أي النظام العراقي-، أن النظام السوري كان يقوم بمثل هذه الأعمال، ويسهل انتقال المقاتلين من كل أنحاء العالم إلى العراق خلال بعض مراحل الاحتلال الأميركي لهذا البلد، مستعملاً ذلك في إطار الصراع في المنطقة، وللضغط على أميركا في زمن الرئيس جورج بوش.
ومن المعلوم أن ضخ المقاتلين الجهاديين إلى العراق عبر سوريا لم يتوقف إلا بعدما أثار أزمة كبيرة مع العراق، وبعد تدخل إيران، وتهديد الولايات المتحدة بشن هجمات على سوريا، عندها –فقط- تعاون النظام السوري، مع المخابرات العراقية والأمريكية، وقدّم كشوفاً بأسماء العابرين إلى العراق، واعتقل الآخرين الذين كانوا يعملون داخل سوريا تحت مراقبته، وأقفل الحدود بوجه القادمين الجدد.
وما يقوم به النظام السوري اليوم يندرج في إطار اللعبة نفسها -والتي سبق أن مارسها ضد لبنان أيضاً بعد انسحابه منه عبر تصديره جماعة شاكر العبسي-؛ فهو بالحد الأدنى يسهل نمو جماعات التطرف الإسلامي؛ بشرياً ومالياً وتسليحياً، ويطلق سراحهم، ويمتنع عن ضربهم، ويترك لهم مستودعات أسلحة ليسيطروا عليها بسهولة، ويكبر حجمهم حتى يصطدموا بالكتائب المقاتلة الأخرى، وفي الحد الأعلى يخترقهم بقيادات تعمل معه مخابراتياً، بحيث تقود هذه الجماعات إلى أعمال يستفيد منها إعلامياً وعسكرياً.
في 4 نيسان الماضي نشرت صحيفة "الشرق الأوسط" ضمن سلسلة من الوثائق الرسمية السورية المسربة التي تنشرها؛ وثيقة مقدمة إلى رئيس مكتب الأمن الوطني اللواء علي مملوك وموقعة باسم العقيد حيدر حيدر، رئيس اللجنة الأمنية في مدينة نبل ومحيطها في حلب، تؤكد -وفق المعلومات الواردة فيها- تسهيل النظام السوري ضخ مقاتلين شيعة بالمئات من العراق إلى سوريا، وقيامه بتأمين وثائق لهم تثبت -خلافاً للحقيقة- أنهم سنة، حيث يجري التحاقهم لاحقاً بـ "داعش" على أنهم "جهاديون".
وفي 21 من شهر أيار الجاري وضح أحد ضباط الجيش السوري الاستراتيجية التي يعتمدها النظام مع هذه الجماعات؛ مبيناً الفوائد التي يجنيها، وذلك في إطار مزايدة أحد مرشحي الرئاسة السورية في موضوع "الحرب على الإرهاب"، ودعوته إلى قصف مناطق الرقة التي تسيطر عليها "داعش". كتب العقيد محمد بركات في مقال؛ حمل عنوان "عدو عدوك صديقك"، مؤكداً أن مقرات "داعش" وإحداثياتها "معلومة لدى الجيش السوري وسلاح الطيران وأرتالهم مكشوفة، بل إن أرتالهم قد تمر بالقرب من قواعدنا ولكن يقال في المثل: إذا رأيت عدوك يدمر نفسه فلا تقاطعه". أضاف "قد لايعلم من ينتقد قيادة الجيش السوري أن داعش قتلت أكثر من ألفي إرهابي مما يعرف بالجبهة الإسلامية، وهي إحدى أكثر المجموعات خطراً في حلب، وتقتل حالياً المئات من مرتزقة القاعدة في دير الزور الذين ينفذون هجمات قوية على جنودنا"!.
وقد سبق هذا الاعتراف من جانب النظام بأيام؛ اعتراف من جانب أحد منتسبي "داعش" المنشقين عنها؛ أبي أحمد الذي كشف تفاصيل كثيرة عن التنسيق السري القائم بين "داعش" والنظام.
والواقع؛ أن مع كشف عنه بركات معروف أصلاً في الداخل السوري. معروف كيف تسيطر "داعش" على مخازن أسلحة النظام بسهولة، وكيف تُشغل الثوار عندما يلتحمون مع جيش النظام، وكيف تخلي مناطق تسيطر عليها لصالح النظام عندما تشعر أن الدفاع عنها صعب في مواجهة الثوار.
"داعش" في خدمة النظام السوري
لقد بات معلوماً جرائم "داعش" المريعة، وتشهويهها للثورة، وضربها للثوار؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ ضربها ثوار حلب (كتائب الفاروق)، وتفجير مقر كتيبة "أحفاد الرسول" في الرقة، واستهدافها لواء "الله أكبر" في البوكمال، وسيطرتها على منطقة أعزاز بعد جرائم كبيرة، وقتلها صحافيين أجانب بل صحفيين سوريين يعملون مع "الجيش الحر"، وذبحها نحو 100 أسير من الثوار مطلع العام الجاري، وتهجيرها الأكراد في الرقة، وقتلها قادة تنظيمات أخرى من وزن أبو خالد السوري، وقائد لواء الدبابات في الجبهة الإسلامية أبو المقدام قبل أيام... وغير ذلك كثير.
وعليه؛ فإن نسبة "داعش" إلى الثوار وتحميل ارتكاباتها إلى الثورة السورية لم يعد مقبولاً، ولا يمكن وضعه إلا في إطار التماهي مع استراتيجية النظام السوري في مواجهة الثورة، لأن الجهل بواقع نشأة وممارسات "داعش" وكثير من الجماعات المتطرفة الشبيهة؛ لم يعد خافياً على أي متابع أكثر من أي وقت مضى.