الرهان على "السيس" الخاسر

الرهان على "السيس" الخاسر

أبو بكر قرط

عضو تجمع الكتاب الفلسطينيين الشباب

[email protected]

الرهان على الأحصنة القوية والسريعة في السباقات هواية قديمة جديدة، حيث كانت العرب تتخير حصاناً فحلاً قوياً وتتوسم فيه الفوز في السباق، ومن ثم يُدفع للمراهن على الحصان الفائز ما اتفق عليه من مال في حال فوزه. ويبدو أن فكرة الرهان لم تقف عند هذا الحد، بل تطورت على مر الأزمنة ليتم الرهان على مخلوقات أخرى مما خلق الله ، ولسنا هنا بصدد التنابز بالألقاب، بقدر سعادتنا أن امتد بنا العمر لنشهد رهاناً سياسياً تم تدشينه، وحُشد له من الإمكانات المالية، والشرعية السياسية، والإعلام، والتأييد ما يكفي لبناء دولة من العدم، كل ذلك على أمل أن ينجح هذا المخلوق الأسطوري في أن يكون عند حسن ظن من راهن عليه وبذل في سبيل فوزه الغالي والنفيس. ولكن هذا الحصان سرعان ما خيب ظن المراهنين، واكتشفوا في الجولة الأخيرة من السباق أن الأحصنة تشابهت عليهم، وكانت الصدمة حينما علموا أن هذا المخلوق في رتبة أقل من الحصان، ولكنه مع ذلك ذلول يحمل أثقالهم إلى بلد لم يكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس.

وحتى لا نغرق في الإبهام، فقد وظفت دول عالمية وإقليمية في دعم ومساندة الانقلاب العسكري في مصر مبالغ ضخمة، وعلقت على قائده آمالاً كبرى مصورة إياه في صورة المخلص الذي جاء في ليلة ليلاء ليزيل عنهم كابوساً أحاط بهم، وأقض مضجعهم. واليوم وبعد مرور فترة كافية كي ينجح قائد الانقلاب في حسم انقلابه، ما زال يراوح نقطة البداية، ولم تزده الأموال التي انهمرت عليه من القريب والبعيد، والآلة الإعلامية التي سُخرت له، وأدوات الترهيب والقمع التي استخدمها لإقصاء خصمه السياسي، لم يزده هذا كله إلا اقتراباً من طبيعته، وتسليماً بقدراته، ولم تزده معاشرة الخيول، ومحاولة التطبع بها إلا تسليماً ووفاء لاسمه وذاتيته.

حالة الحرج الشديد التي وقع فيها قائد الانقلاب كانت نتيجة الروح التي نُفخت فيه من البوق الإعلامي حين قال له "إنت مش إنت" فصدق المسكين أنه قابل للارتقاء والتطور، وأن يعلو رتبة أخرى في السلم البيولوجي، وأن داروين لم يقل نظريته من نافلة القول، مؤمناً أن التطور ليس حكراً على جنس واحد من المخلوقات.

كان السباق مرهقاً، وآمال المراهنين كبيرة، وإمكانيات المراهَن عليه قليلة، وما ضُخ من أموال، وإن كان يقيم عمراناً، ويشيد بنياناً، إلا أنه لا ينشئ خلقاً آخر، ولا يبدل طبيعة المخلوق. وحين اقتربت ساعة الصفر، وجاء اليوم المشهود وهو اليوم الذي تؤيد فيه الجماهير شمشون الجبار، وجدوا أن شمشون لا يزيد عن كونه نحنوحاً تتلجلج الكلمة في صدره لأنها تمر على فلاتر وروديترات متعددة حتى تخرج الكلمة حنونة دافئة وهو يخاطب نور عينيه، على أن الكهربائيين يعرفون أربعة أنواع من الفلاتر التي تمرر مستويات مختلفة من الترددات الكهربائية، ولكن النحنوح كشف لمهندسي الكهرباء، تأسياً بعبد العاطي كفته، عن أن العلاقة بين النور وفلاتر الترددات ليست خصوصية فيزيائية، بل هي مكتسب عسكري أيضاً، لا سميا وأن براءات الاختراع لدى القوات المسلحة جعلت العلماء يقفون ساهمين مشدوهين من التعدد الوظيفي للعسكر، إذ ليس بالشيء الصعب أن يجمع الإنسان بين صناعة المعكرونة والمربى والأرز، وأن يكون عالماً مخترعاً كذلك يقضي على الأمراض المستعصية، هذا كله بعيداً عن كونه راعياً لفنون الرقص والهز الخشن الذي يجعل الإنسان يتردد كثيراً حينما يفكر بالزواج. فالرقص الذي جُعل لصاحبات القد المياد، خفيفات الظل والوزن، قد ابتذل في آخر عمره، فصار مشاعاً ونهبة تمارسه النائحات المستأجرات، بل والقوارض واللافقاريات، ومن يمشي على بطنه، ومن يمشي على أربع.

 وبالعودة إلى موضوع السباق، وومن باب رد الجميل لأولياء النعمة، أراد قائد الانقلاب أن يخوض السباق على طريقته هو، حتى يخفف من حرج المشهد، فقرر أن يمدد السباق يوماً إضافياً واحداً، مقسماً أغلظ الأقسام لمن راهن عليه، أنه قابل للارتقاء والتطور. وهكذا جنى تشالرز روبرت داروين على غير نوع واحد من الأنواع.

مشكلة السيسي وحيدة، وهي أنه في زحمة التطبيل والتزمير، وزخم الموالد التي تقام له يومياً، لم يجد من يتصدق عليه بنصيحة تختصر عليه الصعود على السلم "المخحهدش" راضي يدّي إياه حتى يصعد. فلو وجد من يقول له بأن الخيل والبغال والحمير حيوانات ذلولة أليفة تطيع الإنسان، وتحمل أثقاله إلى بلد لا يبلغه إلا بشق الأنفس، لاهتدى إلى ضالته. مع الانتباه الشديد في هذا المقام إلى عدم التنغيض عليه في الوظيفة الجديدة كأن يقول له قائل بأن هذه المخلوقات ليست فقط للركوب، بل وزينة أيضاً لجمالها الأخاذ، وذلك حتى لا ندخل في دوامة التفاضل الجمالي والوسامة، فالحلاوة هي حلاوة الروح كما يقول الإخوة المصريون.

بقي هنا أن نشير إلا الضحالة الشديدة لدى المراهنين العرب في اختيار الحصان الفحل الجدير بالرهان، والتي إن دلت على شيئ فإنما تدل على أن الدولة الأكثر استهلاكا للويسكي في العالم قد بلغت من الثمالة ما أفقدها الأهلية القانونية، والقدرة على التمييز بين الحصان والبغل، أو الحمار والجمل. وعليه نقترح عليهم أن يتخيروا لهم مشروباً جديداً يأتي بالسكرة ولكنه لا يذهب بالفكرة إلى هذا الحد المتهور طال عمركم.